Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 70-78)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فلا تسألني } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : « فلا تسألْني » ساكنة اللام . وقرأ نافع : « فلا تسأَلَنِّي » مفتوحة اللام مشددة النون . وقرأ ابن عامر في رواية الداجوني : « فلا تسألَنِّ عن شيء » بتحريك اللام من غير ياء ، والنون مكسورة . والمعنى : لا تسألني عن شيء مما أفعله { حتى أحدث لك منه ذِكْراً } أي : حتى أكون أنا الذي أُبيِّنه لك ، لأن عِلْمه قد غاب عنك . قوله تعالى : { خرقها } أي : شقَّها . قال المفسرون : قلع منها لوحاً ، وقيل : لوحين مما يلي الماء ، فحشاها موسى بثوبه وأنكر عليه ما فعل بقوله : { أخرقتَها لتُغرق أهلَها } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : « لتُغرِق » بالتاء « أهلَها » بالنصب . وقرأ حمزة والكسائي : « ليَغرَق » بالياء « أهلُها » برفع اللام . { لقد جئتَ شيئاً إِمراً } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : منكراً ، قاله مجاهد . وقال الزجاج : عظيماً من المنكر . والثاني : عجباً ، قاله قتادة ، وابن قتيبة . والثالث : داهية ، قاله أبو عبيدة . قوله تعالى : { لا تؤاخذني بما نسيتُ } في هذا النسيان ثلاثة أقوال . أحدها : أنه على حقيقته ، وأنه نسي ، روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن الأولى كانت نسياناً من موسى » " . والثاني : أنه لم ينس ، ولكنه من معاريض الكلام ، قاله أُبيّ بن كعب ، وابن عباس . والثالث : أنه بمعنى التَّرك ، فالمعنى : لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه ، ذكره ابن الأنباري . قوله تعالى : { ولا تُرهقني } قال الفراء : لا تُعجلني . وقال أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج : لا تُغْشِني . قال أبو زيد : يقال : أرهقتُه عسراً : إِذا كلفتَه ذلك . قال الزجاج : والمعنى : عاملني باليُسْرِ ، لا بالعُسْرِ . قوله تعالى : { فانطلقَا } يعني : موسى والخضر . قال الماوردي : يحتمل أن يوشع تأخر عنهما ، لأن الإِخبار عن اثنين ، ويحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تَبَعٌ لموسى ، فاقتصر على حكم المتبوع . قوله تعالى : { حتى إِذا لقيا غلاماً } اختلفوا في هذا الغلام هل كان بالغاً ، أم لا ؟ على قولين . أحدهما : أنه لم يكن بالغاً ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والأكثرون . والثاني : أنه كان شابّاً قد قبض على لحيته ، حكاه الماوردي عن ابن عباس أيضاً ، واحتج بأن غير البالغ لم يَجْرِ عليه قلم ، فلم يستحق القتل . وقد يُسمَّى الرجلُ غلاماً ، قالت ليلى الأخيلية تمدح الحجاج : @ [ شَفَاها من الدَّاءِ العُضَالِ الذي بها ] غُلامٌ إِذا هزّ القناةَ سقاها @@ وفي صفة قتله له ثلاثة أقوال . أحدها : أنه اقتلع رأسه ، وقد ذكرناه في حديث أُبَيٍّ . والثاني : كسر عنقه ، قاله ابن عباس . والثالث : أضجعة وذبحه بالسكين ، قاله سعيد بن جبير . قوله تعالى : { أقتلت نفساً زاكية } قرأ الكوفيون ، وابن عامر : « زكيَّة » بغير ألف ، والياء مشددة . وقرأ الباقون بالألف من غير تشديد . قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد ، وهما بمنزلة القاسية ، والقَسيّة . وللمفسرين فيها ستة أقوال . أحدها : أنها التائبة ، روي عن ابن عباس أنه قال : الزكية : التائبة ، [ وبه ] قال الضحاك . والثاني : أنها المسلمة ، روي عن ابن عباس أيضاً . والثالث : أنها الزكية التي لم تبلغ الخطايا ، قاله سعيد بن جبير . والرابع : أنها الزكية النامية ، قاله قتادة . وقال ابن الأنباري : القويمة في تركيبها . والخامس : أن الزكية : المطهرة ، قاله أبو عبيدة . والسادس : أن الزكية : البريئة التي لم يظهر ما يوجب قتلها ، قاله الزجاج . وقد فَرَّق بعضهم بين الزاكية ، والزكيَّة ، فروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : الزاكية : التي لم تذنب قطُّ ، والزكية : التي أذنبت ثم تابت . وروي عن أبي عبيدة أنه قال : الزاكية في البدن ، والزكية في الدِّين . قوله تعالى : { بغير نفس } أي : بغير قتل نفس { لقد جئت شيئاً نكراً } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : « نكْراً » خفيفة في كل القرآن ، إِلا قوله { إِلى شيءٍ نُكُر } [ القمر : 6 ] ، وخفف ابن كثير أيضاً « إِلى شيء نُكْر » . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « نُكُراً » و « إِلى شيء نُكْر » . مثقل . والمخفف إِنما هو من المثقل ، كالعُنْق ، والعُنُق ، والنُكْر ، والنُكُر . قال الزجاج : والمعنى : لقد أتيت شيئاً نكراً . ويجوز أن يكون معناه : جئت بشيء نكر ، فلما حذف الباء ، أفضى الفعل فنصب نكراً ، و « نكراً » أقل منكراً من قوله : « إِمراً » لأن تغريق مَنْ في السفينة كان عنده أنكر من قتل نفس واحدة . قوله تعالى : { قال ألم أقل لك } . إِن قيل : لم ذكر « لك » هاهنا ، واختزله من الموضع الذي قبله ؟ فالجواب : أن إِثباته للتوكيد ، واختزاله لوضوح المعنى ، وكلاهما معروف عند الفصحاء . تقول العرب : قد قلت لك : اتق الله . وقد قلت لك : يا فلان اتق الله ، وأنشد ثعلب : @ قد كنتُ حَذَّرْتُكَ آلَ المصْطَلِقْ وقلتُ : يا هَذا أَطِعْنِي وَانْطَلِقْ @@ فقوله : يا هذا ، توكيد لا يختل الكلام بسقوطه . وسمعت الشيخ أبا محمد الخشاب يقول : وقَّره في الأول ، فلم يواجهه بكاف الخطاب ، فلما خالف في الثاني ، واجهه بها . قوله تعالى : { إِن سألتك عن شيء } أي : سؤال توبيخ وإِنكار { بعدها } أي : بعد هذه المسألة { فلا تصاحبني } وقرأ كذلك معاذ القارىء ، وأبو نهيك ، وأبو المتوكل ، والأعرج ، إِلا أنهم شدَّدوا النون . قال الزجاج : ومعناه : إِن طلبتُ صحبتك فلا تُتَابعني على ذلك . وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وابن أبي عبلة ، ويعقوب : « فلا تَصحبني » بفتح التاء من غير ألف . وقرأ ابن مسعود ، وأبو العالية ، والأعمش كذلك ، إِلا أنهم شددوا النون . وقرأ أبو رجاء ، وأبو عثمان النهدي ، والنخعي ، والجحدري : « تُصْحِبْني » بضم التاء ، وكسر الحاء ، وسكون الصاد والباء . قال الزجاج : فيهما وجهان . أحدهما : لا تتابعني في شيء ألتمسه منك . يقال : قد أصحب المهر : إِذا انقاد . والثاني : لا تصحبني علماً من علمك . { قد بلغت من لدني } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « من لدنِّي » مثقل . وقرأ نافع : « من لدُني » بضم الدال مع تخفيف النون . وروى أبو بكر عن عاصم : « من لَدْني » بفتح اللام مع تسكين الدال . وفي رواية أخرى عن عاصم : « لُدْني » بضم اللام وتسكين الدال . قال الزجاج : وأجودها تشديد النون ، لأن أصل « لدن » الإِسكان ، فاذا أضفتها إِلى نفسك زدت نوناً ، ليسلم سكون النون الأولى ، تقول : من لدن زيد ، فتسكِّن النون ثم تضيف إِلى نفسك ، فتقول : من لدنِّي ، كما تقول : عن زيد وعنِّي . فأما إِسكان دال « لَدْني » فإنهم أسكنوها ، كما تقول في عضُد : عَضْد ، فيحذفون الضم . قال ابن عباس : يريد : إِنك قد أُعذرت فيما بيني وبينك ، يعني : أنك قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبراً . قوله تعالى : { فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قرية } فيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها أنطاكية ، قاله ابن عباس . والثاني : الأُبُلَّة ، قاله ابن سيرين . والثالث : باحروان ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { استطعما أهلها } أي : سألاهم الضيافة { فأبَوْا أن يضيِّفوهما } روى المفضل عن عاصم : « يُضيفوهما » بضم الياء الأولى وكسر الضاد وتخفيف الياء الثانية . وقرأ أبو الجوزاء كذلك ، إِلا أنه فتح الياء [ الأولى ] . وقرأ الباقون : « يضيِّفوهما » بفتح الضاد وتشديد الياء الثانية وكسرها . قال أبو عبيدة : ومعنى يضيِّفوهما : ينزلوهما منزل الأضياف ، يقال : ضِفت أنا ، وأضافني الذي يُنزلني . وقال الزجاج : يقال : ضِفتُ الرجل : إِذا نزلتَ عليه ، وأضفته : إِذا أنزلته وَقَرَيْتَهُ . وقال ابن قتيبة : [ يقال ] : ضيفت الرجل : إِذا أنزلتَه منزلة الأضياف ، ومنه هذه الآية ، وأضفته : أنزلته ، وضِفته : نزلت عليه . وروى أُبيُّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " « كانوا أهل قرية لئاماً » " . قوله تعالى : { فوجدا فيها جداراً } أي : حائطاً . قال ابن فارس : وجمعه جُدُر ، والجَدْر : أصل الحائط . ومنه حديث الزبير : " ثم دع الماء يرجع إِلى الجَدْر " ، والجيدر : القصير . قوله تعالى : { يريد أن ينقضَّ } وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو رجاء : « ينقاض » بألف ممدودة ، وضاد معجمة ؛ وقرأ ابن مسعود ، وأبو العالية ، وأبو عثمان النهدي : « ينقاص » بألف ومدة وصاد غير معجمة ، وكلُّه بلا تشديد . قال الزجاج : فمعنى : ينقضَّ : يسقط بسرعة ، وينقاص ، غير معجمة : ينشق طولاً ، يقال : انقاصت سِنُّه : إِذا انشقَّت . قال ابن مقسم : انقاصت سِنُّه ، وانقاضت بالصاد ، والضاد على معنى واحد . فإن قيل : كيف نسبت الإِرادة إِلى ما لا يعقل ؟ فالجواب : أن هذا على وجه المجاز تشبيهاً بمن يعقل ، ويريد : لأن هيأته في التهيؤ للوقوع قد ظهرت كما يظهر من أفعال المريدين القاصدين ، فوصف بالإِرادة إِذ كانت الصورتان واحدة ، وقد أضافت العرب الأفعال إِلى مالا يعقل تجوُّزاً ، قال الله عز وجل : { ولما سكت عن موسى الغضبُ } [ الأعراف : 154 ] ، والغضب لا يسكت ، وإِنما يسكت صاحبه ، وقال : { فإذا عزم الأمر } [ محمد : 21 ] ، وأنشدوا من ذلك : @ إِنَّ دهْراً يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ لَزَمَانٌ يَهُمُّ بالإِحْسانِ @@ وقال آخر : @ يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ وَيَرْغَبُ عَنْ دِمَاءِ بَنِي عقيلِ @@ وقال آخر : @ ضحكوا والدهرُ عنهم سَاكتٌ ثم أبكاهم دماً لمَّا نَطَقْ @@ وقال آخر : @ يشْكُو إِليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى [ صَبْراً جَمِيلاً فَكِلانا مُبْتَلَى ] @@ وهذا كثير في أشعارهم . قوله تعالى : { فأقامه } أي : سوّاه ، لأنه وجده مائلاً . وفي كيفية ما فعل قولان . أحدهما : أنه دفعه بيده فقام . والثاني : هدمه ثم قعد يبنيه ، روي القولان عن ابن عباس . قوله تعالى : { لو شئتَ لَتَخِذْتَ عليه أجراً } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : « لَتَخِذْتَ » بكسرالخاء ، غير أن أبا عمرو كان يدغم الذال ، وابن كثير يظهرها . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « لاتَّخَذْتَ » وكلُّهم أدغموا ، إِلا حفصاً عن عاصم ، فإنه لم يدغم مثل ابن كثير . قال الزجاج : يقال : تَخِذ يَتْخَذُ في معنى : اتَّخَذَ يتَّخِذُ . وإنما قال له هذا ، لأنهم لم يضيِّفوهما . قوله تعالى : { قال } يعني : الخضر { هذا } يعني : الإِنكار عَلَيَّ { فراق بيني وبينك } أي : هو المفرِّق بيننا . قال الزجاج : المعنى : هذا فراقُ بينِنا ، أي : فراق اتصالنا ، وكرر « بين » توكيداً ، ومثله في الكلام : أخزى اللهُ الكاذب مني ومنك . وقرأ أبو رزين ، وابن السميفع ، وأبو العالية ، وابن أبي عبلة : « هذا فِراقٌ » بالتنوين « بيني وبينَك » بنصب النون . قال ابن عباس : كان قول موسى في السفينة والغلام ، لربِّه ، وكان قوله في الجدار ، لنفسه ، لطلب شيء من الدنيا .