Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 70-72)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا تنبيه على الاعتبار في إيجادنا بعد العدم وإماتتنا بعد ذلك ، ثم اعترض بمن ينكث من الناس لأنهم موضع عبرة ، و { أرذل العمر } آخرُه الذي تفسد فيه الحواس ويخْتل النطق ، وخص ذلك بالرذيلة وإن كانت حال الطفولية كذلك ، من حيث كانت هذه لأرجاء معها ، والطفولية إنما هي بدأة والرجاء معها متمكن ، وقال بعض الناس : أول أرذل العمر خمسة وسبعون سنة روي ذلك عن علي رضي الله عنه . قال القاضي أبو محمد : وهذا في الأغلب ، وهذا لا ينحصر إلى مدة معينة وإنما هو بحسب إنسان إنسان ، والمعْنى ، منكم من يرد إلى أرذل عمره ورب من يكون ابن خمسين سنة وهو في أرذل عمره ، ورب ابن مائة وتسعين ليس في أرذل عمره ، واللام في { لكي } يشبه أن يكون لام صيرورة ، وليس ببين ، والمعنى ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئاً ، وهذه عبارة عن قلة علمه لا أنه لا يعلم شيئاً البتة ، ولم تحل { لا } بين " كي " ومعمولها لتصرفها ، وأنها قد تكون زائدة ثم قرر تعالى علمه وقدرته التي لا تتبدل ولا تحملها الحوادث ولا تتغير ، وقوله { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } إخبار يراد به العبرة ، وإنما هي قاعدة يبنى المثل عليها ، والمثل هو أن المفضلين لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم ، فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى الله تعالى أنه يسمح بأن يشرك في ألوهيته الأوثان والأنصاب ، وهم خلقه وغيرها مما عبد كالملائكة والأنبياء وهم عبيده وخلقه ، هذا تأويل الطبري ، وحكاه عن ابن عباس وحكي عنه أن الآية مشيرة إلى عيسى ابن مريم عليه السلام ، قال المفسرون : هذه الآية كقوله تعالى { ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء } [ الروم : 28 ] ، ثم وقفهم على جحدهم نعمة الله في تنبيهه لهم على مثل هذا من مواطن النظر المؤدية إلى الإيمان ، وقرأ الجمهور وحفص عن عاصم " يجحدون " بالياء من تحت ، وقرأ أبو بكر عن عاصم " تجحدون " بالتاء ، وهي قراءة أبي عبد الرحمن والأعرج بخلاف عنه ، وهي على معنى قل لهم يا محمد . قال قتادة : لا يكون الجحد إلا بعد معرفة ، وقوله { والله جعل لكم } الآية ، آية تعديد نعم ، و " الأزواج " الزوجات ، ولا يترتب في هذه الآية الأنواع ولا غير ذلك ، وقوله { من أنفسكم } يحتمل أن يريد خلقته حواء من نفس آدم وجسمه ، فمن حيث كانا مبتدأ الجميع ساغ حمل أمرهما على الجميع حتى صار الأمر كأن النساء خلقن من أنفس الرجال ، وهذا قول قتادة ، والأظهر عندي أن يريد بقوله { من أنفسكم } ، أي من نوعكم وعلى خلقتكم ، كما قال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] وقوله { وجعل لكم من أزواجكم بنين } ، ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء ، واختلف الناس في قوله { وحفدة } فقال ابن عباس : " الحفدة " أولاد البنين ، وقال الحسن : هم بنوك وبنو بنيك ، وقال ابن مسعود وأبو الضحى وإبراهيم وسعيد بن جبير : " الحفدة " الأصهار وهم قرابة الزوجة ، وقال مجاهد : " الحفدة " الأنصار والأعوان والخدم ، وحكى الزجاج أن الحفدة البنات في قول بعضهم ، قال الزهراوي لأنهن خدم الأبوين لأن لفظة البنين لا تدل عليهن ، ألا ترى أنهن ليس في قول الله تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } [ الكهف : 46 ] وإنما الزينة في الذكور ، وقال ابن عباس أيضاً : " الحفدة " أولاد زوجة الرجل من غيره ، ولا خلاف أن معنى الحفد الخدمة والبر والمشي مسرعاً في الطاعة ومنه في القنوت : وإليك نسعى ونحفد ، والحفدان خبب فوق المشي ، ومنه قول الشاعر وهو جميل بن معمر : [ الكامل ] @ حفد الولائد بينهن وأسلمت بأكفهن أرمة الإجمال @@ ومنه قول الآخر : [ البسيط ] @ كلفت مجهولها نوقاً ثمانية إذا الحداة على أكسائها حفدوا @@ قال القاضي أبو محمد : وهذه الفرق التي ذكرت أقوالها إنما بنيت على أن كل أحد جعل له من زوجه بنون وحفدة ، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس ، ويحتمل عندي أن قوله : { من أزواجكم } إنما هو على العموم والاشتراك ، أي من أزواج البشر جعل الله لهم البنين ، ومنهم جعل الخدمة فمن لم تكن له قط زوجة فقد جعل الله له حفدة ، وحصل تحت النعمة ، وأولئك الحفدة هم من الأزواج ، وهكذا تترتب النعمة التي تشمل جميع العالم ، وتستقيم لفظة " الحفدة " على مجراها في اللغة ، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة ، وقالت فرقة : " الحفدة " هم البنون . قال القاضي أبو محمد : وهذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم ، كما لو قال جعلنا لهم بنين وأعواناً أي وهم لهم أعوان ، فكأنه قال : وهم حفدة وقوله { ورزقكم من الطيبات } يريد الله : من الأشياء التي تطيب لمن رزقها ، ولا يقتصر هنا على الحلال لأنهم كفار لا يكتسبون بشرع ، وفي هذه الآية رد على من قال من المعتزلة : إن الرزق إنما يكون الحلال فقط ، و { لكم } تعلق في لفظة { من } إذ هي للتبعيض ، فيقولون : ليس الرزق المعدد عليهم من جميع ما بأيديهم إلا ما كان حلالاً ، وقرأ الجمهور " يؤمنون " ، وتجيء الآية على هذه القراءة توقيفاً لمحمد صلى الله عليه وسلم على إيمانهم بالباطل وكفرهم بنعمة الله ، وقرأ أبو عبد الرحمن " تؤمنون " بالتاء من فوق ، ورويت عن عاصم على معنى قل لهم يا محمد ، ويجيء قوله بعد ذلك { وبنعمت الله هم يكفرون } إخباراً مجرداً عنهم وحكماً عليهم لا توقيفاً ، وقد يحتمل التوقيف أيضاً على قلة اطراد في القول .