Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 45-52)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { حجاباً مستوراً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن الحجاب : هو الأكنَّة على قلوبهم ، قاله قتادة . والثاني : أنه حجابٌ يستره فلا ترونه ؛ وقيل : إِنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قرأ القرآن ؛ قال الكلبي : وهم أبو سفيان ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل ، وأم جميل امرأة أبي لهب ، فحجب الله رسولَه عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، فكانوا يأتونه ويمرُّون به ، ولا يرونه . والثالث : أنه مَنْعُ الله عز وجل إِياهم عن أذاه ، حكاه الزجاج . وفي معنى { مستوراً } قولان . أحدهما : أنه بمعنى ساتر ؛ قال الزجاج : وهذا قول أهل اللغة . قال الأخفش : وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول ، كما تقول : إِنك مشؤوم علينا ، وميمون علينا ، وإِنما هو شائم ويامن ، لأنه مِن « شَأمَهَمُ » و « يَمَنَهُم » . والثاني : أن المعنى : حجاباً مستوراً عنكم لا ترونه ، ذكره الماوردي . وقال ابن الأنباري : إِذا قيل : الحجاب : هو الطبع على قلوبهم ، فهو مستور عن الأبصار ، فيكون « مستوراً » باقياً على لفظه . قوله تعالى : { وجعلنا على قلوبهم أكنَّة أن يفقهوه } قد شرحناه في [ الأنعام : 25 ] . قوله تعالى : { وإِذا ذَكَرْتَ ربَّك في القرآن وحده } يعني : قلتَ : لا إِله إِلا الله ، وأنت تتلو القرآن { ولَّوا على أدبارهم } قال أبو عبيدة : أي : على أعقابهم ، { نُفوراً } وهو : جمع نافر ، بمنزلة قاعد وقُعود ، وجالس وجُلوس . وقال الزجاج : تحتمل مذهبين . أحدهما : المصدر ، فيكون المعنى : ولَّوا نافرين نفوراً . والثاني : أن يكون « نفوراً » جمع نافر . وفي المشار إِليهم قولان . أحدهما : أنهم الشياطين ، قاله ابن عباس . والثاني : أنهم المشركون ، وهذا مذهب ابن زيد . قوله تعالى : { نحن أعلم بما يستمعون به } قال المفسرون : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عليه السلام أن يتخذ طعاماً ويدعو إِليه أشراف قريش من المشركين ، ففعل ذلك ، ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن ، ودعاهم إِلى التوحيد ، وكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم : هو ساحر ، هو مسحور ، فنزلت هذه الآية : { نحن أعلم بما يستمعون به } ، أي : يستمعونه ، والباء زائدة . { إِذ يستمعون إِليك وإِذ هم نجوى } قال أبو عبيدة : هي مصدر مِنْ « ناجَيْتُ » واسم منها ، فوصف القوم بها ، والعرب تفعل ذلك ، كقولهم : إِنما هو عذاب ، وأنتم غَمٌّ ، فجاءت في موضع « متناجين » . وقال الزجاج : والمعنى : وإِذ هم ذوو نجوى ، وكانوا يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقولون بينهم : هو ساحر ، وهو مسحور ، وما أشبه ذلك من القول . قوله تعالى : { إِذ يقول الظالمون } يعني : أولئك المشركون { إِن تتَّبعون } أي : ما تتَّبعون { إِلا رجلاً مسحوراً } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الذي سُحر فذُهب بعقله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : مخدوعاً مغروراً ، قاله مجاهد . والثالث : له سَحْر ، أي : رئة ؛ وكلُّ دابَّة أو طائر أو بَشَر يأكل فهو : مسحور ومسحَّر ، لأن له سَحْراً ، قال لبيد : @ فانْ تَسْأَلِينا فِيمَ نَحْنُ فانَّنا عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ المَسَحَّر @@ وقال امرؤ القيس : @ أُرانا مُرْصَدِيْن لأَمْرِ غَيْبٍ ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرَابِ @@ أي : نُغذَّى ، لأن أهل السماء لا يأكلون ، فأراد أن يكون مَلَكاً . فعلى هذا يكون المعنى : إِن تتبعون إِلا رجلاً له سَحْر ، خلقه الله كخلقكم ، وليس بملَكٍ ، وهذا قول أبي عبيدة . قال ابن قتيبة : والقول قول مجاهد ، [ أي : مخدوعاً ] ، لأن السِّحر حيلة وخديعة ، ومعنى قول لبيد « المسحَّر » : المعلَّل ، وقول امرئ القيس : « ونُسْحَر » أي : نُعلَّل ، وكأنا نُخدَع ، والناس يقولون : سحرتَني بكلامكَ ، أي : خدعتَني ، ويدل عليه قوله : { انظر كيف ضربوا لك الأمثال } ، لأنهم لو أرادوا رجلاً ذا رِئَةٍ ، لم يكن في ذلك مَثَلٌ ضربوه ، فلما أرادوا مخدوعاً كأنه بالخديعة سُحر كان مَثَلاً ضربوه ، وكأنهم ذهبوا إِلى أن قوماً يعلِّمونه ويخدعونه . قال المفسرون : ومعنى { ضربوا لك الأمثال } بيَّنوا لك الأشباه ، حتى شبَّهوك بالساحر والشاعر والمجنون { فَضَلُّوا } عن الحق ، { فلا يستطيعون سبيلاً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : لا يجدون سبيلاً إِلى تصحيح ما يعيبونك به . والثاني : لا يستطيعون سبيلاً إِلى الهُدى ، لأنا طبعنا على قلوبهم . والثالث : لا يأتون سبيل الحق ، لثقله عليهم ؛ ومثله قولهم : لا أستطيع أن أنظر إِلى فلان ، يعنون : أنا مبغِض له ، فنظري إِليه يثقل ، ذكرهن ابن الأنباري . قوله تعالى : { أئذا كُنَّا عظاماً } قرأ ابن كثير : { أَيْذا } بهمزة ثم يأتي بياء ساكنة من غير مَدّ ، { أَينا } مثله ، وكذلك في كل القرآن . وكذلك روى قالون عن نافع ، إِلا أن نافعاً كان لا يستفهم في { أَيْنا } ، كان يجعل الثاني خبراً في كل القرآن ، وكذلك مذهب الكسائي ، غير أنه يهمز الأُولى همزتين . وقرأ عاصم ، وحمزة بهمزتين في الحرفين جميعاً وقرأ ابن عامر : « إِذا كُنّا » بغير استفهام بهمزة واحدة « آئنا » بهمزتين يمد بينهما مدة . قوله تعالى : { ورُفاتاً } فيه قولان . أحدهما : أنه التراب ، ولا واحد له ، فهو بمنزلة الدُّقاق والحُطام ، قاله الفراء ، وهو مذهب مجاهد . والثاني : أنه العظام مالم تتحطم ، والرُّفات : الحُطام ، قاله أبو عبيدة . وقال الزجاج : الرُّفات : التراب . والرُّفات : كل شيء حُطِمَ وكُسِرَ ، و { خلقاً جديداً } في معنى مجدداً . قوله تعالى : { أو خلقاً مما يَكْبُر في صدوركم } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الموت ، قاله ابن عمر ، وابن عباس ، والحسن ، والأكثرون . والثاني : أنه السماء والأرض والجبال ، قاله مجاهد . والثالث : [ أنه ] ما يكبر في صدوركم ، من كل ما استعظموه من خلق الله تعالى ، قاله قتادة . فان قيل : كيف قيل لهم : { كونوا حجارة أو حديداً } وهم لا يقدرون على ذلك ؟ فعنه جوابان . أحدهما : إِن قدرتم على تغيُّر حالاتكم ، فكونوا حجارة أو أشدَّ منها ، فانا نميتكم ، وننفِّذ أحكامنا فيكم ، ومثل هذا قولك للرجل : اصعد إِلى السماء فاني لاحقك . والثاني : تصوَّروا أنفسكم حجارة أو أصلب منها ، فإنا سنُبيدكم ، قال الأحوص : @ إِذَا كُنْتَ عَزْهَاةً عَن اللَّهْوِ وَالصِّبى فَكُنْ حَجَرَاً مِنْ يَابِسِ الصَّخْرِ جَلْمَدَاَ @@ معناه : فتصوَّر نفسك حَجَراً ، وهؤلاء قوم اعترفوا أن الله خالقهم ، وجحدوا البعث ، فأُعلموا أن الذي ابتدأ خلقهم هو الذي يحييهم . قوله تعالى : { فسيُنْغِضون إِليك رؤوسهم } قال قتادة : يحرِّكونها تكذيباً واستهزاءً . قال الفراء : يقال : أنغض رأسه : إِذا حركه إِلى فوق وإِلى أسفل . وقال ابن قتيبة : المعنى : يحرِّكونها ، كما يحرِّك الآيس من الشيء والمستبعدُ [ له ] رأسَه ، يقال : نَغَصَتْ سِنُّه ، إِذا تحركت . قوله تعالى : { ويقولون متى هو ؟ } يعنون البعث { قل عسى أن يكون قريباً } أي : هو قريب . ثم بيَّن متى يكون فقال : { يوم يدعوكم } يعني : من القبور بالنداء الذي يُسمعكم ، وهو النفخة الأخيرة { فتستجيبون } أي : تجيبون . قال مقاتل : يقوم إِسرافيل على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن ، فيقول : أيتها العظام البالية ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، وأيتها الشعور المتفرقة ، وأيتها العروق المتقطعة ، اخرجوا إِلى فصل القضاء لتُجزَوا بأعمالكم ، فيسمعون الصوت ، فيسعَون إِليه . وفي معنى { بحمده } أربعة أقوال . أحدها : بأمره ، قاله ابن عباس ، وابن جريج ، وابن زيد . والثاني : يخرجون من القبور وهم يقولون : سبحانك وبحمدك ، قاله سعيد بن جبير . والثالث : أن معنى { بحمده } : بمعرفته ، وطاعته ، قاله قتادة . قال الزجاج : تستجيبون مُقرِّين أنه خالِقكم . والرابع : تجيبون بحمد الله لا بحمد أنفسكم ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { وتظنون إِن لبثتم إِلا قليلاً } في هذا الظن قولان . أحدهما : أنه بمعنى اليقين . والثاني : أنه على أصله . وأين يظنون أنهم لبثوا قليلاً ؟ فيه ثلاثة أقوال . أحدها : بين النفختين ، ومقداره أربعون سنة ، ينقطع في ذلك العذاب عنهم ، فيرون لبثهم في زمان الراحة قليلاً ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : في الدنيا ، لعلمهم بطول اللبث في الآخرة ، قاله الحسن . والثالث : في القبور ، قاله مقاتل . فعلى هذا إِنما قصر اللبث في القبور عندهم ، لأنهم خرجوا إِلى ما هو أعظم عذاباً من عذاب القبور . وقد ذهب بعض المفسرين إِلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين ، لأنهم يجيبون المنادي وهم يحمدون الله على إِحسانه إِليهم ، ويستقلُّون مدة اللبث في القبور ، لأنهم كانوا غير معذَّبين .