Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-32)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال معمر بن المثنى : " إذ زائدة ، والتقدير وقال ربك " . قال أبو إسحاق الزجاج : " هذا اجتراء من أبي عبيدة " . قال القاضي أبو محمد : وكذلك رد عليه جميع المفسرين . وقال الجمهور : ليست بزائدة وإنما هي معلقة بفعل مقدر تقديره واذكر إذ قال ، وأيضاً فقوله : { خلق لكم ما في الأرض جميعاً } الآية ، يقتضي أن يكون التقدير وابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة ، وإضافة رب إلى محمد صلى الله عليه وسلم ومخاطبته بالكاف تشريف منه له ، وإظهار لاختصاصه به ، والملائكة واحدها ملك أصله ملاك على وزن مفعل من لاك إذا أرسل ، وجمعه ملائكة على وزن مفاعلة . وقال قوم : أصل ملك مألك ، من ألك إذا أرسل ، ومنه قول عدي بن زيد : [ الرمل ] @ أبلغ النعمان عني مألكاً أنه قد طال حبسي وانتظاري @@ واللغتان مسموعتان لأك وألك ، قلبت فيه الهمزة بعد اللام فجاء وزنه معفل ، وجمعه ملائكة ، وزنه معافلة . وقال ابن كيسان : " هو من ملك يملك ، والهمزة فيه زائدة كما زيدت في شمأل من شمل ، فوزنه فعأل ، ووزن جمعه فعائلة " وقد يأتي في الشعر على أصله كما قال : [ الطويل ] @ فلستِ لأنسيٍّ ولكنْ لمَلأكٍ تَنَزَّلَ مَن جَوِّ السماءِ يصُوبُ @@ وأما في الكلام فسهلت الهمزة وألقيت حركتها على اللام أو على العين في قول ابن كيسان فقيل ملك ، والهاء في ملائكة لتأنيث الجموع غير حقيقي ، وقيل هي للمبالغة كعلامة ونسابة ، والأول أبين . وقال أبو عبيدة : " الهمزة في ملائكة مجتلبة لأن واحدها ملك " . قال القاضي أبو محمد بن عبد الحق رضي الله عنه : فهذا الذي نحا إليه ابن كيسان . و { جاعل } في هذه الآية بمعنى خالق ، ذكره الطبري عن أبي روق ، ويقضي بذلك تعديها إلى مفعول واحد . وقال الحسن وقتادة : " جاعل بمعنى فاعل " . وقال ابن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الأرض هنا يعني بها مكة لأن الأرض دحيت من تحتها ، ولأنها مقرٌّ من هلك قومه من الأنبياء ، وإن قبر نوح وصالح بين المقام والركن " . و { خليفة } معناه من يخلف . قال ابن عباس : " كانت الجن قبل بني آدم في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء فبعث الله إليهم قبيلاً من الملائكة قتلهم وألحق فلَّهم بجزائر البحار ورؤوس الجبال ، وجعل آدم وذريته خليفة " . وقال الحسن : " إنما سمى الله بني آدم خليفة لأن كل قرن منهم يخلف الذي قبله ، الجيل بعد الجيل " . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ففي هذا القول ، يحتمل أن تكون بمعنى خالفة وبمعنى مخلوفة . وقال ابن مسعود : " إنما معناه خليفة مني في الحكم بين عبادي بالحق وبأوامري " يعني ذلك آدم عليه السلام ومن قام مقامه بعده من ذريته . وقرأ زيد بن علي " خليقة " بالقاف . وقوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها } الآية ، وقد علمنا قطعاً أن الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول ، وذلك عام في جميع الملائكة ، لأن قوله : " لا يسبقونه بالقول " خرج على جهة المدح لهم . قال القاضي أبو بكر بن الطيب : " فهذه العموم ، فلا يصح مع هذين الشرطين إلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة في الأرض نبأ ومقدمة " . قال ابن زيد وغيره : إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون ويسفكون الدماء ، فقالوا لذلك هذه المقالة . قال القاضي أبو محمد : فهذا إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه ، أو من عصيان من يستخلفه الله في أرضه وينعم عليه بذلك ، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعاً ، الاستخلاف ، والعصيان . وقال أحمد بن يحيى ثعلب وغيره : إنما كانت الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء في الأرض فجاء قولهم { أتجعل فيها } الأية ، على جهة الاستفهام المحض ، هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا ؟ وقال آخرون : كان الله تعالى قد أعلم الملائكة أنه يخلق في الأرض خلقاً يفسدون ويسفكون الدماء ، فلما قال لهم بعد ذلك : { إني جاعل } { قالوا أتجعل فيها } الآية ، على جهة الاسترشاد والاستعلام هل هذا الخليفة هو الذي كان أعلمهم به قبل أو غيره ؟ والسفك صب الدم ، هذا عرفه ، ، وقد يقال سفك كلامه في كذا إذا سرده . وقرأءة الجمهور بكسر الفاء . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : " ويسفكُ " بضم الفاء . وقرأ ابن هرمز " ويسفك " بالنصب بواو الصرف كأنه قال : من يجمع أن يفسد وأن يفسك . وقال المهدوي : هو نصب في جواب الاستفهام . قال القاضي أبو محمد والأول أحسن . وقولهم : { ونحن نسبح بحمدك } قال بعض المتأولين : هو على جهة الاستفهام ، كأنهم أرادوا { ونحن نسبح بحمدك } الآية ، أن نتغير عن هذه الحال . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحض في قولهم : { أتجعل } ؟ . وقال آخرون : معناه التمدح ووصف حالهم ، وذلك جائز لهم كما قال يوسف عليه السلام : { إني حفيظ عليم } [ يوسف : 55 ] . قال القاضي أبو محمد : وهذا يحسن مع التعجب الاستعظام لأن يستخلف الله من يعصيه في قولهم { أتجعل } وعلى هذا أدبهم بقوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } . وقال قوم : معنى الآية ونحن لو جعلتنا في الأرض واستخلفتنا نسبح بحمدك . وهذا أيضاً حسن مع التعجب والاستعظام في قولهم : { أتجعل } . ومعنى { نسبح بحمدك } ننزهك عما لا يليق بك وبصفاتك . وقال ابن عباس وابن مسعود : " تسبيح الملائكة صلاتهم لله " . وقال قتادة : " تسبيح الملائكة قولهم سبحان الله على عرفه في اللغة " . و { بحمدك } معناه : نخلط التسبيح بالحمد ونصله به ، ويحتمل أن يكون قوله { بحمدك } اعتراضاً بين الكلامين ، كأنهم قالوا ونحن نسبح ونقدس ، ثم اعترضوا على جهة التسليم ، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك . { ونقدس لك } قال الضحاك وغيره : معناه نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك ، والتقديس التطهير بلا خلاف ، ومنه الأرض المقدسة أي المطهرة ، ومنه بيت المقدس ، ومنه القدس الذي يتطهر به . وقال آخرون : { ونقدس لك } معناه ونقدسك أي نعظمك ونطهر ذكرك عما لا يليق به . قاله مجاهد وأبو صالح وغيرهما . وقال قوم : نقدس لك معناه نصلي لك . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف . وقوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } الأظهر أن { أعلم } فعل مستقبل ، و { ما } في موضع نصب به ، وقيل { أعلم } اسم ، و { ما } في موضع خفض بالإضافة ، ولا يصح الصرف فيه بإجماع من النحاة ، وإنما الخلاف في أفعل إذا سمي به وكان نكرة ، فسيبويه والخليل لا يصرفانه ، والأخفش يصرفه . واختلف أهل التأويل في المراد بقوله تعالى : { ما لا تعلمون } فقال ابن عباس : " كان إبليس - لعنه الله - قد أعجب ودخله الكبر لما جعله الله خازن السماء الدنيا وشرفه " . وقيل : بل لما بعثه الله إلى قتل الجن الذين كانوا أفسدوا في الأرض فهزمهم وقتلهم بجنده ، قاله ابن عباس أيضاً ، واعتقد أن ذلك لمزية له واستحقب الكفر والمعصية في جانب آدم عليه السلام . قال : فلما قالت الملائكة { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك . قال الله لهم { إني أعلم ما لا تعلمون } يعني ما في نفس إبليس . وقال قتادة : لما قالت الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها } وقد علم الله تعالى أن فيمن يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة ، قال لهم { إني أعلم ما لا تعلمون } يعني أفعال الفضلاء من بني آدم . وقوله تعالى : { وعلم } معناه عرف وتعليم آدم هنا عند قوم إلهام علمه ضرورة . وقال قوم : بل تعليم بقول ، فإما بواسطة ملك ، أو بتكليم قبل هبوطه الأرض ، فلا يشارك موسى - عليه السلام - في خاصته . وقرأ اليماني : " وعُلِّم " بضم العين على بناء الفعل للمفعول ، " آدمُ " مرفوعاً . قال أبو الفتح : " وهي قراءة يزيد البربري " و { آدم } أفعل مشتق من الأدمة وهي حمرة تميل إلى السواد ، وجمعه أدم وأوادم كحمر وأحامر ، ولا ينصرف بوجه ، وقيل { آدم } وزنه فاعل مشتق من أديم الأرض ، كأن الملك آدمها وجمعه آدمون وأوادم ، ويلزم قائل المقالة صرفه . وقال الطبري : " آدم فعل رباعي سمي به " ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله آدم من أديم الأرض كلها فخرجت ذريته على نحو ذلك منهم الأبيض والأسود والأسمر والسهل والحزن والطيب والخبيث " . واختلف المتأولون في قوله : { الأسماء } فقال جمهور الأمة : " علمه التسميات " وقال قوم : " عرض عليه الأشخاص " . قال القاضي أبو محمد والأول أبين ، ولفظة - علمه - تعطي ذلك . ثم اختلف الجمهور في أي الأسماء علمه ؟ فقال ابن عباس وقتادة ومجاهد : " علمه اسم كل شيء من جميع المخلوقات دقيقها وجليلها " . وقال حميد الشامي : " علمه أسماء النجوم فقط " . وقال الربيع بن خثيم : " علمه أسماء الملائكة فقط " . وقال عبد الرحمن بن زيد : " علمه أسماء ذريته فقط " . وقال الطبري : " علمه أسماء ذريته والملائكة " ، واختار هذا ورجحه بقوله تعالى : { ثم عرضهم على الملائكة } . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه تعالى علمه كلمة واحدة عرف منها جميع الأسماء . وقال آخرون : " علمه أسماء الأجناس ، كالجبال والخيل والأودية ونحو ذلك ، دون أن يعين ما سمته ذريته منها " . وقال ابن قتيبة : " علمه أسماء ما خلق في الأرض " . وقال قوم : علمه الأسماء بلغة واحدة ، ثم وقع الاصطلاح من ذريته فيما سواها . وقال بعضهم : " بل علمه الأسماء بكل لغة تكلمت بها ذريته " وقد غلا قوم في هذا المعنى حتى حكى ابن جني عن أبي علي الفارسي أنه قال : " علم الله تعالى آدم كل شيء ، حتى إنه كان يحسن من النحو مثل ما أحسن سيبويه " ، ونحو هذا من القول الذي هو بين الخطأ من جهات . وقال أكثر العلماء : " علمه تعالى منافع كل شيء ولما يصلح " . وقال قوم : " عرض عليه الأشخاص عند التعليم " . وقال قوم : " بل وصفها له دون عرض أشخاص " . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذه كلها احتمالات ، قال الناس بها . وقرا أبي بن كعب : " ثم عرضها " . وقرأ ابن مسعود : " ثم عرضهن " واختلف المتأولون هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص ؟ فقال ابن مسعود وغيره : عرض الأشخاص . وقال ابن عباس وغيره : عرض الأسماء ، فمن قال في الأسماء بعموم كل شيء قال عرضهم أمة أمة ونوعاً نوعاً ، ومن قال في الأسماء إنها التسميات استقام على قراء ة أبيّ : " عرضها " ، ونقول في قراءة من قرأ " عرضهم " : إن لفظ الأسماء يدل على الأشخاص ، فلذلك ساغ أن يقول للأسماء عرضهم . و { أنبئوني } معناه : أخبروني ، والنبأ الخبر ، ومنه النبيء . وقال قوم : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق ، ويتقرر جوازه ، لأنه تعالى علم أنهم لا يعملون . وقال المحققون من أهل التأويل : ليس هذا على جهة التكليف وإنما على جهة التقرير والتوقيف . وقوله تعالى : { هؤلاء } ظاهره حضور أشخاص ، وذلك عند العرض على الملائكة . وليس في هذه الآية ما يوجب أن الاسم أريد به المسمى كما ذهب إليه مكي والمهدوي ، فمن قال إنه تعالى عرض على الملائكة أشخاصاً استقام له مع لفظ { هؤلاء } ، ومن قال إنه إنما عرض أسماء فقط جعل الإشارة بـ { هؤلاء } إلى أشخاص الأسماء وهي غائبة ، إذ قد حضر ما هو منها بسبب ، وذلك أسماؤها ، وكأنه قال لهم في كل اسم لأي شخص هذا . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والذي يظهر أن الله تعالى علم آدم الأسماء وعرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصاً ، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها آدم ، ثم إن آدم قال لهم هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا ، و { هؤلاء } لفظ مبني على الكسر والقصر فيه لغة تميم وبعض قيس وأسد ، قال الأعشى : [ الخفيف ] . @ هؤلا ثم هؤلا كلا أعطيـ ـتَ نعالاً محذوة بنعال @@ و { كنتم } في موضع الجزم بالشرط ، والجواب عند سيبويه فيما قبله ، وعند المبرد محذوف ، والتقدير : إن كنتم صادقين فأنبئوني . وقال ابن مسعود وابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى عليه السلام ، معنى الآية : { إن كنتم صادقين } في أن الخليفة يفسد ويسفك . وقال آخرون : { صادقين } في إني إن استخلفتكم سبحتم بحمدي وقدستم لي . وقال الحسن وقتادة : روي أن الملائكة قالت حين خلق الله آدم : ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أعلم منا ولا أكرم عليه ، فأراد الله تعالى أن يريهم من علم آدم وكرامته خلاف ما ظنوا فالمعنى إن كنتم صادقين في دعواكم العلم . وقال قوم : معنى الآية { إن كنتم صادقين } في جواب السؤال عالمين بالأسماء . { قالوا } : ولذلك لم يسغ للملائكة الاجتهاد وقالوا : { سبحانك } حكاه النقاش . قال : ولو لم يشترط عليهم الصدق في الإنباء لجاز لهم الاجتهاد كما جاز للذي أماته الله مائة عام حين قال له " كم لبثت ؟ " ولم يشترط عليه الإصابة . فقال ، ولم يصب فلم يعنف . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا كله محتمل . وحكى الطبري أن بعض المفسرين قال : معنى { إن كنتم } " إذ كنتم " . قال الطبري : وهذا خطأ . وإن قال قائل ما الحكمة في قول الله تعالى للملائكة { إني جاعل } الآية ، قيل : هذا منه امتحان لهم واختبار ليقع منهم ما وقع ويؤدبهم تعالى من تعليم آدم وتكريمه بما أدب . و { سبحانك } معناه : تنزيهاً لك وتبرئة أن يعلم أحد من علمك إلا ما علمته ، و { سبحانك } نصب على المصدر . وقال الكسائي : " نصبه على أنه منادى مضاف " . قال الزهراوي : موضع { ما } من قولهم { ما علمتنا } نصب بـ { علمتنا } ، وخبر التبرئة في { لنا } ، ويحتمل أن يكون موضع { ما } رفعاً على أنه بدل من خبر التبرئة ، كما تقول لا إله إلا الله أي لا إله في الوجود إلا الله ، و { أنت } في موضع نصب تأكيد للضمير في { إنك } ، أو في موضع رفع على الابتداء . و { العليم } خبره ، والجملة خبر " إن " ، أو فاصلة لا موضع لها من الإعراب . و { العليم } معناه : العالم ، ويزيد عليه معنى من المبالغة والتكثير من المعلومات في حق الله عز وجل . و { الحكيم } معناه الحاكم ، وبينهما مزية المبالغة ، وقيل : معناه المحكم كما قال عمرو بن معديكرب : [ الوافر ] . @ أمن ريحانة الداعي السميع @@ أي المسمع ، ويجيء { الحكيم } على هذا من صفات الفعل . وقال قوم : { الحكيم } المانع من الفساد ، ومنه حكمة الفرس مانعته ، ومنه قول جرير : [ الكامل ] .