Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-88)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ويسألونك عن ذي القرنين } قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح } [ الإسراء : 85 ] . واختلفوا في اسم ذي القرنين على أربعة أقوال . أحدها : عبد الله ، قاله علي عليه السلام ، وروي عن ابن عباس أنه عبد الله بن الضحاك . والثاني : الاسكندر ، قاله وهب . والثالث : عيِّاش ، قاله محمد بن علي بن الحسين . والرابع : الصعب بن جابر بن القلمس ، ذكره ابن أبي خيثمة . وفي علَّة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال . أحدها : أنه دعا قومه إِلى الله تعالى ، فضربوه على قرنه فهلك ، فغبر زماناً ، ثم بعثه الله ، فدعاهم إِلى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك ، فذانك قرناه ، قاله علي عليه السلام . والثاني : أنه سمي بذي القرنين ، لأنه سار إِلى مغرب الشمس وإِلى مطلعها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس . والرابع : لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء إِلى الأرض وأخذ بقرني الشمس ، فقصَّ ذلك على قومه ، فسمِّي بذي القرنين . والخامس : لأنه مَلَك الروم وفارس . والسادس : لأنه كان في رأسه شبه القرنين ، رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبِّه . والسابع : لأنه كانت له غديرتان من شعر ، قاله الحسن . قال ابن الأنباري : والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين ، وجميرتين ، وقرنين ؛ قال : ومن قال : سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم ، قال : لأنهما عاليان على جانبين من الأرض يقال لهما : قرنان . والثامن : لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت ذوي شرف . والتاسع : لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس ، وهو حيّ . والعاشر : لأنه سلك الظلمة والنور ، ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو إِسحاق الثعلبي . واختلفوا هل كان نبيّاً ، أم لا ؟ على قولين . أحدهما : أنه كان نبيّاً ، قاله عبد الله بن عمرو ، والضحاك بن مزاحم . والثاني : أنه كان عبداً صالحاً ، ولم يكن نبيّاً ، ولا مَلكاً ، قاله علي عليه السلام . وقال وهب : كان ملكاً ، ولم يوح إِليه . وفي زمان كونه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه من القرون الأُوَل من ولد يافث بن نوح ، قاله علي عليه السلام . والثاني : أنه كان بعد ثمود ، قاله الحسن . ويقال : كان عمره ألفاً وستمائة سنة . والثالث : [ أنه ] كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، قاله وهب . قوله تعالى : { سأتلوا عليكم منه ذِكْراً } أي : خبراً يتضمن ذِكْره . { إِنا مكَّنَّا له في الأرض } أي : سهَّلْنا عليه السَّير فيها . قال علي عليه السلام : إِنه أطاع الله ، فسخَّر له السحاب فحمله عليه ، ومَدَّ له في الأسباب ، وبسط له النُّور ، فكان الليل والنهار عليه سواء . وقال مجاهد : مَلَك الأرضَ أربعةٌ : مؤمنان ، وكافران ؛ فالمؤمنان : سليمان بن دواد ، وذو القرنين ؛ والكافران : النمرود ، وبختنصر . قوله تعالى : { وآتيناه من كل شيء سبباً } قال ابن عباس : عِلْماً يتسبب به إِلى ما يريد . وقيل : هو العِلْم بالطُّرق والمسالك . قوله تعالى : { فأتبع سبباً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : « فاتَّبع سبباً » « ثم اتَّبع سبباً » « ثم اتَّبع سبباً » مشددات التاء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « فأتبع سبباً » « ثم أتبع سبباً » « ثم أتبع سبباً » مقطوعات . قال ابن الأنباري : من قرأ « فاتَّبع سبباً » فمعناه : قفا الأثر ، ومن قرأ « فأتبع » فمعناه : لحق ؛ يقال : اتَّبَعَني فلان ، أي : تَبِعَني ، كما يقال : أَلْحَقَني فلان ، بمعنى لَحِقَني . وقال أبو علي : « أتبع » تقديره : أتبع سبباً سبباً ، فأتبع ما هو عليه سبباً ، والسبب : الطريق ، والمعنى : تبع طريقاً يؤدِّيه إِلى مَغْرِب الشمس . وكان إِذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشاً فسار بهم إِلى غيرهم . قوله تعالى : { وجدها تغرب في عين حمئة } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن وعاصم : « حمئة » ، وهي قراءة [ ابن عباس . وقرأ ] ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « حامية » ، وهي قراءة عمرو ، وعلي ، وابن مسعود ، والزبير ، ومعاوية ، وأبي عبد الرحمن ، والحسن ، وعكرمة ، والنخعي ، وقتادة ، وأبي جعفر ، وشيبة ، وابن محيصن ، والأعمش ، كلُّهم لم يهمز . قال الزجاج : فمن قرأ : « حمئة » أراد في عَيْنٍ ذاتِ حَمْأَة . يقال : حَمَأْتُ البئر : إِذا أخرجتَ حَمْأتَها ؛ وأَحْمَأْتُها : إِذا ألقيتَ فيها الحَمْأَة . [ وحمئت ] فهي حمئة : إِذا صارت فيها الحَمْأَة . ومن قرأ : « حامية » بغير همز ، أراد : حارّة . وقد تكون حارَّة ذاتَ حَمْأَة . وروى قتادة عن الحسن ، قال : وجدها تَغْرُب في ماءٍ يغلي كغليان القدور { ووجد عندها قَوْماً } لباسهم جلود السِّباع ، وليس لهم طعام إِلا ما أحرقت الشمس من الدوابّ إِذا غربت نحوها ، وما لفظت العين من الحيتان إِذا وقعت فيها الشمس . وقال ابن السائب : وجد عندها قوماً مؤمنين وكافرين ، يعني عند العين . وربما توهَّم متوهِّم أن هذه الشمس على عِظَم قدْرها تغوص بذاتها في عين ماءٍ ، وليس كذلك . فإنها أكبر من الدنيا مراراً ، فكيف تَسَعُها عين [ ماء ؟ ! . وقيل : إِن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مَرَّة ، وقيل : بقدر الدنيا مائة وعشرين مَرَّة ، والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة ] . وإِنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طَرَفه أن الشمس تغيب في الماء ، وذلك لأن ذا القرنين انتهى إلى آخر البنيان فوجد عيناً حَمِئة ليس بعدها أحد . قوله تعالى : { قلنا يا ذا القرنين } فمن قال : إِنه نبيّ ، قال : هذا القول وحي ؛ ومن قال : ليس بنبي ، قال : هذا إِلهام . قوله تعالى : { إِما أن تُعَذِّب } قال المفسرون : إِما أن تقتلَهم إِن أبَوْا ما تدعوهم إِليه ، وإِما أن تأسرهم ، فتبصِّرهم الرشد . { قال أمّا مَنْ ظَلَم } أي : أشرك { فسوف نُعَذِّبُه } بالقتل إِذا لم يرجع عن الشرك . وقال الحسن : كان يطبخهم في القدور { ثم يُرَدُّ إِلى ربِّه } بعد العذاب { فيعذبه عذاباً نُكْراً } بالنار . قوله تعالى : { فله جزاءً الحسنى } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « جزاءُ الحسنى » برفع مضاف . قال الفراء : « الحسنى » : الجنة ، وأضيف الجزاءُ إِليها ، وهي الجزاء ، كقوله : { إِنه لَحَقُّ اليقين } [ الحاقة : 51 ] و { دينُ القيِّمة } [ البيِّنة : 5 ] و { ولدار الآخرة } [ النحل : 30 ] . قال أبو علي الفارسي : المعنى : فله جزاء الخلال الحسنى ، لأن الإِيمان والعمل الصالح خِلال . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ، ويعقوب : « جزاءً » بالنصب والتنوين ؛ قال الزجاج : وهو مصدر منصوب على الحال ، المعنى : فله الحسنى مَجْزِيّاً بها جزاءًَ . وقال ابن الأنباري : وقد يكون الجزاء غير الحسنى إِذا تأوَّل الجزاء بأنه الثواب ؛ والحسنى : الحسنة المكتسبة في الدنيا ، فيكون المعنى : فله ثواب ما قدَّم من الحسنات . قوله تعالى : { وسنقول له من أمرنا يُسْراً } أي : نقول له قولاً جميلاً .