Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 22-24)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { سيقولون ثلاثةُ } قال الزجاج : « ثلاثة » مرفوع بخبر الابتداء ، المعنى : سيقول الذين تنازعوا في أمرهم [ هم ] ثلاثةٌ . وفي هؤلاء القائلين قولان . أحدهما : أنهم نصارى نجران ، ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عِدَّة أهل الكهف ، فقالت الملكيَّة : هم ثلاثة رابعهم كلبهم ، وقالت اليعقوبية : هم خمسة سادسهم كلبهم ، وقالت النسطورية : هم سبعة وثامنهم كلبهم ، فنزلت هذه الآية ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { رجماً بالغيب } أي : ظنّاً غير يقين ، قال زهير : @ ومَا الحَرْبُ إِلاَّ ما علمْتُمْ وَذُقْتُمُ ومَا هُوَ عَنْهَا بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ @@ فأما دخول الواو في قوله : { وثامنهم كلبهم } ولم تدخل فيما قبل هذا ، ففيه أربعة أقوال . أحدها : أن دخولها وخروجها واحد ، قاله الزجاج . والثاني : أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين ، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل ، وإِنما حذفت تخفيفاً ، ذكره أبو نصر في شرح « اللمع » . والثالث : أن دخولها يدل على انقطاع القصة ، وأن الكلام قد تمَّ ، ذكره الزجاج أيضاً ، وهو قول مقاتل بن سليمان ، فإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها ، واستئناف ما بعدها ؛ قال الثعلبي : فهذه واو الحكم والتحقيق ، كأن الله تعالى حكى اختلافهم ، فتم الكلام عند قوله : { ويقولون سبعة } ، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم . وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى : هم سبعة ، فحقَّق الله قول المسلمين . والرابع : أن العرب تعطف بالواو على السبعة ، فيقولون : ستة ، سبعة ، وثمانية ، لأن العقد عندهم سبعة ، كقوله : { التائبون العابدون … } إِلى أن قال في الصفة الثامنة : { والناهون عن المنكر } [ التوبة : 112 ] ، وقوله في صفة الجنة : { وفتحت أبوابها } [ الزمر : 73 ] وفي صفة النار : { فتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] ، لأن أبواب النار سبعة ، وأبواب الجنة ثمانية ، ذكر هذا المعنى أبو إِسحاق الثعلبي . وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين . أحدهما : أنهم كانوا سبعة ، قاله ابن عباس . والثاني : ثمانية ، قاله ابن جريج ، وابن إِسحاق . وقال ابن الأنباري : وقيل : معنى قوله : { وثامنهم كلبهم } : صاحب كلبهم ، كما يقال : السخاء حاتم ، والشِّعر زهير ، أي : السخاء سخاء حاتم ، والشِّعر شِعر زهير . وأما أسماؤهم ، فقال هُشَيْم : مكسلمينا ، ويمليخا ، وطَرينوس ، وسَدينوس ، وسَرينوس ، ونَواسس ، ويرانوس ، وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أُطل به . واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال . أحدها : أنه كان لراع مَرّوا به فتبعهم الراعي والكلب ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه كان لهم يتصيدون عليه ، قاله عبيد بن عمير . والثالث : أنهم مَرّوا بكلب فتبعهم ، فطردوه ، فعاد ، ففعلوا ذلك به مراراً ، فقال لهم الكلب : ما تريدون مني ؟ ! لا تخشوا جانبي أنا أُحِبُّ أَحِبَّاءَ الله ، فناموا حتى أحرسَكم ، قاله كعب الأحبار . وفي اسم كلبهم أربعة أقوال . أحدها : قطمير ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : اسمه الرقيم ، وقد ذكرناه عن سعيد بن جبير . والثالث : قطمور ، قاله عبد الله بن كثير . والرابع : حُمران ، قاله شعيب الجبائي . وفي صفته ثلاثة أقوال . أحدها : أحمر ، حكاه الثوري . والثاني : أصفر ، حكاه ابن إِسحاق . والثالث : أحمر الرأس ، أسود الظهر ، أبيض البطن ، أبلق الذنب ، ذكره ابن السائب . قوله تعالى { ربّي أعلمُ بعدَّتهم } حرك الياء ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأسكنها الباقون . قوله تعالى : { ما يعلمهم إِلا قليل } أي : ما يعلم عددهم إِلا قليل من الناس . قال عطاء : يعني بالقليل : أهل الكتاب . قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل ، هم سبعة ، إِن الله عدَّهم حتى انتهى إِلى السبعة . قوله تعالى : { فلا تُمارِ فيهم إِلا مراءً ظاهراً } قال ابن عباس ، وقتادة : لا تُمارِ أحداً ، حسبك ما قصصتُ عليكَ من أمرهم . وقال ابن زيد : لا تُمارِ في عِدَّتهم إِلا مراءً ظاهراً أن تقول لهم : ليس كما تقولون ، ليس كما تعلمون . وقيل : « إِلا مراءً ظاهراً » بحجة واضحة ، حكاه الماوردي . والمراء في اللغة : الجدال ؛ يقال : مارى يُماري مُماراة ومِراءً ، أي : جادَل . قال ابن الأنباري : معنى الآية : لا تجادل إِلا جدال متيقِّنٍ عالِم بحقيقة الخبر ، إِذ الله تعالى ألقى إِليك مالا يشوبه باطل . وتفسير المراء في اللغة : استخراج غضب المجادل ، من قولهم : مَرَيْتُ الشاة : إِذا استخرجت لبنها . قوله تعالى : { ولا تستفت فيهم } أي : في أصحاب الكهف ، { منهم } قال ابن عباس : يعني : من أهل الكتاب . قال الفراء : أتاه فريقان من النصارى ، نسطوري ، ويعقوبي ، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن عددهم ، فنُهي عن ذلك . قوله تعالى : { ولا تقولَنَّ لشيء إِني فاعل ذلك غداً إِلا أن يشاء الله } سبب نزولها أن قريشاً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ، وعن الرُّوح ، وعن أصحاب الكهف ، فقال : غداً أخبركم بذلك ، ولم يقل : إِن شاء الله ، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوماً لتركه الاستثناء ، فشقَّ ذلك عليه ، ثم نزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . ومعنى الكلام : ولا تقولن لشيء : إِني فاعل ذلك غداً ، إِلا أن تقول : إِن شاء الله ، فحذف القول . قوله تعالى : { واذكر ربَّكَ إِذا نسيتَ } قال ابن الأنباري : معناه : واذكر ربَّكَ بعد تقضِّي النسيان ، كما تقول : اذكر لعبد الله إِذا صلّى حاجتك ، أي : بعد انقضاء الصلاة . وللمفسرين في معنى الآية ثلاثة أقوال . أحدها : أن المعنى : إِذا نسيتَ الاستثناء ثم ذكرتَ ، فقل : إِن شاء الله ، ولو كان بعد يوم أو شهر أو سنة ، قاله سعيد بن جبير ، والجمهور . والثاني : أن معنى « إِذا نسيتَ » : إِذا غضبتَ ، قاله عكرمة ، قال ابن الأنباري : وليس ببعيد ، لأن الغضب يُنتج النسيان . والثالث : إِذا نسيتَ الشيء فاذكر الله ليذكِّرك إِياه ، حكاه الماوردي . فصل وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب إِذا لم يفعل ما حلف عليه ، كقوله في قصة موسى : { ستجدني إِن شاء الله صابراً } [ الكهف : 70 ] ، ولم يصبر ، فسَلِم من الكذب لوجود الاستثناء في حقه . ولا تختلف الرواية عن أحمد أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والعتاق ، وأنه إِذا قال : أنتِ طالق إِن شاء الله ، وأنتَ حُرٌّ إِن شاء الله ، أن ذلك يقع ، وهو قول مالك ؛ وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يقع شيء من ذلك . وأما اليمين بالله تعالى ؛ فإن الاستثناء فيها يصح ، بخلاف الطلاق ، وكذلك الاستثناء في كل ما يكفِّر ، كالظهار ، والنذر ، لأن الطلاق والعتاق لفظه لفظ إِيقاع ، وإِذا علَّق به المشيئة ، علمنا وجودها ، لوجود لفظ الإِيقاع من جهته ، بخلاف سائر الأيمان ، لأنها ليست بموجبات للحكم ، وإِنما تتعلق بأفعال مستقبلة . وقد اختُلف في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أقوال . أحدها : أنه لا يصح الاستثناء إِلا موصولاً بالكلام ، وقد روي عن أحمد نحو هذا ، وبه قال أكثر الفقهاء . والثاني : أنه يصح ما دام في المجلس ، قاله الحسن وطاووس ، وعن أحمد نحوه . والثالث : أنه لو استثنى بعد سنة ، جاز ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد ابن جبير ، وأبو العالية . وقال ابن جرير الطبري : الصواب للإنسان أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه ، فيقول : إِن شاء الله ، ليخرج بذلك مما ألزمه اللهُ في هذه الآية ، فيسقط عنه الحرج ، فأما الكفَّارة فلا تسقط عنه بحال ، إِلا أن يكون الاستثناء موصولاً بيمينه ، ومن قال : له ثُنْياه ولو بعد سنة ، أراد سقوطَ الحرج الذي يلزمه بترك الاسثتناء دون الكفَّارة . قوله تعالى : { وقل عسى أن يهديَني ربِّي } قرأ نافع ، وأبو عمرو : « يهديَني ربِّي » بياء في الوصل [ دون ] الوقف . وقرأ ابن كثير بياء في الحالين . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي بغير ياء في الحالين . وفي معنى الكلام قولان . أحدهما : عسى أن يعطيني ربِّي من الآيات والدلالات على النبوَّه ما يكون أقرب في الرّشد وأدلَّ من قصّة أصحاب الكهف ، ففعل الله له ذلك ، وآتاه من عِلْم غيوب المرسَلين ما هو أوضح في الحُجَّة وأقرب إِلى الرَّشد من خبر أصحاب الكهف ، هذا قول الزجاج . والثاني : أن قريشاً لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم خبر أصحاب الكهف ، قال : « غداً أُخبركم » كما شرحنا في سبب نزول الآية ، فقال الله تعالى له : { وقل عسى أن يهديني ربي } أي : عسى أن يعرِّفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حدَّدتُه لكم ، ويعجِّل لي من جهته الرشاد ، هذا قول ابن الأنباري .