Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 73-75)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه آية تقريع للكفار وتوبيخ وإظهار لفساد نظرهم ووضع لهم من الأصنام في الجهة التي فيها سعي الناس وإليها هممهم ، وهي طلب الرزق ، وهذه الأصنام لا تملك إنزال المطر ولا إثبات نعمة ، ومع أنها لا تملك لا تستطيع أن تحاول ذلك من ملك الله تعالى ، وقوله { رزقاً } مصدر ونصبه على المفعول بـ { يملك } ، وقوله { شيئاً } ذهب كثير من النحويين إلى أنه منصوب على البدل ، من قوله { رزقاً } و { رزقاً } اسم ، وذهب الكوفيون وأبو علي معهم إلى أنه منصوب بالمصدر في قوله { رزقاً } ولا نقدره اسماً ، وهو كقوله تعالى { ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياء وأمواتاً } [ المرسلات : 25 - 26 ] فـ { كفاتاً } [ المرسلات : 25 ] مصدر منصوب به { أحياء } [ المرسلات : 26 ] ومنه أيضاً في قوله عز وجل { أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة } [ البلد : 14 - 15 ] فنصب { يتيماً } [ البلد : 15 ] بـ { إطعام } [ البلد : 14 ] ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ فلولا رجاء النصر منك ورهبة عقابك قد صاروا لنا كالموارد @@ والمصدر يعمل مضافاً باتفاق لأنه في تقدير الانفصال ، ولا يعمل إذا دخله الألف اللام لأنه قد توغل في حال الأسماء وبعُد عن حال الفعلية ، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله ، وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشاعر : @ ضعيف النكاية أعداءه @@ البيت : وقوله : عن الضرب مسمعاً ، وقوله { يملك } على لفظ { ما } ، وقوله { يستطيعون } على معناها بحسب اعتقاد الكفار في الأصنام أنها تعقل ، ويحتمل أن يكون الضمير في { يستطيعون } للذين يعبدون ، المعنى لا يستطيعون ذلك ببرهان يظهرونه وحجة يثبتونها ، وقوله { فلا تضربوا } أي لا تمثلوا لله الأمثال ، وهو مأخوذ من قولك : ضريب هذا أي مثله ، والضرب النوع ، تقول : الحيوان على ضروب ، وهذان من ضرب واحد ، وباقي الآية بين وقوله { ضرب الله مثلاً } الآية ، هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه ، وإنما هو مسخر بإرادة سيده مدبر ، ولا يلزم من هذا أن العبيد كلهم بهذه الصفة كما انتزع بعض من ينتحل الفقه ، وقد قال في المثال : لا يقدر على شيء فيلزم على هذا الانتزاع أن يكون مؤمناً ينفق بحسب الطاعة ، وذلك أنه أشرف أن يكون مثالاً ، والرزق ما صح الانتفاع به ، وقال أبو منصور في عقيدته : الرزق ما وقع الاغتذاء به ، وهذه الآية ترد على هذا التخصيص ، وكذلك قوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } [ البقرة : 30 ] و { أنفقوا مما رزقناكم } [ البقرة : 254 ] وغير ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " جعل رزقي في ظل رمحي " ، وقوله : " أرزاق أمتي في سنابك خيلها ، وأسنة رماحها ، فالغنيمة كلها رزق " ، والصحيح أن ما صح الانتفاع به هو الرزق ، وهو مراتب أعلاها ما تغذي به ، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في قوله : " يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت " . قال القاضي أبو محمد : وفي معنى اللباس يدخل المركوب ونحوه ، واختلف الناس في الذي هو له هذا المثيل فقال قتادة وابن عباس : هو مثل الكافر والمؤمن فكأن الكافر مملوك مصروف عن الطاعة فهو لا يقدر على شيء لذلك . ويشبه ذلك العبد المذكور . قال القاضي أبو محمد : والتمثيل على هذا التأويل إنما وقع في جهة الكافر فقط ، جعل له مثالاً ، ثم قرن بالمؤمن المرزوق إلا أن يكون المرزوق ليس بمؤمن ، وإنما هو مثال للمؤمن ، فيقع التمثيل من جهتين ، وقال مجاهد والضحاك : هذا المثال والمثال الآخر الذي بعده إنما هو لله تعالى والأصنام ، فتلك هي للعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء ، والله تعالى تتصرف قدرته دون معقب ، وكذلك فسر الزجاج على نحو قول مجاهد . قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل أصوب ، لأن الآية تكون من معنى ما قبلها وبعدها في تبين أمر الله والرد على أمر الأصنام ، وذكر الطبري عن ابن عباس أنه قال : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان ، وعبد كان له ، وروي تعيين غير هذا ولا يصح إسناده . قال القاضي أبو محمد : والمثل لا يحتاج إلى تعيين أحد ، وقوله { الحمد لله } شكر على بيان الأمر بهذا المثال وعلى إذعان الخصم له ، وهذا كما تقول لمن أذعن لك في حجة وسلم ما تبني أنت عليه قولك : الله أكبر ، على هذا يكون كذا وكذا ، فلما قال هنا { هل يستوون } ؟ فكأن الخصم قال له لا فقال الحمد لله ظهرت الحجة ، وقوله { بل أكثرهم لا يعلمون } يريد لا يعلمون أبداً ولا يداخلهم إيمان ، ويتمكن على هذا قوله : { أكثرهم } ، لأن الأقل من الكفار هو الذي آمن من أولئك ، ولو كان معنى قوله { لا يعلمون } أي الآن ، لكان قوله { أكثرهم } بمعنى الاستيعاب لأنه لم يكن أحد منهم يعلم .