Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 77-81)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ولما جاءت رسلنا لوطاً } قال المفسرون : خرجت الملائكة من عند إِبراهيم نحو قرية لوط ، فأَتَوْهَا عشاءً . وقال السدي عن أشياخه : أَتَوْهَا نصف النهار ، فلما بلغوا نهر سدوم ، لقوا بنت لوط تستقي الماء لأهلها ، فقالوا : لها : ياجارية ، هل من منزل ؟ قالت : نعم ، مكانَكم لا تدخلوا حتى آتيكم فَرَقاً عليهم من قومها ؛ فأتت أباها ، فقالت : يا أبتاه ، أدرك فتياناً على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم ، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم ؛ وقد كان قومه نَهَوْهُ أن يضيف رجلاً ؛ فجاء بهم ، ولم يعلم بهم أحد إِلا أهل بيت لوط ؛ فخرجت امرأته فأخبرت قومها ، فجاؤوا يُهْرَعُونَ إِليه . قوله تعالى : { سيء بهم } فيه قولان . أحدهما : ساء ظنه بقومه ، قاله ابن عباس . والثاني : ساءه مجيء الرسل ، لأنه لم يعرفهم ، وأشفق عليهم ، من قومه قاله ابن جرير . قال الزجاج : وأصل { سيء بهم } سُوِىء بهم ، من السوء ، إِلا أن الواو أسكنت ونقلت كسرتها إِلى السين . قوله تعالى : { وضاق بهم ذرعاً } قال ابن عباس : ضاق ذرعاً بأضيافه . قال الفراء : الأصل فيه : وضاق ذرعه بهم ، فنُقل الفعل عن الذرع إِلى ضمير لوط ، ونُصب الذرع بتحول الفعل عنه ، كما قال : { واشتعل الرأس شيباً } [ مريم 4 ] ومعناه : اشتعل شيب الرأس . قال الزجاج : يقال : ضاق فلان بأمره ذرعاً : إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصاً . وذكر ابن الأنباري فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن معناه : وقع به مكروه عظيم لايصل إِلى دفعه عن نفسه ، فالذرع كناية عن هذا المعنى . والثاني : أن معناه : ضاق صبره وعظم المكروه عليه ؛ وأصله من ذرع فلاناً القيءُ : إِذا غلبه وسبقه . والثالث : أن المعنى : ضاق بهم وُسْعُه ، فناب الذرع والذراع عن الوسع ، لأن الذراع من اليد ، والعرب تقول : ليس هذا في يدي ، يعنون : ليس هذا في وُسْعِي ؛ ويدل على صحة هذا أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع ، فيقولون : ضقت بهذا الأمر ذراعاً ، قال الشاعر : @ إِلَيْكَ إِلَيْكَ ضَاقَ بِهِم ذِرَاعَا @@ فأما العصيب ، فقال أبو عبيدة : العصيب : الشديد الذي يعصب الناس بالشر ، وأنشد : @ يَوْمٌ عَصِيبُ يَعْصِبُ الأَ بْطَالاَ عَصْبَ القويِّ السَّلَمَ الطِّوالا @@ وقال أبو عبيد : يقال : يوم عصيب ، ويوم عصبصب : إِذا كان شديداً . قوله تعالى : { يهرعون إِليه } قال ابن عباس ، ومجاهد : « يهرعون » يسرعون . وقال الفراء ، والكسائي : لا يكون الإِهراع إِلا إِسراعاً مع رِعدة . قال ابن قتيبة : الإِهراع شبيه بالرِعدة ، يقال : أُهرع الرجل : إِذا أسرع ، على لفظ ما لم يسم فاعله ، كما يقال : أُرعد . قال ابن الأنباري : الإِهراع فعل واقع بالقوم وهو لَهم في المعنى ، كما قالت العرب : قد أُولع الرجل بالأمر ، فجعلوه مفعولاً ، وهو صاحب الفعل ، ومثله : أُرعد زيد ، وسُهي عمرو من السهو ، كل واحد من هذه الأفاعيل خرج الاسم معه مقدراً تقدير المفعول ، وهو صاحب الفعل لا يُعرف له فاعل غيره . قال : وقال بعض النحويين : لا يجوز للفعل أن يُجعل فاعله مفعولاً ، وهذه الأفعال المذكورة فاعلوها محذوفون ، وتأويل « أولع زيد » : أولعه طبعه وجِبلَّته ، « وأُرعد الرجل » : أرعده غضبه ، « وسهي عمرو » جعله ساهياً مالُه أو جهله ، و « أُهرع » معناه : أهرعه خوفه ورعبه ؛ فلهذه العلة خرِّج هؤلاء الأسماء مخرج المفعول به . قال : وقال بعض اللغويين : لا يكون الإِهراع إِلا إِسراع المذعور الخائف ؛ لا يقال لكل مسرع : مهرع حتى ينضم إِلى إِسراعه جزع وذعر . قال المفسرون : سبب إِهراعهم ، أن امرأة لوط أخبرتهم بالأضياف . { ومن قبل } أي : ومن قبل مجيئهم إِلى لوط { كانوا يعملون السيئات } يعني فعلهم المنكر . وفي قوله : { هؤلاء بناتي } قولان : أحدهما : أنهن بناته لصلبه ، قاله ابن عباس . فإن قيل : كيف جمع ، وقد كن اثنتين ؟ فالجواب : أنه قد يقع الجمع على اثنين ، كقوله : { وكنا لحكمهم شاهدين } [ الأنبياء 78 ] . والثاني : أنه عنى نساء أمته ، لأن كل نبي أبو أمته ، والمعنى : أنه عرض عليهم التزويج ، أو أمرهم أن يكتفوا بنسائهم ، وهذا مذهب مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جريج . فإن قيل : كيف عرض تزويج المؤمنات على الكافرين ؟ فعنه جوابان . أحدهما : أنه قد كان يجوز ذلك في شريعته ، وكان جائزاً في صدر الإِسلام حتى نسخ ، قاله الحسن . والثاني : أنه عرض ذلك عليهم بشرط إِسلامهم ، قاله الزجاج ، ويؤكده أن عرضهن عليهم موقوف على عقد النكاح ، فجاز أن يقف على شرط آخر . قوله تعالى : { هن أطهر لكم } قال مقاتل : هن أحل من إِتيان الرجال . قوله تعالى : { فاتقوا الله } فيه قولان : أحدهما : اتقوا عقوبته . والثاني : اتقوا معصيته . قوله تعالى : { ولا تُخزونِ في ضيفي } حرك ياء « ضيفي » أبو عمرو ، ونافع . وفي معنى هذا الخزي ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الفضيحة ، قاله ابن عباس . والثاني : الاستحياء ، والمعنى : لا تفعلوا بأضيافي فعلاً يلزمني الاستحياء منه ، لأن المضيف يلزمه الاستحياء من كل فعل يصل إِلى ضيفه . والعرب تقول : قد خزي الرجل يخزى خِزاية : إِذا استحيى ، قال الشاعر : @ مِنَ البِيْضِ لاَ تَخْزَي إِذا الرِّيْحُ أَلْصَقَتْ بها مِرْطَهَا أَوْ زَايَلَ الحَلْيُ جِيْدَهَا @@ والثالث : أنه بمعنى الهلاك ، لأن المعرة التي تقع بالمضيف في هذه الحال تُلزمه هلكة ، ذكرهما ابن الأنباري . قال ابن قتيبة : والضيف هاهنا : بمعنى الأضياف ، والواحد يدل على الجميع ، كما تقول : هؤلاء رسولي ووكيلي . قوله تعالى : { أليس منكم رجل رشيد } في المراد بالرشيد قولان : أحدهما : المؤمن . والثاني : الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، رويا عن ابن عباس . قال ابن الأنباري : يجوز أن يكون الرشيد بمعنى المرشِد ، فيكون المعنى : أليس منكم مرشِد يعظكم ويعرفكم قبيح ماتأتون ؟ فيكون الرشيد من صفة الفاعل ، كالعليم ، والشهيد . ويجوز أن يكون الرشيد بمعنى المرشَد ، فيكون المعنى : أليس منكم رجل قد أسعده الله بما منحه من الرشاد يصرفكم عن إِتيان هذه المعرَّة ؟ فيجري رشيد مجرى مفعول ، كالكتاب الحكيم بمعنى المحكم . قوله تعالى : { مالنا في بناتك من حق } فيه قولان : أحدهما : مالنا فيهن حاجة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : لسن لنا بأزواج فنستحقهن ، قاله ابن إِسحاق ، وابن قتيبة . قوله تعالى : { وإِنك لتعلم ما نريد } قال عطاء : وإِنك لتعلم أنا نريد الرجال ، لا النساء . قوله تعالى : { لو أن لي بكم قوة } أي : جماعة أقوى بهم عليكم . وقيل : أراد بالقوة البطش . { أو آوي إِلى ركن شديد } أي : أنضم إِلى عشيرة وشيعة تمنعني . وجواب « لو » محذوف على تقدير : لحُلْتُ بينكم وبين المعصية . قال أبو عبيدة : قوله : « آوي » من قولهم . أويت إِليك ، فأنا آوي أُويّاً ، والمعنى : صرت إِليك وانضممت . ومجاز الركن هاهنا : العشيرة العزيزة الكثيرة المنيعة ، وأنشد : @ يأوى إِلى رُكْنٍ مِنَ الأَرْكَانِ في عدَدٍ طَيْسٍ ومجدٍ باني @@ والطَّيْس : الكثير ، يقال : أتانا لبن طيس ، وشراب طيس ، أي : كثير . واختلفوا أي وقت قال هذا لوط ؛ فروي عن ابن عباس أن لوطاً كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار ، وهو يناظرهم ويناشدهم وراء الباب ، وهم يعالجون الباب ويرومون تسوّر الجدار ؛ فلما رأت الملائكة ما يلقى من الكرب ، قالوا : يالوط إِنا رسل ربك ، فافتح الباب ودعنا وإِياهم ؛ ففتح الباب ، فدخلوا ، واستأذن جبريل ربه في عقوبتهم ، فأذن له ، فضرب بجناحه وجوههم فأعماهم ، فانصرفوا يقولون : النجاءَ النجاءَ ، فان في بيت لوط أسحر قوم في الأرض ؛ وجعلوا يقولون : يالوط ، كما أنت حتى تصبح ، يوعدونه ؛ فقال لهم لوط : متى موعد هلاكهم ؟ قالوا : الصبح ، قال لو أهلكتموهم الآن ، فقالوا : أليس الصبح بقريب ؟ وقال أبو صالح عن ابن عباس : إِنهم لما تواعدوه ، قال في نفسه : ينطلق هؤلاء القوم غداً من عندي ، وأبقى مع هؤلاء فيهلكوني ، فقال : لو أن لي بكم قوة . قلت : وإِنما يتوجه هذا إِذا قلنا : إِنه كان قبل علمه أنهم ملائكة . وقال قوم : إِنه إِنما قال هذا لما كسروا بابه وهجموا عليه . وقال آخرون : لما نهاهم عن أضيافه فأبَوْا قال هذا . وفي الجملة ، ما أراد بالركن نصر الله وعونه ، لأنه لم يخل من ذلك ، وإِنما ذهب إِلى العشيرة والأسرة . وروى أبو هريرة عن رسول الله أنه قال : " رحم الله لوطاً ، لقد كان يأوي إِلى ركن شديد ، وما بعث الله نبياً بعده إِلا في ثروة من قومه " . قوله تعالى : { لن يصلوا إِليك } قال مقاتل : فيه إِضمار ، تقديره : لن يصلوا إِليك بسوء ، وذلك أنهم قالوا للوط : إِنا نرى معك رجالاً سحروا أبصارنا ، فستعلم غداً ما تَلْقى أنت وأهلُك ؛ فقال له جبريل : { إِنا رسل ربك لن يصلوا إِليك } . قوله تعالى : { فأسر بأهلك } قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي « فأسر » باثبات الهمز في اللفظ من أسريت . وقر أ ابن كثير ، ونافع « فاسر بأهلك » بغير همز من سريت ، وهما لغتان . قال الزجاج : يقال : سريت ، وأسريت : إِذا سرت ليلاً ، قال الشاعر : @ سريت بهم حتى تكلَّ مَطيُّهم وحتى الجيادُ ما يُقَدْنَ بأرسان @@ وقال النابغة : @ أَسْرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْجَوْزَاءِ سَارِيَةٌ تُزجِي الشَّمَالُ عَلَيْهِ جَامِدَ الْبَرَدِ @@ وقد رووه : سرت . فأما أهله ، فقال مقاتل : هم امرأته وابنتاه . واسم ابنتيه : رُبْثا وزُعَرثا . وقال السدي : اسم الكبرى : ريَّة ، واسم الصغرى : عروبة . والمراد بأهله : ابنتاه . فأما القِطْع ، فهو بمعنى القطعة ؛ يقال : مضى قِطْع من الليل ، أي : قطعة . قال ابن عباس : يريد به : آخر الليل . وقال ابن قتيبة : « بقِطْع » أي : ببقية تبقى من آخره . وقال ابن الأنباري : ذكر القِطَع بمعنى القطعة مختص بالليل ، ولا يقال : عندي قِطْع من الثوب ، بمعنى : عندي قطعة . قوله تعالى : { ولا يلتفت منكم أحد } فيه قولان : أحدهما : أنه بمعنى : لا يتخلَّفْ منكم أحد ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنه الالتفات المعروف ، قاله مجاهد ، ومقاتل . قوله تعالى : { إِلا امرأتك } قرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بنصب التاء . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن جمّاز عن أبي جعفر برفع التاء . قال الزجاج : من قرأ بالنصب ، فالمعنى : فأسر بأهلك إِلا امرأتكَ . ومن قرأ بالرفع ، حمله على « ولا يلتفتْ منكم أحد إِلا امرأتك » . وإِنما أُمروا بترك الالتفات لئلا يَرَوْا عظيم ما ينزل بهم من العذاب . قال ابن الأنباري : وعلى قراءة الرفع ، يكون الاستثناء منقطعاً ، معناه : لكن امرأتك ، فإنها تلتفت فيصيبها ما أصابهم ؛ فإذا كان استثناءً منقطعاً ، كان التفاتُها معصيةً لربها ، لأنه ندب إِلى ترك الالتفات . قال قتادة : ذُكر لنا أنها كانت مع لوط حين خرج من القرية ، فلما سمعت هَدّة العذاب ، التفتت فقالت : واقوماه ، فأصابها حجر فأهلكها ، وهو قوله : { إِنه مصيبُها ما أصابهم إِن موعدهم } للعذاب ( الصبح ) . قوله تعالى : { أليس الصبح بقريب } قال المفسرون : قالت الملائكة : « إِن موعدهم الصبح » فقال : أريد أعجل من ذلك ، فقالوا له : « أليس الصبح بقريب » ؟