Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يؤمنون } معناه يصدقون ويتعدى بالباء ، وقد يتعدى باللام كما قال تعالى : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } [ آل عمران : 73 ] وكما قال : { فما آمن لموسى } [ يونس : 83 ] وبين التعديتين فرق ، وذلك أن التعدية باللام في ضمنها تعدٍّ بالباء يفهم من المعنى . واختلف القراء في همز { يؤمنون } فكان ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي يهمزون " يؤمنون " وما أشبهه ، مثل يأكلون ، ويأمرون ، ويؤتون ؛ وكذلك مع تحرك الهمزة مثل " يؤخركم " و " يؤوده " إلا أن حمزة كان يستحب ترك الهمز إذا وقف ، والباقون يقفون بالهمز . وروى ورش عن نافع ترك الهمز في جميع ذلك . وقد روي عن عاصم أنه لم يكن يهمز الساكنة . وكان أبو عمرو إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة لم يهمز كل همزة ساكنة ، إلا أنه يهمز حروفاً من السواكن بأعيانها ستذكر في مواضعها إن شاء الله . وإذا كان سكون الهمزة علامة للجزم لم يترك همزها مثل { ننسأها } [ البقرة : 105 ] { وهيىء لنا } [ الكهف : 8 ] وما أشبهه . وقوله : { بالغيب } قالت طائفة : معناه يصدقون إذا غابوا وخلوا ، لا كالمنافقين الذين يؤمنون إذا حضروا ويكفرون إذا غابوا . وقال آخرون : معناه يصدقون بما غاب عنهم مما أخبرت به الشرائع . واختلفت عبارة المفسرين في تمثيل ذلك ، فقالت فرقة : " الغيب في هذه الآية هو الله عز وجل " وقال آخرون : " القضاء والقدر " وقال آخرون : " القرآن وما فيه من الغيوب " وقال آخرون : " الحشر والصراط والميزان والجنة والنار " . قال القاضي أبو محمد : وهذه الأقوال لا تتعارض ، بل يقع الغيب على جميعها ، والغيب في اللغة : ما غاب عنك من أمر ، ومن مطمئن الأرض الذي يغيب فيه داخله . وقوله : { يقيمون } معناه يظهرونها ويثبتونها ، كما يقال : أقيمت السوق ، وهذا تشبيه بالقيام من حالة خفاء ، قعود أو غيره ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ] . @ وإذا يقال أتيتُم لم يبرحوا حتى تقيمَ الخيلُ سوقَ طِعان @@ ومنه قول الشاعر : [ المتقارب ] @ أقمنا لأهل العراقين سوق الطِّـ ـطِعان فخاموا وولّوا جميعا @@ وأصل { يقيمون } يقومون ، نقلت حركة الواو إلى القاف فانقلبت ياء لكون الكسرة قبلها . و { الصلاة } مأخوذة من صلى يصلي إذا دعا ، كما قال الشاعر : [ البسيط ] @ عليكِ مثل الذي صلّيت فاغتمضي يوماً فإنَّ لجنب المرءِ مُضْطَجعا @@ ومنه قول الآخر : [ الطويل ] @ لها حارس لا يبرح الدهرَ بيتها وإنْ ذبحت صلّى عليها وزمزما @@ فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء انضاف إليه هيئات وقراءة سمي جميع ذلك باسم الدعاء . وقال قوم : هي مأخوذة من الصَّلاَ وهو عِرْق في وسط الظهر ويفترق عند العجب فيكتنفه ، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل ، لأنه يأتي مع صَلَوي السابق ، فاشتقّت الصلاة منه ، إما لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلِّي من الخيل ، وإما لأن الراكع والساجد صَلَواه . قال القاضي أبو محمد : والقول إنها من الدعاء أحسن . وقوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } كتبت " مما " متصلة " وما " بمعنى " الذي " فحقّها أن تكون منفصلة ، إلا أن الجار والمجرور كشيء واحد ، وأيضاً فلما خفيت نون " من " في اللفظ حذفت في الخط . والرزق عند أهل السنة . ما صح الانتفاع به حلالاً كان أو حراماً ، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق . و { ينفقون } معناه هنا يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وما ندبهم إليه من غير ذلك . قال ابن عباس : { ينفقون } يؤتون الزكاة احتساباً لها " . قال غيره : " الآية في النفقة في الجهاد " . قال الضحاك : " هي نفقة كانوا يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر يُسْرهم " . قال ابن مسعود وابن عباس أيضاً : " هي نفقة الرجل على أهله " . قال القاضي أبو محمد : والآية تعمّ الجميع . وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف .