Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 40-45)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما ذكر تعالى حال الكفرة في الآخرة وما يقال لهم وهم في العذاب ، اقتضى ذلك أن تشفق النفوس ، وأن ينظر كل سامع لنفسه ويسعى في خلاصها ، فلما كانت قريش مع هذا الذي سمعت لم تزل عن عتوها وإعراضها عن أمر الله ، رجعت المخاطبة إلى محمد عليه السلام على جهة التسلية له عنهم وشبههم بـ { الصم } و { العمي } ، إذ كانت حواسهم لا تفيد شيئاً . وقوله : { ومن كان في ضلال مبين } يريد بذلك قريشاً بأنفسهم ، ولذلك لم يقل : " من كان " بل جاء بالواو العاطفة ، كأنه يقول : وهؤلاء ، ويؤيد ذلك أيضاً عود الضمير عليهم في قوله : { فإنا منهم } ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله : { ومن كان } . وقوله تعالى : { فإما نذهبن بك } الآية تتضمن وعيداً واقعاً ، وذهب جمهور العلماء إلى أن المتوعدين هم الكفار ، وأن الله تعالى أرى نبيه الذي توعدهم في بدر والفتح وغير ذلك ، وذهب الحسن وقتادة إلى أن المتوعدين هم في هذه الأمة ، وأن الله تعالى أكرم نبيه على أن ينتقم منهم بحضرته وفي حياته ، فوقعت النقمة منهم بعد أن ذهب به ، وذلك في الفتن الحادثة في صدر الإسلام مع الخوارج وغيرهم ، قال الحسن وقتادة : أكرم الله نبيه على أن يرى في أمته ما يكره كما رأى الأنبياء ، فكانت بعد ذهابه صلى الله عليه وسلم ، وقد روي حديث عن جابر بن عبد الله أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { فإنا منهم منتقمون } فقال : بعلي بن أبي طالب والقول الأول من توعد الكفار أكثر ، ثم أمر تعالى نبيه بالتمسك بما جاء من عند الله من الوحي المتلو وغيره . والصراط : الطريق . وقرأ الجمهور : " أوحيَ " على بناء الفعل للمفعول . وقرأ الضحاك : " أوحى " على الفعل المبني للفاعل ، أي أوحى الله . وقوله : { وإنه لذكر لك } يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا . والقوم : على هذا قريش ثم العرب ، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ، فإذا قالوا له : فلمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت حتى نزلت هذه الآية ، فكان إذا سئل بعد ذلك ، قال لقريش ، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان " وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الأمر في قريش ما زالوا ، إذ حكوا عدلوا ، وإذا استرحموا رحموا ، وإذا عاهدوا وفوا ، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " . وروى معاوية أنه عليه السلام قال : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين " . ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة ، فـ " القوم " على هذا أمة بأجمعها ، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن ، وقوله : { وسوف تسئلون } قال ابن عباس وغيره معناه : عن أوامر القرآن ونواهيه : وقال الحسن بن أبي الحسن معناه : عن شكر النعمة فيه ، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه . واختلف المفسرون في المراد بالسؤال في قوله : { وسئل من أرسلنا } فقالت فرقة ، أراد : أن اسأل جبريل ، ذكر ذلك النقاش ، وفيه بعد . وقال ابن زيد وابن جبير والزهري ، أراد : واسأل الرسل إذا لقيتهم ليلة الإسراء ، أما أن النبي عليه السلام لم يسأل الرسل ليلة الإسراء عن هذا ، لأنه كان أثبت يقيناً من ذلك ولم يكن في شك . وقالت فرقة ، أراد : واسألني ، أو واسألنا عمن أرسلنا ، والأولى على هذا التأويل أن يكون : { من أرسلنا } استفهاماً أمره أن يسأل له ، كأن سؤاله : يا رب من أرسلت قبلي من رسلك ؟ أجعلت في رسالته الأمر بآلهة يعبدون ؟ ثم ساق السؤال محكي المعنى ، فرد المخاطبة إلى محمد عليه السلام في قوله : { من قبلك } . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وعطاء ، أراد : وسل تباع من أرسلنا وحملة شرائعهم ، لأن المفهوم أنه لا سبيل إلى سؤاله الرسل إلا بالنظر في آثارهم وكتبهم وسؤال من حفظها . وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب : " وسئل الذين أرسلنا إليهم رسلنا " ، فهذه القراءة تؤيد هذا المعنى ، وكذلك قوله : { وسئل القرية } [ يوسف : 82 ] مفهوم إنه لا يسأل إلا أهلها ، ومما ينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } [ النساء : 59 ] فمفهوم أن الرد إنما هو إلى كتاب الله وسنة رسوله ، وأن المحاور في ذلك إنما هم تباعهم وحفظة الشرع . وقوله : { يعبدون } أخرج ضميرهم على حد من يعقل مراعاة للفظ الآلهة .