Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-65)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وإِذ قال موسى لفتاه … } ، الآية ، سبب خروج موسى عليه السلام في هذا السفر ، ما روى ابن عباس عن أُبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِن موسى قام خطيباً في بني إِسرائيل ، فسئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عز وجل عليه إِذ لم يَرُدَّ العِلْم إِليه ، فأوحى الله إِليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك ؛ قال موسى : يا رب فكيف لي به ؟ قال : تأخذ معك حوتاً فتجعله في مِكتل ، فحيثما فقَدتَ الحوت فهو ثَمَّ . فانطلق معه فتاه يوشع بن نون ، حتى إِذا أتيا الصخرة ، وضعا رؤؤسهما فناما ، واضطرب الحوت في المِكْتَل فخرج منه فسقط في البحر ، فاتخذ سبيله في البحر سَرَباً ، وأمسك الله عن الحوت جِرْيَةَ الماء ، فصار عليه مثل الطاق . فلما استيقظ نسي صاحبُه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إِذا كان من الغد قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نَصَباً ، قال : ولم يجد موسى النَّصَب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ، فقال فتاه : { أرأيت إِذ أوينا إِلى الصخرة … } إِلى قوله : { عجبا } ، قال : فكان للحوت سَرَباً ، ولموسى ولفتاه عجباً ، فقال موسى : { ذلك ما كنا نبغي ، فارتدا على آثارهما قصصاً } قال : رجعا يقصّان آثارهما حتى انتهيا إِلى الصخرة ، فاذا هو مسجَّىً بثوب ، فسلَّم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنّى بأرضك السلام ! مَنْ أنت ؟ قال : أنا موسى ، قال موسى : بني إِسرائيل ؟ قال : نعم أتيتك لتعلِّمني مما علِّمت رُشْداً ، قال : إِنك لن تستطيع معي صبراً يا موسى ، إِني على عِلْم مِنْ عِلْم الله لا تعلمُه علَّمَنِيه ، وأنت على عِلْم من عِلْم الله علَّمَكهُ لا أعلمه ؛ فقال موسى : ستجدني إِن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً ؛ فقال له الخضر : فإن اتَّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أُحْدِث لك منه ذِكْراً ، فانطلقا يمشيان على الساحل ، فمرَّت سفينة فكلَّموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نَوْلٍ ؛ فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إِلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقَدوم ، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نَوْل عمدتَ إِلى سفينتهم { فخرقتها لتُغْرِقَ أهلها … } إِلى قوله : { عُسْراً } ؟ ! قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كانت الأُولى من موسى نسياناً » ، وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة ، فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر : ما عِلْمي وعِلْمك من عِلم الله تعالى إِلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل ، إِذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله ، فقال له موسى : { أقتلت نفساً زكية } إِلى قوله : { يريد أن ينقضَّ } فقال الخضر بيده [ هكذا ] ، فأقامه ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ، ولم يضيِّفونا { لو شئتَ لاتَّخذتَ عليه أجراً } ! { قال هذا فراق بيني وبينك … } الآية " هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في « الصحيحين » ، وقد ذكرنا إِسناده في كتاب « الحدائق » فآثرنا الاختصار هاهنا . فأما التفسير ، فقوله تعالى : { وإِذ قال موسى } المعنى : واذكر ذلك . وفي موسى قولان . أحدهما : أنه موسى بن عمران ، قاله الأكثرون . ويدل عليه ما روي في « الصحيحين » من حديث سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إِن نَوْفاً البِكاليّ يزعم أن موسى بني إِسرائيل هو موسى صاحب الخضر ، قال : كذب عدو الله ، أخبرني أُبيّ بن كعب … فذكر الحديث الذي قدمناه آنفاً . والثاني : أنه موسى بن ميشا ، قاله ابن إِسحاق ، وليس بشيء ، للحديث الصحيح الذي ذكرناه . فأما فتاه فهو يوشع بن نون من غير خلاف . وإِنما سمي فتاه ، لأنه كان يلازمه ، ويأخذ عنه العلم ، ويخدمه . ومعنى { لا أبرح } : لا أزال . وليس المراد به : لا أزول ، لأنه إِذا لم يُزل لم يقطع أرضاً ، فهو مثل قولك : ما برحت أناظر عبد الله ، أي : ما زلت ، قال الشاعر : @ إِذا أنتَ لم تبرحْ تؤدِّي أمانَةً وتحملُ أخرى أفرحتْك الودائعُ @@ أي : أثقلتك ، والمعنى : لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين ، أي : ملتقاهما ، وهو الموضع الذي وعده الله بلقاء الخَضِر فيه ، قال قتادة : بحر فارس ، وبحر الروم ، فبحر الروم نحو المغرب ، وبحر فارس نحو المشرق . وفي اسم البلد الذي بمجمع البحرين قولان . أحدهما : إِفريقية ، قاله أُبيّ بن كعب . والثاني : طنجة ، قاله محمد بن كعب القرظي . قوله تعالى : { أو أمضيَ حُقُباً } وقرأ أبو رزين ، والحسن ، وأبو مجلز ، وقتادة ، والجحدري ، وابن يعمر : « حُقْباً » بإسكان الكاف . قال ابن قتيبة : الحُقُب : الدَّهر ، والحِقَب : السِّنون ، واحدتها حِقْبة ، ويقال : حُقْبٌ وحُقُب ، كما يقال : قُفْل وقُفُل ، وهُزْؤ وهُزُؤ ، وكُفْؤ وكُفُؤ ، وأُكْل وأُكُل ، وسُحْت وسُحُت ، ورُعْب ورُعُب ، ونُكْر ونُكُر ، وأُذْن وأُذُن ، وسُحْق وسُحُق ، وبُعْد وبُعُد ، وشُغْل وشُغُل ، وثُلْث وثُلُث ، وعُذْر وعُذُر ، ونُذْر ونُذُر ، وعُمْر وعُمُرُ . وللمفسرين في المراد بالحُقُب هاهنا ثمانية أقوال . أحدها : أنه الدَّهر ، قاله ابن عباس . والثاني : ثمانون سنة ، قاله عبد الله بن عمرو ، وأبو هريرة . والثالث : سبعون ألف سنة ، قاله الحسن . والرابع : سبعون سنة ، قاله مجاهد . والخامس : سبعة عشر ألف سنة ، قاله مقاتل بن حيان . والسادس : أنه ثمانون ألف سنة ، كل يوم ألف سنة من عدد الدنيا . والسابع : أنه سنة بلغة قيس ، ذكرهما الفراء . والثامن : الحُقُب عند العرب وقت غير محدود ، قاله أبو عبيدة . ومعنى الكلام : لا أزال أَسيرُ ، ولو احتجت أن أسير حُقُباً . قوله تعالى : { فلما بلغا } يعني : موسى وفتاه { مَجْمَعَ بَيْنِهِما } يعني : البحرين { نسيا حوتهما } وكانا قد تزوَّدا حوتاً مالحاً في زَبيل فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء ، فلما انتهيا إِلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتلَ ، فأصاب الحوتَ بللُ البحر . وقيل : توضأ يوشع من عين الحياة فانتضخ على الحوت الماءُ ، فعاش ، فتحرك في المِكْتَل ، فانسرب في البحر ، وقد كان قيل لموسى : تزوَّدْ حوتاً مالحاً ، فاذا فقَدته وجدتَ الرجل . وكان موسى حين ذهب الحوت في البحر قد مضى لحاجة ، فعزم فتاه أن يخبره بما جرى فنسي . وإِنما قيل : « نسيا حوتهما » توسعاً في الكلام ، لأنهما جميعاً تزوَّداه ، كما يقال : نسي القوم زادهم ، وإِنما نسيه أحدهم . قال الفراء : ومثله قوله : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن : 22 ] ، وإِنما يخرج ذلك من الملح ، لا من العذب . وقيل : نسي يوشع أن يحمل الحوت ، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء ، فلذلك أُضيف النسيان إِليهما . قوله تعالى : { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } أي : مسلكاً ومذهباً . قال ابن عباس : جعل الحوت لا يمسُّ شيئاً من البحر إِلا يبس حتى يكون صخرة . وقال قتادة : جعل لا يسلك طريقاً إِلا صار الماء جامداً . وقد ذكرنا في حديث أُبيّ بن كعب أن الماء صار مثل الطاق على الحوت . قوله تعالى : { فلما جاوزا } ذلك المكان الذي ذهب فيه الحوت ، أصابهما ما يصيب المسافر من النَّصَب ، فدعا موسى بالطعام ، فقال : { آتنا غداءنا } وهو الطعام الذي يؤكل بالغداة . والنَّصَب : الإِعياءِ . وهذا يدل على إِباحة إِظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإِنسانَ من الأذى والتعب ، ولا يكون ذلك شكوى . { قال } يوشع لموسى { أرأيتَ إِذ أوينا إِلى الصخرة } أي : حين نزلنا هناك { فإني نسيتُ الحوت } فيه قولان . أحدهما : نسيتُ أن أخبرك خبر الحوت . والثاني : نسيت حمل الحوت . قوله تعالى : { وما أنسانيه } قرأ الكسائي : « أنسانيه » باماله السين [ مع كسر الهاء ] . وقرأ ابن كثير : « أنسانيهي » بإثبات ياء في الوصل بعد الهاء . وروى حفص عن عاصم : « أنسانيهُ إِلا » بضم الهاء [ في الوصل ] . قوله تعالى : { واتخذ سبيله في البحر عجباً } الهاء في السبيل ترجع إِلى الحوت . وفي المُتَّخِذ قولان . أحدهما : أنه الحوت ، ثم في المخبر عنه قولان . أحدهما : أنه الله عز وجل ، ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : فاتخذ سبيله في البحر يُري عجباً ، ويُحدث عجباً . والثاني : أنه لما قال الله تعالى : { واتخذ سبيله في البحر } ، قال : اعجبوا لذلك عجباً ، وتنَّبهوا لهذه الآية . والثالث : أن إِخبار الله تعالى انقطع عند قوله : « في البحر » فقال موسى : عجباً ، لِما شوهد من الحوت . ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري . والثاني : [ أن ] المُخْبِر عن الحوت يوشع ، وصف لموسى ما فعل الحوت . والقول الثاني : أن المتخِذ موسى ، اتخذ سبيل الحوت في البحر عجباً ، فدخل في المكان الذي مَرَّ فيه الحوت ، فرأى الخَضِر . وروى عطية عن ابن عباس قال : رجع موسى إِلى الصخرة فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ، ويتبعه موسى ، حتى انتهى به إِلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر . قوله تعالى : { قال } يعني : موسى { ذلك ما كُنَّا نبغي } أي : ذلك الذي نطلب من العلامة الدَّالة على مطلوبنا . قرأ ابن كثير : « نبغي » بياء في الوصل والوقف . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، والكسائي ، بياء في الوصل . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، بحذف الياء في الحالين . قوله تعالى : { فارتدا على آثارهما } قال الزجاج : أي : رجعا في الطريق الذي سلكاه ، يقصَّان الأثر والقَصَص : اتِّباع الأثر . قوله تعالى : { فوجدا عبداً من عبادنا } يعني الخضر . وفي اسمه أربعة أقوال . أحدها : اليسع ، قاله وهب ، ومقاتل . والثاني : الخَضِر بن عاميا . والثالث : أرميا بن حلفيا ، ذكرهما ابن المنادي . والرابع : بليا بن ملكان ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري . فأما تسميته بالخضر ، ففيه قولان . أحدهما : أنه جلس في فروة بيضاء فاخضرَّت ، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والفروة : الأرض اليابسة . والثاني : أنه كان إِذا جلس اخضرَّ ما حوله ، قاله عكرمة . وقال مجاهد : كان إِذا صلى اخضرَّ ما حوله . وهل كان الخضر نبياً ، أم لا ؟ فيه قولان ، ذكرهما أبو بكر بن الأنباري ، وقال : كثير من الناس يذهب إِلى أنه كان نبيّاً ، وبعضهم يقول : كان عبداً صالحاً . واختلف العلماء هل هو باقٍ إِلى يومنا هذا ، على قولين حكاهما الماوردي ، وكان الحسن يذهب إِلى أنه مات ، وكذلك كان ابن المنادي من أصحابنا يقول ، ويقبِّح قول من يرى بقاءه ، ويقول : لا يثبت حديث في بقائه . وروى أبو بكر النقاش أن محمد بن إِسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإِلياس : هل هما في الأحياء ؟ فقال : كيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ؟ ! " . قوله تعالى : { آتيناه رحمة من عندنا } في هذه الرحمة ثلاثة أقوال . أحدها : أنها النبوَّة ، قاله مقاتل . والثاني : الرِّقة والحُنُوُّ على من يستحقه ، ذكره ابن الأنباري . والثالث : النِّعمة ، قاله أبو سليمان الدمشقي . قوله تعالى : { وعلَّمناه من لدنا } أي : من عندنا { علماً } قال ابن عباس : أعطاه عِلْماً من عِلْم الغيب .