Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 71-72)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يوم ندعو } قال الزجاج : هو منصوب على معنى : اذكر { يوم ندعو كل أُناس بإمامهم } والمراد به : يوم القيامة . وقرأ الحسن البصري : « يوم يدعو » بالياء { كلَّ } بالنصب . وقرأ أبو عمران الجوني : « يوم يُدعى » بياء مرفوعة ، وفتح العين ، وبعدها ألف ، « كلُّ » بالرفع . وفي المراد بإمامهم أربعة أقوال . أحدها : أنه رئيسهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وروى عنه سعيد بن جبير أنه قال : إِمام هدى أو إِمام ضلالة . والثاني : عملُهم ، رواه عطية عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وأبوالعالية . والثالث : نبيُّهم ، قاله أنس بن مالك ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومجاهد في رواية . والرابع : كتابُهم ، قاله عكرمة ، ومجاهد في رواية . ثم فيه قولان . أحدهما : أنه كتابهم الذي فيه أعمالهم ، قاله قتادة ، ومقاتل . والثاني : كتابهم الذي أُنزل عليهم ، قاله الضحاك ، وابن زيد . فعلى القول الأول يقال : يا متَّبعي موسى ، يا متَّبعي عيسى ، يا متَّبعي محمَّدٍ ؛ ويقال : يا متَّبعي رؤساء الضلالة . وعلى الثاني : يا من عمل كذا وكذا . وعلى الثالث : يا أُمَّة موسى ، يا أُمَّة عيسى ، يا أُمَّة محمد . وعلى الرابع : يا أهل التوراة ، يا أهل الإِنجيل ، يا أهل القرآن . أو يا صاحب الكتاب الذي فيه عمل كذا وكذا . قوله تعالى : { فأولئك يقرؤون كتابهم } معناه : يقرؤون حسناتِهم ، لأنهم أخذوا كتبهم بأيْمانهم . قوله تعالى : { ولا يُظلمون فتيلاً } أي : لا ينقصون من ثوابهم بقدر الفتيل ، وقد بيَّنَّاه في سورة [ النساء : 49 ] . قوله تعالى : { ومن كان في هذه أعمى } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : « أعمى فهو في الآخرة أعمى » مفتوحتي الميم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم بكسر الميمين . وقرأ أبو عمرو : « في هذه أعمى » بكسر الميم ، « فهو في الآخرة أعمى » بفتحها . وفي المشار إِليها بـ « هذه » قولان . أحدهما : أنها الدنيا ، قاله مجاهد . ثم في معنى الكلام خمسة أقوال . أحدها : من كان في الدنيا أعمى عن معرفة قدرة الله في خَلْق الأشياء ، فهو عمّا وُصِف له في الآخرة أعمى ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : من كان في الدنيا أعمى بالكفر ، فهو في الآخرة أعمى ، لأنه في الدنيا تُقبَل توبته ، وفي الآخرة لا تُقبَل ، قاله الحسن . والثالث : من عمي عن آيات الله في الدنيا ، فهو عن الذي غيِّب عنه من أمور الآخرة أشدّ عمىً . والرابع : من عمي عن نِعَم الله التي بيَّنها في قوله : { ربُّكم الذي يزجي لكم الفُلْك في البحر } إِلى قوله : { تفضيلا } فهو في الآخرة أعمى عن رشاده وصلاحه ، ذكرهما ابن الأنباري . والخامس : من كان فيها أعمى عن الحُجَّة ، فهو في الآخرة أعمى عن الجنة ، قاله أبو بكر الورّاق . والثاني : أنها النِّعم . ثم في الكلام قولان . أحدهما : من كان أعمى عن النِّعم التي تُرى وتُشاهَد ، فهو في الآخرة التي لم تُر أعمى ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني : من كان أعمى عن معرفة حق الله في هذه النِّعم المذكورة في قوله : { ولقد كرَّمنا بني آدم } ولم يؤدِّ شكرها ، فهو فيما بينه وبين الله مما يُتقرَّب به إِليه أعمى { وأضل سبيلاً } ، قاله السدي . قال أبو علي الفارسي : ومعنى قوله : { في الآخرة أعمى } أي : أشدُّ عمىً ، لأنه كان في الدنيا يمكنه الخروج عن عَمَاهُ بالاستدلال ، ولا سبيل له في الآخرة إِلى الخروج من عماه . وقيل : معنى العمى في الآخرة : أنه لا يهتدي إِلى طريق الثواب ، وهذا كلُّه من عمى القلب . فإن قيل : لم قال : { فهو في الآخرة أعمى } ولم يقل : أشدُّ عمىً ، لأن العمى خِلْقة بمنزلة الحُمرة ، والزُّرقة ، والعرب تقول : ما أشدَّ سواد زيد ، وما أبْيَنَ زرقة عمرو ، وقلَّما يقولون : ما أسود زيداً ، وما أزرق عمراً ؟ فالجواب : أن المراد بهذا العمى عمى القلب ، وذلك يتزايد ويحدث منه شيء بعد شيء ، فيخالف الخِلَقَ اللاّزِمة التي لا تزيد ، نحو عمى العين ، والبياض ، والحمرة ، ذكره ابن الأنباري .