Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 22-24)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لا جرم } قال ابن عباس : يريد : حقاً إِنهم الأخسرون . وقال الفراء : « لا جرم » كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك ، وكثر استعمالهم إِياها حتى صارت بمنزلة « حقا » ، ألا ترى أن العرب تقول : لا جرم لآتينَّك ، لا جرم لقد أحسنت ، وأصلها من جرمتُ ، أي : كسبت الذنب . قال الزجاج : ومعنى « لا جرم » : « لا » نفي لما ظنوا أنه ينفعهم ، كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ، أي : كسب لهم ذلك الفعلُ الخسرانَ . وذكر ابن الأنباري أن « لا » رد على أهل الكفر فيما قدَّروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة ، والمعنى : لا يندفع عنهم عذابي ، ولا يجدون ولياً يصرف عنهم نقمتي ، ثم ابتدأ مستأنفاً « جرم » ، قال : وفيها قولان : أحدهما : أنها بمعنى : كسب كفرهم وما قدَّروا من الباطل وقوعَ العذاب بهم . فـ « جرم » فعل ماض ، معناه : كسب ، وفاعله مُضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل . والثاني : أن معنى جرم : أحقَّ وصحَّحَ ، وهو فعل ماض ، وفاعله مضمر فيه ، والمعنى : أحقَّ كفرُهم وقوعَ العذاب والخسران بهم ، قال الشاعر : @ ولقد طَعَنْتَ أبا عُيَيْنَةَ طعنةً جرمت فزارة بعدها أن يَغْضَبُوا @@ أراد : حقت الطعنةُ فزارة بالغضب . ومن العرب من يغيِّرُ لفظ « جرم » مع « لا » خاصة ، فيقول بعضهم : « لا جُرْم » ، ويقول آخرون : « لا جَرْ » باسقاط الميم ، ويقال : « لاذا جرم » و « لاذا جر » بغير ميم ، و لا إِن ذا جرم و « لا عن ذا جرم » ، ومعنى اللغات كلها : حقاً . قوله تعالى : { وأخبتوا إِلى ربهم } فيه سبعة أقوال : أحدها : خافوا ربهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : أنابوا إلى ربهم ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : ثابوا إِلى ربهم ، قاله قتادة . والرابع : اطمأنوا ، قاله مجاهد . والخامس : أخلصوا ، قاله مقاتل . والسادس : تخشَّعوا لربهم ، قاله الفراء . والسابع : تواضعوا لربهم ، قاله ابن قتيبة . فإن قيل : لم أوثرت « إِلى » على اللام في قوله « وأخبتوا إِلى ربهم » ، والعادة جارية بأن يقال : أخبتوا لربهم ؟ فالجواب : أن المعنى : وَجَّهوا خوفَهم وخشوعهم وإِخلاصهم إِلى ربهم ، واطمأنوا إِلى ربهم . قال الفراء : وربما جعلت العرب « إِلى » في موضع اللام ، كقوله : { بأن ربك أوحى لها } [ الزلزال : 5 ] ، وقوله : { الذي هدانا لهذا } [ الأعراف : 43 ] . وقد يجوز في العربية : فلان يخبت إِلى الله ، يريد : يفعل ذلك موجهَه إِلى الله . قال بعض المفسرين : هذه الآية نازلة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما قبلها نازل في المشركين . ثم ضرب للفريقين مثلاً ، فقال : { مثل الفريقين كالأعمى والأصم } قال مجاهد : الفريقان : المؤمن والكافر . فأما الأعمى والأصم فهو الكافر ، وأما البصير والسميع فهو المؤمن . قال قتادة : الكافر عَمِيَ عن الحق وصُمَّ عنه ، والمؤمن أبصرَ الحق وسمعَه ثم انتفع به . وقال أبو عبيدة : في الكلام ضمير ، تقديره : مثل الفريقين كمثل الأعمى . وقال الزجاج : مثل الفريقين المسلِمَين كالبصير والسميع ، ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم ، لأنهم في عداوتهم وتركهم للفهم بمنزلة من لايسمع ولا يبصر . قوله تعالى : { هل يستويان مثلاً } أي : هل يستويان في المشابهة ؟ والمعنى : كما لا يستويان عندكم ، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر عند الله . وقال أبو عبيدة : « هل » هاهنا بمعنى الإِيجاب ، لا بمعنى الاستفهام ، والمعنى : لا يستويان . قال الفراء : وإِنما لم يقل : « يستوون » لأن الأعمى والأصم من صفةِ واحدٍ ، والسميع والبصير من صفةِ واحدٍ ، كقول القائل : مررت بالعاقل واللبيب ، وهو يعني واحداً ، قال الشاعر : @ وما أدْرِي إِذا يمَّمْتُ أرضًا أريدُ الخيْرَ أيّهما يليني @@ فقال : أيهما . وإِنما ذكر الخير وحده ، لأن المعنى يُعرف ، إِذ المبتغي للخير متَّقٍ للشر . وقال ابن الأنباري : الأعمى والأصم صفتان لكافر ، والسميع والبصير صفتان لمؤمن ، فرُدَّ الفعلُ إِلى الموصوفين بالأوصاف الأربعة ، كما تقول : العاقل والعالم ، والظالم والجاهل ، حضرا مجلسي ، فتثنِّي الخبر بعد ذكرك أربعة ، لأن الموصوف بالعلم هو الموصوف بالعقل ، وكذلك المنعوت بالجهل هو المنعوت بالظلم ، فلما كان المنعوتان اثنين ، رجع الخبر إِليهما ، ولم يُلتفت إِلى تفريق الأوصاف ، ألا ترى أنه يسوغ أن تقول : الأديب واللبيب والكريم والجميل قصدني ، فتوحِّد الفعل بعد أوصاف لعلة أن الموصوف بهن واحد ، ولا يمتنع عطف النعوت على النعوت بحروف العطف ، والموصوفُ واحد ، فقد قال تعالى : { التائبون العابدون } [ التوبة : 112 ] ثم قال : { الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر } فلم يقتض دخولُ الواو وقوعَ خلاف بين الآمرين والناهين ، وقد قيل : الآمر بالمعروف ، ناهٍ عن المنكر في حال أمره ، وكان دخول الواو دلالة على الآمر بالمعروف ، لأن الأمر بالمعروف لا ينفرد دون النهي عن المنكر ، كما ينفرد الحامدون بالحمد دون السائحين ، والسائحون بالسياحة دون الحامدين ، ويدل أيضاً على أن العرب تنسق النعت على النعت والمنعوت واحد ، كقول الشاعر يخاطب سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان : @ يَظُنُّ سعيدٌ وابنُ عمروٍ بأننَّي إِذا سامَني ذلاً أكونُ به أرْضَى @@ فنسق ابن عمرو على سعيد ، وهو سعيد .