Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 8-14)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَـٰقَكُمْ } ، قرأ أبو عمرو { أُخِذَ } بضم الهمزة وكسر الخاء { ميثاقُكم } برفع القاف على ما لم يسمَّ فاعله . وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء والقاف ، أي : أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه ، قاله مجاهد . وقيل : أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . { إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ } يوماً ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن . { هُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ } ، محمد صلى الله عليه وسلم , { ءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ } ، يعني القرآن ، { لِيُخْرِجَكُم } ، الله بالقرآن ، { مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى النُّورِ } ، وقيل : ليخرجكم الرسول بالدعوة من الظلمات إلى النور أي من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان ، { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رحيم } . { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، يقول : أي شيء لكم في ترك الإنفاق فيما يقرب من الله وأنتم ميتون تاركون أموالكم ، ثم بين فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله وبالجهاد فقال : { لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلفَتْح } ، يعني فتح مكة في قول أكثر المفسرين ، وقال الشعبي : هو صلح الحديبية ، { وَقَٰتَلَ } ، يقول : لا يستوي في الفضل من أنفق ماله وقاتل العدو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة مع من أنفق وقاتل بعده ، { أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَٰتَلُوا } . وروى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فإنه أول من أسلم وأول من أنفق ماله في سبيل الله . وقال عبد الله بن مسعود : أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي , أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي , أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد , أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب , أخبرنا محمد بن يونس , حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني , حدثنا أبو إسحاق الفزاري , حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل عليه جبريل فقال : مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال : " أنفق ماله عليّ قبل الفتح " قال : فإن الله عزّ وجلّ يقول : اقرأ عليه السلام وقل له : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر إن الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك : أراضٍ أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ " فقال أبو بكر : أأسخط على ربي ؟ إني عن ربي راضٍ إني عن ربي راضٍ " . { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ الحُسْنَى } ، أي كلا الفريقين وعدهم الله الجنة . قال عطاء : درجات الجنة تتفاضل ، فالذين أنفقوا قبل الفتح في أفضلها . وقرأ ابن عامر : " وكل " بالرفع ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير } . { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ * يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم } ، يعني على الصراط ، { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ } ، يعني عن أيمانهم . قال بعضهم : أراد جميع جوانبهم , فعبر بالبعض عن الكل وذلك دليلهم إلى الجنة . وقال قتادة : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك ، حتى أن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه " . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم , وأدناهم نوراً مَنْ نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة . وقال الضحاك ومقاتل : " يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " كتبهم , يريد أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم ، وتقول لهم الملائكة : { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلفَوْزُ ٱلعَظِيم } . { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا } ، قرأ الأعمش وحمزة : " أنظرونا " بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا . وقيل : انتظرونا . وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني يعني انتظرني . { نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ } ، نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعة لهم ، وهو قوله عزّ وجلّ : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 141 ] ، فبينما هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحاً وظلمة فأطفأ نور المنافقين ، فذلك قوله : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبأيمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } [ التحريم : 8 ] مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : انظرونا نقتبس من نوركم ، { قِيلَ ٱرجِعُوا وَرَاءَكُمْ } ، قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } ، فاطلبوا هناك لأنفسكم نوراً فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بسور } ، أي سور ، و " الباء " صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، { له } أي لذلك السور ، { بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَة } ، أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، { وَظَٱهِرُهُ } ، أي خارج ذلك السور ، { مِنْ قِبَلِهِ } ، أي من قبل ذلك الظاهر ، { ٱلْعَذَابُ } ، وهو النار . { يُنَادُونَهُمْ } روي عن عبد الله بن عمرو قال : إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ } هو سور بيت المقدس الشرقي , باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وادي جهنم . وقال شريح : كان كعب يقول : في الباب الذي يسمى " باب الرحمة " في بيت المقدس : إنه الباب الذي قال الله عزّ وجلّ : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ باب } الآية ، " ينادونهم " يعني : ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حُجِزَ بينهم بالسور وبقوا في الظلمة : { أَلَمْ نَكُن مَعَكُمْ } في الدنيا نصلي ونصوم ؟ { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أنفُسَكُمْ } ، أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات ، وكلها فتنة ، { وَتَرَبَصْتُمْ } ، بالإيمان والتوبة . قال مقاتل : وتربصتم بمحمد الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه ، { وٱرْتَبْتُمْ } ، شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به , { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِىّ } ، الأباطيل وما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللهِ } ، يعني الموت ، { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلغَرُورُ } ، يعني الشيطان ، قال قتادة : ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار .