Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 66-70)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ربكم الذي يزجي لكم الفُلْك } أي : يسيِّرها . قال الزجاج : يقال : زجيت الشيء ، أي : قدمته . قوله تعالى : { لتبتغوا من فضله } أي : في طلب التجارة . وفي « من » ثلاثة أقوال . أحدها : أنها زائدة . والثاني : أنها للتبعيض . والثالث : أن المفعول محذوف ، والتقدير : لتبتغوا من فضله الرزق والخير ، ذكرهنَّ ابن الأنباري . قوله تعالى : { إِنه كان بكم رحيماً } هذا الخطاب خاصّ للمؤمنين ، ثم خاطب المشركين فقال : { وإِذا مسَّكم الضُّرُّ في البحر } يعني : خوفَ الغَرَقِ { ضلَّ مَنْ تَدْعُون } أي : يَضِلُّ من يدعون من الآلهة ، إِلا الله تعالى . ويقال : ضَلَّ بمعنى غاب ، يقال : ضَلَّ الماء في اللَّبَن : إِذا غاب ، والمعنى : أنكم أخلصتم الدعاء [ لله ] ، ونسيتم الأنداد . وقرأ مجاهد ، وأبو المتوكل : « ضَلَّ مَنْ يَدْعُون » بالياء . { فلما نجّاكم إِلى البَرِّ أعرضتم } عن الإِيمان والإِخلاص { وكان الإِنسان } يعني الكافر { كفوراً } بنعمة ربِّه . { أفأمنتم } إِذا خرجتم من البحر { أن يَخْسِف بكم } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : « نخسف بكم » « أو نرسل » « أن نعيدكم » « فنرسل » « فنغرقكم » بالنون في الكل . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، بالياء في الكُلِّ . ومعنى { نخسف بكم جانب البر } أي : نغيبكم ونذهبكم في ناحية البر ، والمعنى : إِن حكمي نافذ في البر نفوذه في البحر ، { أو نرسل عليكم حاصباً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن الحاصب : حجارة من السماء ، قاله قتادة . والثاني : أنه الريح العاصف تحصب ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد للفرزدق : @ مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الريح تَضْرِبُهُم بِحَاصِبٍ كنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ @@ وقال ابن قتيبة : الحاصب : الريح ، سميت بذلك لأنها تَحْصِبُ ، أي : ترمي بالحصباء ، وهي الحصى الصغار . وقال ابن الأنباري : قال اللغويون : الحاصب : الريح التي فيها الحصى . وإِنما قال في الريح : « حاصباً » ولم يقل : « حاصبة » لأنه وصْفٌ لزم الريح ولم يكن لها مذكَّر تنتقل إِليه في حال ، فكان بمنزلة قولهم : « حائض » للمرأة ، حين لم يُقَلْ : رجل حائض . قال : وفيه جواب آخر ، وهو أن نعت الريح عُريٌ من علامة التأنيث ، فأشبهت بذلك أسماء المذكَّر ، كما قالوا : السماء أمطر ، والأرض أنبت . والثالث : أن الحاصب : التراب الذي فيه حصباء ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { ثم لاتجدوا لكم وكيلاً } أي : مانعاً وناصراً . قوله تعالى : { أم أمنتم أن يعيدكم فيه } أي : في البحر { تارة أخرى } أي : مَرَّة أُخرى ، والجمع : تارات . { فيرسل عليكم قاصفاً من الريح } قال أبو عبيدة : هي التي تقصف كل شيء . قال ابن قتيبة : القاصف : [ الريح التي ] تقصف الشجر ، أي : تكسره . قوله تعالى : { فيُغْرِقكم } وقرأ أبو المتوكل ، و [ أبو ] جعفر ، وشيبة ، ورويس : « فتغرقكم » بالتاء ، وسكون الغين ، وتخفيف الراء . وقرأ أبو الجوزاء ، وأيوب : « فيغرِّقكم » بالياء ، وفتح الغين ، وتشديدها . وقرأ أبو رجاء مثله ، إِلا أنه بالتاء ، { بما كفرتم } أي : بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى ، { ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعاً } قال ابن قتيبة : أي : من يتبع بدمائكم ، أي : يطالبنا . قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ريح العذاب أربع ، اثنتان في البر ، واثنتان في البحر ، فاللَّتان في البَرِّ : الصَّرْصَر ، والعَقِيم ، واللتان في البحر : العاصف ، والقاصف . قوله تعالى : { ولقد كرَّمنا بني آدم } أي : فضَّلناهم . قال أبو عبيدة : و « كرَّمنا » أشد مبالغة من « أكرمنا » . وللمفسرين فيما فُضِّلوا به أحد عشر قولاً . أحدها : أنهم فضِّلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة : جبريل ، وميكائيك ، وإِسرافيل ، ومَلَك الموت ، وأشباههم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . فعلى هذا يكون المراد : المؤمنين منهم ، ويكون تفضيلهم بالإِيمان . والثاني : أن سائر الحيوان يأكل بفيه ، إِلا ابن آدم فإنه يأكل بيده ، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس . وقال بعض المفسرين : المراد بهذا التفضيل : أكلهم بأيديهم ، ونظافة ما يقتاتونه ، إِذ الجن يقتاتون العظام والرَّوث . والثالث : فُضِّلوا بالعقل ، روي عن ابن عباس . والرابع : بالنطق والتمييز ، قاله الضحاك . والخامس : بتعديل القامة وامتدادها ، قاله عطاء . والسادس : بأن جعل محمداً صلى الله عليه وسلم منهم ، قاله محمد بن كعب . والسابع : فضِّلوا بالمطاعم واللَّذات في الدنيا ، قاله زيد بن أسلم . والثامن : بحسن الصورة ، قاله يمان . والتاسع : بتسليطهم على غيرهم من الخلق ، وتسخير سائر الخلق لهم ، قاله محمد بن جرير . والعاشر : بالأمر والنهي ، ذكره الماوردي . والحادي عشر : بأن جعلت اللِّحى للرجال ، والذوائب للنساء ، ذكره الثعلبي . فإن قيل : كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل ، وفيهم الكافر المُهان ؟ فالجواب من وجهين . أحدهما : أنه عامل الكل معاملة المكرَم بالنعم الوافرة . والثاني : أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة ، أجرى الصِّفة على جماعتهم ، كقوله : { كنتم خير أُمة أُخرجت للناس } [ آل عمران : 110 ] . قوله تعالى : { وحملناهم في البر } على أكباد رطبة ، وهي : الإبل ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، { و } في { البحر } على أعواد يابسة ، وهي : السفن . { ورزقناهم من الطيبات } فيه قولان . أحدهما : الحلال . والثاني : المستطاب في الذوق . قوله تعالى : { وفضَّلناهم على كثير ممن خلقْنا تفضيلاً } فيه قولان . أحدهما : أنه على لفظه ، وأنهم لم يفضَّلوا على سائر المخلوقات . وقد ذكرنا عن ابن عباس أنهم فضِّلوا على سائر الخلق غيرِ طائفة من الملائكة . وقال غيره : بل الملائكة أفضل . والثاني : أن معناه : وفضَّلناهم على جميع مَنْ خلقنا . والعرب تضع الأكثر والكثير في موضع الجمع ، كقوله : { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } [ الشعراء : 223 ] . وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المؤمن أكرم على الله عز وجل من الملائكة الذين عنده " .