Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 14-20)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف النحويون في إعراب قوله تعالى : { ودانية } ، فقال الزجاج وغيره : هو حال عطفاً على { متكئين } [ الإنسان : 13 ] وقال أيضاً : ويجوز أن يكون صفة للجنة ، فالمعنى وجزاهم جنة دانية ، وقرأ جمهور الناس " دانية " وقرأ الأعمش " ودانياً عليهم " وقرأ أبو جعفر " ودانيةٌ " بالرفع , وقرأ أبيّ بن كعب " ودانٍ " مفرد مرفوع في الإعراب ، ودنو الظلال بتوسط أنعم لها ، لأن الشيء المظل إذا بعد فترة ظله لا سيما من الأشجار والتذليل أن تطيب الثمرة فتتدلى وتنعكس نحو الأرض ، و " التذليل " في الجنة هو بحسب إرادة ساكنيها ، قال قتادة ومجاهد وسفيان : إن كان الإنسان قائماً تناول الثمر دون كلفة وإن كان قاعداً فكذلك ، وإن كان مضطجعاً فكذلك . فهذا تذليلها لا يرد عنها بعد ولا شوك . ومن اللفظة قول امرىء القيس : [ الطويل ] @ كأنبوب السقي المذلل @@ ومنه قول الأنصاري : والنخل قد ذللت فهي مطوقة بثمرها . و { القطوف } : جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه . والعنب ونحوه . و { آنية } جمع إناء . و { الكوب } ما لا عروة له ولا أذن من الأواني ، وهي معروفة الشكل في تلك البلاد . وهو الذي تقول له العامة القب ، لكنها تسمي بذلك ما له عروة . وذلك خطأ أيضاً . وقال قتادة : الكوب القدح . والقوارير : الزجاج . واختلف القراء فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم " قواريراً قواريراً " بالإجراء فيهما على ما قد تقدم في قوله " سلاسلاً " ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " قواريرَ قواريرَ " بترك الإجراء فيهما ، وقرأ ابن كثير " قواريراً " بالإجراء في الأول " قواريرَ " بترك الإجراء في الثاني ، وقرأ أبو عمرو " قواريرا " ، ووقف بألف دون تنوين " قواريرَ " بترك الإجراء في الثاني ، وقوله تعالى : { من فضة } يقتضي أنها من زجاج ومن فضة وذلك متمكن لكونه من زجاج في شفوفه و { من فضة } في جوهره ، وكذلك فضة الجنة شفافة ، وقال أبو علي جعلها { من فضة } لصافئها وملازمتها لتلك الصفة وليست من فضة في حقيقة أمرها . وإنما هذا كما قال الشاعر [ البعيث ] : [ الطويل ] @ ألا أصبحت أسماء جاذمة الوصل وضنت عليها والضنين من البخل . @@ وقوله تعالى : { قدروها } يحتمل أن يكون الضمير للملائكة ، ويحتمل أن يكون للطائفين ، ويحتمل أن يكون للمنعمين ، والتقدير إما أن يكون على قدر الأكف قاله الربيع ، أو على قدر الري قاله مجاهد ، وهذا كله على قراءة من قرأ " قَدروها " بتخفيف القاف ، وقرأ ابن أبزى وعلي الجحدري وابن عباس والشعبي وقتادة " قُدِروها " بضم القاف وكسر الدال ، قال أبو علي : كأن اللفظ قدروا عليها ، وفي المعنى قلب لأن حقيقة المعنى أن يقال : قدرت عليهم فهي مثل قوله : { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } [ القصص : 76 ] ، ومثل قول العرب : إذا طلعت الجوزاء ، ألفى العود على الحرباء ، حكاه أبو علي ، وكون الزنجبيل مزاجها هو على ما ذكرناه في العرف ولذع اللسان ، وذلك من لذات المشروب ، و " الزنجبيل " : طيب حار ، وقال الشاعر [ الأعشى ] : [ الرجز ] @ كأن جنياً من الزنجبيل بات بفيها وأرياً مشورا @@ وقال المسيب بن علس : [ الكامل ] @ وكأن طعم الزنجبيل به إذ ذقته وسلافة الخمر @@ وقال قتادة : " الزنجبيل " ، اسم لعين في الجنة يشرب منها المقربون صرفاً ، وتمزج لسائر أهل الجنة ، و { عيناً } بدل من كأس أو من عين على القول الثاني ، و { سلسبيلاً } قيل هو اسم بمعنى السلس المنقاد الجرية ، وقال مجاهد : حديدة الجرية ، وقيل : هي عبارة عن حسن إيساغها ، قال ابن الأعرابي : لم أسمع هذه اللفظة إلا في القرآن ، وقال آخرون : { سلسبيلاً } صفة لقوله { عيناً } وتسمى بمعنى توصف وتشهر وكونه مصروفاً مما يؤكد كونه صفة للعين لا اسماً ، وقال بعض المقرئين والتصحيح من الألوسي : { سلسبيلاً } أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته بسؤال السبيل إليها ، وهذا قول ضعيف لأن براعة القرآن وفصاحته لا تجيء هكذا ، واللفظة معروفة في اللسان وأن السلسل والسلسبيل ، بمعنى واحد ومتقارب . و { مخلدون } قال جمهور الناس : معناه باقون من الخلود ، وجعلهم ولداناً لأنهم في هيئة الولدان في السن لا يتغيرون عن تلك الحال ، وقال أبو عبيدة وغيره { مخلدون } معناه مقرطون ، والخلدات حلي يعلق في الآذان ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ] @ ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوب الكثبان . @@ وشهرة هذه اللغة في حمير ، وشبههم بـ " اللؤلؤ المنثور " في بياضهم وانتشارهم في المساكن يجيئون ويذهبون وفي جمالهم ، ومنه سميت المرأة درة وجوهرة ، ثم كرر ذكر الرؤية مبالغة ، و { ثم } ظرف والعامل فيه { رأيت } أو معناه ؟ وقال الفراء التقدير : { رأيت } ما { ثم } وحذفت ما ، وقرأ حميد الأعرج " ثُم " بضم الثاء ، و " النعيم " : ما هم فيه من حسن عيش ، و " الملك الكبير " قال سفيان : هو استئذان الملائكة وتسليمهم عليهم وتعظيمهم لهم ، فهم في ذلك كالملوك ، وقال أكثر المفسرين : " الملك الكبير " اتساع مواضعهم ، فروي عن عبد الله بن عمر أنه قال : ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام كلهم مختلف شغله من شغل أصحابه ، وأدنى أهل الجنة منزلة من ينظر من ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه .