Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 26-26)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر المفسرون أنه لما ضرب الله تعالى المثلين المتقدمين في السورة قال الكفار : ما هذه الأمثال ؟ الله عز وجل أجل من أن يضرب هذه أمثالاً ، فنزلت الآية . وقال ابن قتيبة : " إنما نزلت لأن الكفار أنكروا ضرب المثل في غير هذه السورة بالذباب والعنكبوت " . وقال قوم : " هذه الآية مثل للدنيا " . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا ضعيف يأباه رصف الكلام واتساق المعنى . و { يستحيي } أصله يستحيي ، عينه ولامه حرفا علة ، أعلت اللام منه بأن استثقلت الضمة على الياء فسكنت . وقرأ ابن كثير في بعض الطرق عنه ، وابن محيصن وغيرهما " يستحي " بكسر الحاء ، وهي لغة لتميم ، نقلت حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت الضمة على الياء الثانية فسكنت ، فحذفت إحداهما للالتقاء . واختلف المتأولون في معنى : { يستحيي } في هذه الآية . فرجح الطبري أن معناه يخشى . وقال غيره . معناه يترك وهذا هو الأولى . ومن قال يمتنع أو يمنعه الحياء فهو يترك أو قريب منه . ولما كان الجليل القدر في الشاهد لا يمنعه من الخوض في نازل القول إلا الحياء من ذلك ، رد الله بقوله : { إن الله لا يستحيي } على القائلين كيف يضرب الله مثلاً بالذباب ونحوه ، أي إن هذه الأشياء ليست من نازل القول ، إذ هي من الفصيح في المعنى المبلغ أغراض المتكلم إلى نفس السامع ، فليست مما يستحيى منه . وحكى المهدوي أن الاستحياء في هذه الآية راجع إلى الناس ، وهذا غير مرضي . وقوله تعالى : { أن يضرب } ، { أن } مع الفعل في موضع نصب ، كأنها مصدر في موضع المفعول ، ومعنى { يضرب مثلاً } يبين ضرباً من الأمثال أي نوعاً ، كما تقول : هذا من ضرب هذا ، والضريب المثيل . ويحتمل أن يكون مثل ضرب البعث ، وضرب الذلة ، فيجيء المعنى أن يلزم الحجة بمثل ، و { مثلاً } مفعول ، فقيل هو الأول ، وقيل هو الثاني ، قدم وهو في نية التأخير ، لأن " ضرب " في هذا المعنى يتعدى إلى مفعولين . واختلفوا في قوله : { ما بعوضة } فقال قوم : { ما } صلة زائدة لا تفيد إلا شيئاً من تأكيد ، وقيل ما نكرة في موضع نصب على البدل من قوله { مثلاً } ، و { بعوضة } نعت لـ { ما } ، فوصفت ما بالجنس المنكر لإبهامها . حكى المهدوي هذا القول عن الفراء والزجاج وثعلب . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وقيل غير هذا مما هو تخليط دعا إليه الظن { أن يضرب } إنما يتعدى إلى مفعول واحد . وقال بعض الكوفيين : نصب { بعوضة } على تقدير إسقاط حرف الجر ، والمعنى أن يضرب مثلاً ما من بعوضة . وحكي عن العرب : " له عشرون ما ناقة فجملاً " ، وأنكر أبو العباس هذا الوجه . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والذي يترجح أن { ما } صلة مخصصة كما تقول جئتك في أمر ما فتفيد النكرة تخصيصاً وتقريباً ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت : [ الخفيف ] @ سلع ما ومثله عشر ما عائل ما وعالت البيقورا @@ وبعوضة على هذا مفعول ثان . وقال قوم : { ما } نكرة ، كانه قال شيئاً . والآية في هذا يشبهها قول حسان بن ثابت : [ الكامل ] . @ فكفى بنا فضلاً على من غيرنا حبُّ النبيِّ محمدٍ إيّانا @@ قال القاضي أبو محمد : وقد تقدم نظير هذا القول ، والشبه بالبيت غير صحيح عندي ، والبعوضة فعولة من بعض إذا قطع اللحم ، يقال بضع وبعض بمعنى ، وعلى هذا حملوا قول الشاعر : [ الوافر ] . @ لنعمَ البيتُ بيتُ أبي دثارٍ إذا ما خاف بعضُ القومِ بَعْضا @@ وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج : " بعوضةٌ " بالرفع . قال أبو الفتح : وجه ذلك أن " ما " اسم بمنزلة " الذي " ، أي لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلاً ، فحذف العائد على الموصول ، وهو مبتدأ ، ومثله قراءة بعضهم : " تماماً على الذي أحسن " أي على الذي هو أحسن . وحكى سيبويه ما أنا بالذي قائل لك شيئاً ، أي هو قائل . وقوله تعالى : { فما فوقها } من جعل { ما } الأولى صلة زائدة ، فـ " ما " الثانية عطف على بعوضة ، ومن جعل { ما } اسماً فـ " ما " الثانية عطف عليها . وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما : " المعنى فما فوقها في الصغر " . وقال قتادة وابن جريج وغيرهما : " المعنى في الكبر " . قال القاضي أبو محمد : والكل محتمل ، والضمير في { أنه } ، عائد على المثل . واختلف النحويون في { ماذا } : فقيل هي بمنزلة اسم واحد ، بمعنى أي شيء أراد الله ، وقيل " ما " اسم " وذا " اسم آخر بمعنى الذي ، فـ " ما " في موضع رفع بالابتداء ، و " ذا " خبره ، ومعنى كلامهم هذا الإنكار بلفظ الاستفهام . وقوله : { مثلاً } نصب على التمييز ، وقيل على الحال من " ذا " في { بهذا } ، والعامل فيه الإشارة والتنبيه . واختلف المتأولون في قوله تعالى : { يضل به كثير ويهدي به كثيراً } فقيل هو من قول الكافرين ، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى ؟ وقيل بل هو خبر من الله تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به ، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق . وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم : " إن الله لا يخلق الضلال " ولا خلاف أن قوله تعالى : { وما يضل به إلا الفاسقين } من قوله الله تعالى . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { ويهدي به كثيراً } إلى آخر الآية رداً من الله تعالى على قول الكفار { يضل به كثيراً } والفسق الخروج عن الشيء . يقال فسقت الفارة إذا خرجت من جحرها ، والرطبة إذا خرجت من قشرها ، والفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة الله عز وجل ، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان ، وقراءة جمهور الأمة في هذه الآية : " يُضل " بضم الياء فيهما . وروي عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه قرأ " يَضل " بفتح الياء " كثيرٌ " بالرفع " ويهدي به كثير . وما يضل به إلا الفاسقون " بالرفع . قال أبو عمرو الداني : " هذه قراءة القدرية وابن أبي عبله من ثقات الشاميين ومن أهل السنة ، ولا تصح هذه القرءة عنه ، مع أنها مخالفة خط المصحف " . وروي عن ابن مسعود أنه قرأ في الأولى : " يُضل " بضم الياء وفي الثانية " وما يَضل " بفتح الياء " به إلا الفاسقون " . قال القاضي أبو محمد : وهذه قراءة متجهة لولا مخالفتها خط المصحف المجمع عليه .