Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 27-29)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النقض رد ما أبرم على أوله غير مبرم ، والعهد في هذه الآية التقدم في الشيء والوصاة به . واختلف في تفسير هذا العهد : فقال بعض المتأولين : هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهر أبيهم آدم كالذر . وقال آخرون : بل نصب الأدلة على وحدانية الله بالسماوات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد . وقال آخرون : بل هذا العهد هو الذي أخذه الله على عباده بواسطة رسله أن يوحدوه وان لا يعبدوا غيره . وقال آخرون : بل هذا العهد هو الذي أخذه الله تعالى على أتباع الرسل والكتب المنزلة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يكتموا أمره . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فالآية على هذا في أهل الكتاب ، وظاهر ما قبل وبعد أنه في جميع الكفار . وقال قتادة : " هذه الآية هي فيمن كان آمن بالنبي عليه السلام ثم كفر به فنقض العهد " . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : لم ينسب الطبري شيئاً من هذه الأقوال ، وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل بهذه الآية ، والضمير في { ميثاقه } يحتمل العودة على العهد أو على اسم الله تعالى ، وميثاق مفعال من الوثاقة ، وهي الشد في العقد والربط ونحوه ، وهو في هذه الآية اسم في موضع المصدر كما قال عمرو بن شييم : [ الوافر ] . @ أكفراً بعد ردِّ الموتِ عنّي وبَعْدَ عَطَائك المائَةَ الرّتاعا ؟ @@ أراد بعد إعطائك . وقوله تعالى : { ما أمر الله به أن يوصل } ، { ما } في موضع نصب بـ { يقطعون } واختلف الشيء الذي أمره بوصله ؟ فقال قتادة : " الأرحام عامة في الناس " وقال غيره : " خاصة فيمن آمن بمحمد ، كان الكفار يقطعون أرحامهم " . وقال جمهور أهل العلم : الإشارة في هذه الآية إلى دين الله وعبادته في الأرض ، وإقامة شرائعه ، وحفظ حدوده . قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الحق ، والرحم جزء من هذا ، و { أن } في موضع نصب بدل من { ما } ، أو مفعول من أجله . وقيل { أن } في موضع خفض بدل من الضمير في { به } ، وهذا متجه . { ويفسدون في الأرض } يعبدون غير الله ويجورون في الأفعال ، إذ هي بحسب شهواتهم ، والخاسر الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز ، والخسران النقص كان في ميزان أو غيره . وقوله تعالى : { كيف تكفرون } لفظه الاستفهام وليس به ، بل هو تقرير وتوبيخ ، أي كيف تكفرون بالله ونعمه عليكم وقدرته هذه ؟ و { كيف } في موضع نصب على الحال والعامل فيها { تكفرون } ، وتقديرها أجاحدين تكفرون أمنكرين تكفرون ؟ و { كيف } مبنية ، وخصت بالفتح لخفته ، ومن قال إن { كيف } تقرير وتعجب فمعناه إن هذا الأمر إن عن فحقه أن يتعجب منه لغرابته وبعده عن المألوف من شكر المنعم ، والواو في قوله { وكنتم } واو الحال ، واختلف في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين : فقال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد . " فالمعنى كنتم أمواتاً معدومين قبل أن تخلقوا دارسين ، كما يقال للشيء الدارس ميت ، ثم خلقتم وأخرجتم إلى الدنيا فأحياكم ثم أماتكم الموت المعهود ، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة " . وقال آخرون : " كنتم أمواتاً بكون آدم من طين ميتاً قبل أن يُحيى ثم نفخ فيه الروح فأحياكم بحياة آدم ثم يميتكم ثم يحييكم على ما تقدم " . وقال قتادة : " كنتم أمواتاً في أصلاب آبائكم فأخرجتم إلى الدنيا فأحياكم ثم كما تقدم " . وقال غيره : " كنتم أمواتاً في الأرحام قبل نفخ الروح ثم أحياكم بالإخراج إلى الدنيا ثم كما تقدم " . وقال ابن زيد : " إن الله تعالى أخرج نسم بني آدم أمثال الذر ثم أماتهم بعد ذلك فهو قوله وكنتم أمواتاً ، ثم أحياهم بالإخراج إلى الدنيا ثم كما تقدم " . وقال ابن عباس وأبو صالح : " كنتم أمواتاً بالموت المعهود ثم أحياكم للسؤال في القبور ، ثم أماتكم فيها ، ثم أحياكم للبعث " . وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : " وكنتم أمواتاً بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم " . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والقول الأول هو أولى هذه الأقوال ، لأنه الذي لا محيد للكفار عن الإقرار به في أول ترتيبه ، ثم إن قوله أولاً { كنتم أمواتاً } وإسناده آخراً الإماتة إليه تبارك وتعالى مما يقوي ذلك القول ، وإذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتاً معدومين ثم للإحياء في الدنيا ثم للإماتة فيها قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر ، وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها ، والضمير في { إليه } عائد على الله تعالى أي إلى ثوابه أو عقابه ، وقيل هو عائد على الاحياء ، والأول أظهر . وقرأ جمهور الناس " تُرجَعون " بضم التاء وفتح الجيم . وقرأ ابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن يعمر وسلام والفياض بن غزوان ويعقوب الحضرمي : " يَرجع ويَرجعون وتَرجعون " بفتح الياء والتاء حيث وقع . و { خلق } معناه اخترع وأوجد بعد العدم ، وقد يقال في الإنسان خلق بعد إنشائه شيئاً ، ومنه قول الشاعر : [ زهير بن أبي سلمى ] [ الكامل ] @ ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري @@ ومنه قول الآخر : [ مجزوء الكامل ] @ من كان يخلق ما يقو ل فحيلتي فيه قليله @@ و { لكم } : معناه للاعتبار ، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده من نصب العبر : الإحياء ، والإماتة ، والخلق ، والاستواء إلى السماء وتسويتها . وقال قوم : بل معنى { لكم } إباحة الأشياء وتمليكها ، وهذا قول من يقول إن الأشياء قبل ورود السمع على الإباحة بينته هذه الآية ، وخالفهم في هذا التأويل القائلون بالحظر ، والقائلون بالوقف ، وأكثر القائلين بالحظر استثنوا أشياء اقتضت حالها مع وجود الإنسان الإباحة كالتنفس ، والحركة ويرد على القائلين بالحظر كل حظر في القرآن وعلى القائلين بالإباحة كل تحليل في القرآن وإباحة ، ويترجح الوقوف إذا قدرنا نازلة لا يوجد فيه سمع ولا تتعلق به . ومعنى الوقف أنه استنفاد جهد الناظر فيما يحزب من النوازل . وحكى ابن فورك عن ابن الصائغ أنه قال : " لم يخل العقل قط من السمع ولا نازلة إلا وفيها سمع أولها به تعلق أولها حال تستصحب " . قال : " فينبغي أن يعتمد على هذا ، ويغني عن النظر في حظر وإباحة ووقف " ، و { جميعاً } نصب عل الحال . وقوله تعالى : { ثم استوى } ، { ثم } هنا هي لترتيب الأخبار لا لترتيب الأمر في نفسه ، و { استوى } : قال قوم : " معناه علا دون تكييف ولا تحديد " ، هذا اختيار الطبري ، والتقدير علا أمره وقدرته وسلطانه . وقال ابن كيسان : " معناه قصد إلى السماء " . قال القاضي أبو محمد : أي بخلقه واختراعه . وقيل معناه كمل صنعه فيها كما تقول استوى الأمر . قال القاضي أبو محمد : وهذا قلق . وحكى الطبري عن قوم : أن المعنى أقبل ، وضعفه . وحكي عن قوم " المستوي " هو الدخان . وهذا أيضاً يأباه رصف الكلام ، وقيل المعنى استولى كما قال الشاعر الأخطل : [ الرجز ] @ قد استوى بشر على العراقِ من غير سيف ودم مهراقِ @@ وهذا إنما يجيء في قوله تعالى : { على العرش استوى } [ طه : 5 ] والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث ، ويبقى استواء القدرة والسلطان . { فسواهن } قيل المعنى جعلهن سواء ، وقيل سوى سطوحها بالإملاس ، و { سبع } نصب على البدل من الضمير ، أو على المفعول : بـ " سوّى " ، بتقدير حذف الجار من الضمير ، كأنه قال فسوّى منهن سبع ، وقيل نصب على الحال ، وقال سواهن إما على أن السماء جمع ، وإما على أنه مفرد على أنه مفرد اسم جنس ، فهو دال على الجمع . وقوله تعالى : { وهو بكل شيء عليم } معناه بالموجودات وتحقق علمه بالمعدومات من آيات أخر ، وهذه الآية تقتضي أن الأرض وما فيها خلق قبل السماء ، وذلك صحيح ، ثم دحيت الأرض بعد خلق السماء ، وبهذا تتفق معاني الآيات : هذه والتي في سورة المؤمن وفي النازعات .