Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-36)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { واضرب لهم مَثَلاً رجلين } روى عطاء عن ابن عباس ، قال : هما ابنا ملك كان في بني إِسرائيل توفِّي وتركهما ، فاتخذ أحدهما الجِنان والقصور ، وكان الآخر زاهداً في الدنيا ، فكان إِذا عمل أخوه شيئاً من زينة الدنيا ، أخذ مثل ذلك فقدَّمه لآخرته ، حتى نَفِد ماله ، فضربهما الله عز وجل مثلاً للمؤمن والكافر الذي أبطرته النعمة . وروى أبو صالح عن ابن عباس : أن المسلم لما احتاج ، تعرَّض لأخيه الكافر ، فقال الكافر : أين ما ورثتَ عن أبيك ؟ فقال : أنفقتُه في سبيل الله ، فقال الكافر : لكني ابتَعت به جِناناً وغنماً وبقراً ، والله لا أعطيتك شيئاً أبداً حتى تتبع ديني ، ثم أخذ بيد المسلِم فأدخله جِنانه يطوف به فيها ، ويرغِّبه في دينه . وقال مقاتل : اسم المؤمن يمليخا ، واسم الكافر قرطس ، وقيل : قطرس ، وقيل : هذا المَثَل [ ضُرِبَ ] لعيينة بن حصن وأصحابه ، ولسلمان وأصحابه . قوله تعالى : { وحففناهما بنخل } الحَفّ : الإِحاطة بالشيء ، ومنه قوله : { حافِّين من حول العرش } [ الزمر : 75 ] . والمعنى : جعلنا النخل مُطِيفاً بها . وقوله : { وجعلنا بينهما زرعاً } إِعلام أن عمارتهما كاملة . قوله تعالى : { كِلتا الجنتين آتت أُكُلَها } قال الفراء : لم يقل : آتتا ، لأن « كلتا » ثنتان لا تُفرد واحدتُهما ، وأصله : « كُلٌّ » ، كما تقول للثلاثة : « كُلٌّ » ، فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع ، وجاز توحيده على مذهب « كُلّ » ، وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في « كلتا » ، وكذلك فافعل بـ « كلا » و « كلتا » و « كُلّ » ، إِذا أضفتَهُنَّ إِلى مَعْرِفة وجاء الفعل بعدهن ، فوحِّد واجمع ، فمن التوحيد قوله تعالى : { وكُلُّهم آتيه يوم القيامة فرداً } [ مريم : 96 ] ، ومن الجمع : { وكُلٌّ أَتَوه داخرين } [ النمل : 87 ] ، والعرب قد تفعل ذلك أيضاً في « أي » فيؤنّثون ويذكِّرون ، قال الله تعالى : { وما تدري نفس بأي أرض تموت } [ لقمان : 34 ] ، ويجوز في الكلام « بأيت أرض » ، وكذلك { في أيِّ صورة ما شاء ركبَّك } [ الانفطار : 8 ] ، ويجوز في الكلام « في أيَّت » ، قال الشاعر : @ بأي بلاءٍ أم بأيَّة نعمةٍ تقدَّم قبلي مسلمٌ والمهلَّب @@ قال ابن الأنباري : « كلتا » وإِن كان واقعاً في المعنى على اثنتين ، فإن لفظه لفظ واحدة مؤنثة ، فغلب اللفظ ، ولم يستعمل المعنى ثقةً بمعرفة المخاطَب به ؛ ومن العرب من يؤثر المعنى على اللفظ ، فيقول : « كلتا الجنتين آتت أُكُلَها » ، ويقول آخرون : « كلتا الجنتين آتى أُكُلَه » ، لأن « كلتا » تفيد معنى « كُلّ » ، قال الشاعر : @ وكلتاهما قد خطَّ لي في صَحيفتي فلا الموت أهواه ولا العيش أروح @@ يعني : وكلُّهما قد خط لي ، وقد قالت العرب : كلكم ذاهب ، وكلكم ذاهبون . فوحَّدوا لِلَفظ « كُلّ » وجمعوا لتأويلها . وقال الزجاج : لم يقل « آتتا » ، لأن لفظ « كلتا » لفظ واحدة ، والمعنى : كل واحدة منهما آتت أكلها { ولم تظلم } أي : لم تنقص { منه شيئاً وفجرنا خلالهما نَهَراً } فأعلمَنَا أن شربهما كان من ماء نهر ، وهو من أغزر الشرب . وقال الفراء : إِنما قال : « فجَّرنا » بالتشديد ، وهو نَهَر واحد ، لأن النهر يمتد ، فكان التفجُّر فيه كلِّه . قرأ أبو رزين ، وأبو مجلز ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : « وفَجَرْنا » بالتخفيف . وقرأ أبو مجلز ، وأبو المتوكل : « خلِلهما » . وقرأ أبو العالية ، وأبو عمران : « نهْراً » بسكون الهاء . قوله تعالى : { وكان له } يعني : للأخ الكافر { ثَمَر } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « وكان له ثُمُر » ، « وأُحيط بثُمُره » بضمتين . وقرأ عاصم : « وكان له ثَمَر » ، « وأُحيط بثَمَره » بفتح التاء والميم فيهما . وقرأ أبو عمرو : « ثُمْر » و « بثُمْره » بضمة واحدة وسكون الميم . قال الفراء : الثَّمَر ، بفتح الثاء والميم : المأكول ، وبضمها : المال . وقال ابن الأنباري : الثَّمر ، بالفتح : الجمع الأول ، والثُّمُر ، بالضم : جمع الثَّمَر ، يقال : ثَمَر ، وثُمُر ، كما يقال : أسَد ، وأُسُد ، ويصلح أن يكون الثُّمُر جمع الثِّمار ، كما يقال : حِمار وحُمُر ، وكِتاب وكُتُب ؛ فمن ضَمَّ ، قال : الثُّمُر أعم ، لأنها تحتمل الثمار المأكولة ، والأموال المجموعة . قال أبو علي الفارسي : وقراءة أبي عمرو : « ثُمُر » يجوز أن تكون جمع ثمار ، ككتاب ، وكُتُب ، فتخفف ، فيقال : كُتْب ، ويجوز أن يكون « ثُمْر » جمع ثَمَرة ، كبَدَنة وبُدْن ، وخَشَبة ، وخُشْب . ويجوز أن يكون { ثُمُر } واحداً ، كعُنُق ، وطُنُب . وقد ذكر المفسرون في قراءة من ضم ثلاثة أقوال . أحدها : أنه المال الكثير من صنوف الأموال ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الذهب ، والفضة ، قاله مجاهد . والثالث : أنه جمع ثمرة ، قال الزجاج : يقال : ثَمَرة ، وثِمار ، وثمر . فإن قيل : ما الفائدة في ذِكْر الثّمر بعد ذِكْر الجنَّتين ، وقد عُلم أن صاحب الجنة لا يخلو من ثمر ؟ فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها : أنه لم يكن أصل الأرض ملكاً له ، وإِنما كانت له الثمار ، قاله ابن عباس . والثاني : أن ذِكْر الثّمر دليل على كثرة ما يملك من الثمار في الجنّتين وغيرهما ، ذكره ابن الأنباري . والثالث : إِنا قد ذكرنا أن المراد بالثمر الأموال من الأنواع ، وذكرنا أنها الذهب ، والفضّة ، وذلك يخالف الثمر المأكول ؛ قال أبو علي الفارسي : من قال : هو الذهب ، والوَرِق ، فإنما قيل لذلك : ثُمُر على التفاؤل ، لأن الثمر نماء في ذي الثمر ، وكونه هاهنا بالجَنى أشبه من الذهب والفضة . ويقوي ذلك : { وأحيط بثمره فأصبح يقلِّب كفَّيه على ما أنفق فيها } ، والإِنفاق من الوَرِق ، لا من الشجر . قوله تعالى : { فقال } يعني الكافر { لصاحبه } المؤمن { وهو يحاوره } أي : يراجعه الكلام ويجاوبه . وفيما تحاورا فيه قولان . أحدهما : أنه الإِيمان والكفر . والثاني : طلب الدنيا ، وطلب الآخرة . فأما « النفر » فهم الجماعة ، ومثلهم : القوم والرهط ، [ ولا واحد لهذه الألفاظ من لفظها . وقال ابن فارس اللغوي ] : النفر : عدة رجال من ثلاثة إِلى العشرة . وفيمن أراد بنَفَره ثلاثة أقوال . أحدها : عبيده ، قاله ابن عباس . والثاني : ولده ، قاله مقاتل . والثالث : عشيرته ورهطه ، قاله أبو سليمان . قوله تعالى : { ودخل جنَّته } يعني : الكافر { وهو ظالم لنفسه } بالكفر ؛ وكان قد أخذ بيد أخيه فأدخله معه ، { قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً } أنكر فَناء الدنيا ، وفَناء جنته ، وأنكر البعث والجزاء بقوله : { وما أظن الساعة قائمةً } وهذا شك [ منه ] في البعث ، ثم قال : { ولئن رُدِدْتُ إِلى ربِّي } أي : كما تزعُم أنت . قال [ ابن عباس ] : يقول : إِن كان البعث حقاً { لأجدنَّ خيراً منها } قرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : « خيراً منها » ، وكذلك هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : « خيراً منهما » بزيادة ميم على التثنية ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والمدينة والشام . قال أبو علي : الإِفراد أولى ، لأنه أقرب إِلى الجَنَّة المفردة في قوله : { ودخل جنته } ، والتثنية لا تمتنع ، لتقدم ذِكْر الجَنَّتين . قوله تعالى : { مُنْقَلَباً } أي : كما أعطاني هذا في الدنيا ، سيعطيني في الآخرة أفضل منه .