Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 60-60)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وإِذ قلنا لك إِن ربك أحاط بالناس } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أحاط عِلمه بالناس ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الربيع بن أنس . وقال مقاتل : أحاط علمه بالناس ، يعني : أهل مكة ، أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أحاطت قدرته بالناس ، فهم في قبضته ، قاله مجاهد . والثالث : حال بينك وبين الناس أن يقتلوك ، لتبلِّغ رسالته ، قاله الحسن ، وقتادة . قوله تعالى : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إِلا فتنة للناس } في هذه الرؤيا قولان . أحدهما : أنها رؤيا عين ، وهي ما رأى ليلة أُسري به من العجائب والآيات . روى عكرمة عن ابن عباس قال : هي رؤيا عين رآها ليلة أُسري به ، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، ومسروق ، والنخعي ، وقتادة ، وأبو مالك ، وأبو صالح ، وابن جريج ، وابن زيد في آخرين . فعلى هذا يكون معنى الفتنة : الاختبار ، فإن قوماً آمنوا بما قال ، وقوماً كفروا . قال ابن الأنباري : المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة ، ولا فرق بين أن يقول القائل : رأيت فلاناً رؤية ، ورأيته رؤيا ، إِلا أن الرؤية يقلُّ استعمالها في المنام ، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام ، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين . والثاني : أنها رؤيا منام . ثم فيها قولان . أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أُرِيَ أنه يدخل مكة ، هو وأصحابه ، وهو يومئذ بالمدينة ، فعَجل قبل الأجل ، فردَّه المشركون ، فقال أناس : قد رُدَّ ، وكان حدَّثَنَا أنه سيدخلها ، فكان رجوعهم فتنتهم ، رواه العوفي عن ابن عباس . وهذا لا ينافي حديث المعراج ، لأن هذا كان بالمدينة ، والمعراج كان بمكة . قال أبو سليمان الدمشقي : وإِنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإِخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه ، والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه . والثاني : أنه أُري بني أمية على المنابر ، فساءه ذلك ، فقيل له : إنها الدنيا يُعْطَوْنَها ، فَسُرِّيَ عنه . فالفتنة هاهنا : البلاء ، رواه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب ، وإِن كان مثل هذا لا يصح ، ولكن قد ذكره عامة المفسرين . وروى ابن الأنباري أن سعيد بن المسيّب قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على منابر ، فشَقَّ ذلك عليه ، وفيه نزل : { والشجرةَ الملعونةَ في القرآن } ، قال : ومعنى قوله : { إِلا فتنةً للناس } : إِلا بلاءً للناس ، قال ابن الأنباري : فمن ذهب إِلى أن الشجرة رجال رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يصعدون على المنابر ، احتج بأن الشجرة يكنى بها عن المرأة لتأنيثها ، وعن الجماعة لاجتماع أغصانها . قالوا : ووقعت اللعنة بهؤلاء الذين كنى عنهم بالشجرة . قال المفسرون : وفي الآية تقديم وتأخير ، تقديره : وما جعلنا الرؤيا والشجرة إِلا فتنة للناس . وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال . أحدها : أنها شجرة الزَّقُّوم ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومسروق ، والنخعي ، والجمهور . وقال مقاتل : لما ذكر الله تعالى شجرة الزَّقُّوم قال أبو جهل : يا معشر قريش إِن محمداً يخوِّفكم بشجرة الزَّقُّوم ، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ؟ ومحمد يزعم أن النار تنبت الشجر ، فهل تدرون ما الزقوم ؟ فقال عبد الله بن الزِّبَعْرَى : إِن الزَّقُّوم بلسان بَرْبَر : التمر والزُّبْد ، فقال أبو جهل : يا جارية ابغينا تمراً وزُبداً ، فجاءته به ، فقال لمن حوله : تَزَقَّمُوا من هذا الذي يخوِّفكم به محمدٌ ، فأنزل الله تعالى : { ونخوِّفهم فما يَزِيدُهم إِلا طغياناً كبيراً } . قال ابن قتيبة : كانت فتنتهم بالرؤيا قولهم : كيف يذهب إِلى بيت المقدس ، ويرجع في ليلة ؟ ! وبالشجرة قولهم : كيف يكون في النار شجرة ؟ ! وللعلماء في معنى « الملعونة » ثلاثة اقوال . أحدها : المذمومة ، قاله ابن عباس . والثاني : الملعون آكلُها ، ذكره الزجاج ، وقال : إِن لم يكن في القرآن ذِكْر لعنها ، ففيه لعن آكليها ، قال : والعرب تقول لكل طعام مكروه وضارٍّ : ملعون ؛ فأما قوله : { في القرآن } فالمعنى : التي ذكرت في القرآن ، وهي مذكورة في قوله : { إِن شجرة الزَّقُّوم طعام الأثيم } [ الدخان : 43 ، 44 ] . والثالث : أن معنى « الملعونة » : المُبعَدة عن منازل أهل الفضل ، ذكره ابن الانباري . والقول الثاني : أن الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر ، يعني : الكَشُوثى ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً . والثالث : أن الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن سعيد بن المسيّب . قوله تعالى : { ونخوِّفهم } قال ابن الأنباري : مفعول « نخوِّفهم » محذوف ، تقديره : ونخوِّفهم العذاب ، { فما يزيدهم } أي : فما يزيدهم التخويف { إِلا طغياناً } ؛ وقد ذكرنا معنى الطغيان في [ البقرة : 15 ] ، وذكرنا هناك تفسير قوله : { وإِذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إِلا إِبليس } [ البقرة : 34 ] .