Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 31-32)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فلما سمعت } يعني : امرأة العزيز ، { بمكرهن } وفيه قولان . أحدهما : أنه قولهن وعيبهن لها ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، وابن قتيبة قال الزجاج : وإِنما سمي هذا القول مكراً ، لأنها كانت أطلعتهن على أمرها ، واستكتمتهن ، فمكرن وأفشين سرها . والثاني : أنه مكر حقيقة ، وإِنما قلن ذلك مكراً بها لتريَهنّ يوسف ، قاله ابن إِسحاق . قوله تعالى : { وأعتدت } قال الزجاج : أفعلت من العتاد ، وكل ما اتخذته عُدَّةً لشيء فهو عتاد ، والعتاد : الشيء الثابت اللازم . وقال ابن قتيبة : أعتدت بمعنى أعدَّت . فأما المتكأ ، ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه المجلس ، فالمعنى : هيأت لهن مجلساً ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنه الوسائد اللائي يتكئن عليها ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال الزجاج : المتكأ : ما يُتَّكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث . والثالث : أنه الطعام ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة . قال ابن قتيبة : يقال : اتكأنا عند فلان : إِذا طعمنا ، قال جميل بن معمر : @ فَظَلِلْنَا في نَعْمةٍ واتَّكأْنا وَشَرِبْنَا الحَلاَلَ مِنْ قُلَلِهْ @@ والأصل في هذا أن من دَعَوْتَه ليطعم ، أعددت له التُّكأة للمقام والطمأنينة ، فسمي الطعام متَّكأً على الاستعارة . قال الأزهري : إِنما قيل للطعام : متكأ ، لأن القوم إِذا قعدوا على الطعام اتكؤوا ، ونُهيت هذه الأمة عن ذلك . وقرأ مجاهد « مُتْكاً » بإسكان التاء خفيفة ، وفيه أربعة أقوال : أحدها : أنه الأُتْرُجّ ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ويحيى بن يعمر في آخرين ، ومنه قول الشاعر : @ نَشْرَبُ الإِثْمَ بالصُّواعِ جِهَارَاً وترى المُتْكَ بَيْنَنَا مُسْتَعَارَا @@ يريد : الأُتْرُجّ . والثاني : أنه الطعام أيضاً ، قاله عكرمة . الثالث : أنه كل شيء يُحَزُّ بالسكاكين ، قاله الضحاك . والرابع : أنه الزُّماورد ، روي عن الضحاك أيضاً . وقد روي عن جماعة أنهم فسروا المتَّكأَ بما فسروا به المُتك ، فروي عن ابن جريج أنه قال : المتَّكأُ : الأترج ، وكل ما يُحَزُّ بالسكاكين . وعن الضحاك قال : المتَّكأُ : كل ما يُحَزُّ بالسكاكين . وفرق آخرون بين القراءتين ، فقال مجاهد : من قرأ « متَّكَأً » بالتثقيل ، فهو الطعام ، ومن قرأ بالتخفيف ، فهو الأُتْرُجُّ . قال ابن قتيبة : من قرأ « مُتْكاً » فإنه يريد الأترج ، ويقال : الزُّماورد . وأياً ما كان ، فإني لا أحسبه سمي مُتْكاً إِلا بالقطع ، كأنه مأخوذ من البَتْك ، فأبدلت الميم منه باءً ، كما يقال : سَمَد رأسه وسَبَده : إِذا استأصله ، وشر لازم ، ولازب ، والميم تبدل من الباء كثيراً ، لقرب مخرجيهما . قوله تعالى : { وآتت كلَّ واحدة منهن سكيناً } إِنما فعلت ذلك ، لأن الطعام الذي قدمتْ لهن يحتاج إِلى السكاكين . وقيل : كان مقصودها افتضاحهن بتقطيع أيديهن كما فضحنها . قال وهب بن منبه : ناولت كل واحدة منهن أُتْرُجَّةً وسكيناً ، وقالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أُعلمكن ، ثم قالت ليوسف : اخرج عليهن . قال الزجاج : إِن شئت ضممت التاء من قوله : « وقالت » . وإِن شئت كسرت ، والكسر الأصل لسكون التاء والخاء ، ومن ضم التاء ، فلثقل الضمة بعد الكسرة . ولم يمكنه أن لا يخرج ، لأنه بمنزلة العبد لها . وذكر بعض أهل العلم أنها إِنما قالت : « اخرج » وأضمرت في نفسها « عليهن » ، فأخبر الحق عما في النفس كأن اللسان قد نطق به ، ومثله { إِنما نطعمكم لوجه الله … } الآية [ الانسان 9 ] ، لم يقولوا ذلك ، إِنما أضمروه ، ويدل على صحة هذا أنها لو قالت له وهو شاب مستحسَن : اخرج على نسوة من طبعهن الفتنة ، مافعل . وفي قوله : { أَكْبَرْنَهُ } قولان : أحدهما : أَعْظَمْنَهُ ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال قتادة ، وابن زيد . والثاني : حِضْنَ ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وروى علي بن عبد الله ابن عباس عن أبيه قال : حضن من الفَرَح ، قال : وفي ذلك يقول الشاعر : @ نَأْتي النساءَ لدى أطهارِهِنَّ ولا نأتي النساءَ إِذا أكبرنَ إِكبارا @@ وقد روى هذا المعنى ليث عن مجاهد ، واختاره ابن الأنباري ، وردّه بعض اللغويين ، فروي عن أبي عبيدة أنه قال : ليس في كلام العرب « أكبرن » بمعنى « حِضن » ، ولكن عسى أن يكنّ من شدة ما أعظمنه حضن ، وكذلك روي عن الزجاج أنه أنكره . قوله تعالى : { وقطَّعن أيدَيهن } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : حَزَزْنَ أيديَهن ، وكن يحسبن أنهن يقطّعن طعاماً ، قاله ابن عباس ، وابن زيد . والثاني : قطّعن أيدَيهن حتى ألقينها ، قاله مجاهد ، وقتادة . والثالث : كلَمن الأكُفَّ وأبنَّ الأنامل ، قاله وهب بن منبه . قوله تعالى : { وقلن حاشا لله } قرأ أبو عمرو « حاشا » بألف في الوصل في الموضعين ، واتفقوا على حذف الألف في الوقف ، وأبو عمرو جاء به على التمام والأصل ، والباقون حذفوا . وهذه الكلمة تستعمل في موضعين . أحدهما : الاستثناء ، والثاني : التبرئة من الشر . والأصل « حاشا » وهي مشتقة من قولك : كنت في حشا فلان ، أي : في ناحيته . والحشا : الناحية ، وأنشدوا : @ بأيِّ الحَشَا أَمْسَى الخَلِيْطُ المُبَايِنُ @@ أي : بأي النواحي ، والمعنى : صار يوسف في حشاً من أن يكون بشراً ، لفرط جماله . وقيل : صار في حشاً مما قرفته به امرأة العزيز . وقال ابن عباس ، ومجاهد : « حاش لله » بمعنى : معاذ الله . قال الفراء : و « بشراً » منصوب ، لأن الباء قد استعملت فيه ، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إِلا بالباء ، فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه ، فنصبوا على ذلك ، وكذلك قوله : { ماهن أمهاتِهم } [ المجادلة : 2 ] ، وأما أهل نجد فيتكلمون بالباء وبغير الباء ، فإذا أسقطوها ، رفعوا ، وهو أقوى الوجهين في العربية . قال الزجاج : قوله : الرفع أقوى الوجيهن ، غلط ، لأن كتاب الله أقوى اللغات ، ولم يقرأ بالرفع أحد . وزعم الخليل ، وسيبويه ، وجميع النحويين القدماء أن « بشراً » منصوب ، لأنه خبر « ما » و « ما » بمنزلة « ليس » . قلت : وقد قرأ أبو المتوكل ، وأبو نهيك ، و عكرمة ، ومعاذ القارئ في آخرين : « ما هذا بشر » بالرفع . وقرأ أُبَيُّ بنُ كعبٍ ، وأبو الجوزاء ، وأبو السَّوَّار : « ما هذا بِشِرىً » بكسر الباء والشين مقصوراً منونّاً . قال الفراء : أي : ما هذا بمشترى . وقرأ ابن مسعود : « بشراءٍ » بالمد والهمز مخفوضاً منونّاً . قوله تعالى : { إِنْ هذا إِلا مَلَكٌ } قرأ أُبَيٌّ ، وأبو رزين ، وعكرمة ، وأبو حيوة ، والجحدري : « ملِك » بكسر اللام . قوله تعالى : { فذلكن الذي لمتنّني فيه } قال المفسرون : لما ذهلت عقولهن فقطَّعن أيدَيهن ، قالت لهن ذلك . فإن قيل : كيف أشارت إِليه وهو حاضر بقولها : « فذلكن » ؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري : أحدهما : أنها أشارت بـ « ذلكن » إِلى يوسف بعد انصرافه من المجلس . والثاني : أن في الكلام إِضمار « هذا » تقديره : فهذا ذلكن . ومعنى « لمتنّني فيه » أي : في حبه . ثم أقرت عندهن ، فقالت : { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم } أي : امتنع . قوله تعالى : { وليكونن من الصاغرين } قال الزجاج : القراءة الجيدة تخفيف « وليكوننْ » والوقف عليها بالألف ، لأن النون الخفيفة تبدل منها في الوقف الألف ، تقول : اضربنْ زيداً ، وإِذا وقفت قلت : اضربا . وقد قرئت « وليكوننَّ » بتشديد النون ، وأكرهُها ، لخلاف المصحف ، لأن الشديدة لا يبدل منها شيء . والصاغرون : المذَلُّون .