Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 12-15)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يا يحيى } قال الزجاج : المعنى : فوهبنا له يحيى ، وقلنا له : يا يحيى { خذ الكتاب } يعني : التوراة ، وكان مأموراً بالتمسك بها . وقال ابن الأنباري : المعنى : اقبل كُتُبَ الله كلَّها إِيماناً بها واستعمالاً لأحكامها . وقد شرحنا في [ البقرة : 63 ] معنى قوله : { بقوّة } . قوله تعالى : { وآتيناه الحُكْم } فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه الفهم ، قاله مجاهد . والثاني : اللُّب ، قاله الحسن ، وعكرمة . والثالث : العِلْم ، قاله ابن السائب . والرابع : حفظ التوراة وعلْمها ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وقد زدنا هذا شرحاً في سورة [ يوسف : 23 ] . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من قرأ القرآن [ من ] قبل أن يحتلم ، فهو ممن أُوتيَ الحُكم صبيّاً . فأما قوله : { صبيّاً } ففي سنِّه يوم أُوتيَ الحُكم قولان . أحدهما : أنه سبع سنين ، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : ثلاث سنين ، قاله قتادة ، ومقاتل . قوله تعالى : { وحناناً من لَدُنّا } قال الزجاج : أي : وآتيناه حناناً . وقال ابن الأنباري : المعنى : وجعلناه حناناً لأهل زمانه . وفي الحنان ستة أقوال . أحدها : أنه الرحمة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، والفراء ، وأبو عبيدة ، وأنشد : @ تَحَنَّنْ عليَّ هَدَاكَ الملِيك فإنّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاَ @@ قال : وعامة ما يُستعمَل في المنطق على لفظ الاثنين ، قال طرفة : @ أبا مُنْذرٍ أفنيتَ فاستبقِ بَعضَنَا حَنَانَيْكَ بعضُ الشَّرِّ أهونُ مِنْ بَعْضِ @@ قال ابن قتيبة : ومنه يقال : تحنَّن عليَّ ، وأصله من حنين الناقة على ولدها . وقال ابن الأنباري : لم يختلف اللغويون أن الحنان : الرحمة ، والمعنى : فعلنا ذلك رحمةً لأبويه ، وتزكيةً له . والثاني : أنه التعطف من ربِّه عليه ، قاله مجاهد . والثالث : أنه اللِّين ، قاله سعيد بن جبير . والرابع : البَرَكة ، وروي عن ابن جبير أيضاً . والخامس : المَحبَّة ، قاله عكرمة ، وابن زيد . والسادس : التعظيم ، قاله عطاء بن أبي رباح . وفي قوله : { وزكاة } أربعة أقوال . أحدها : أنها العمل الصالح ، قاله الضحاك ، وقتادة . والثاني : أن معنى الزكاة : الصدقة ، فالتقدير : إِن الله تعالى جعله صدقة تصدّق بها على أبويه ، قاله ابن السائب . والثالث : أن الزكاة : التطهير ، قاله الزجاج . والرابع : أن الزكاة : الزيادة ، فالمعنى : وآتيناه زيادة في الخير على ما وُصف وذُكِر ، قاله ابن الأنباري . قوله تعالى : { وكان تقيّاً } قال ابن عباس : جعلته يتَّقيني ، ولا يعدل بي غيري . قوله تعالى : { وبَرّاً بوالديه } أي : وجعلناه بَرّاً بوالديه ، والبَرُّ بمعنى : البارّ ؛ والمعنى : لطيفاً بهما ، محسناً إِليهما . والعَصِيَّ بمعنى : العاصي . وقد شرحنا معنى الجبّار في [ هود : 59 ] . قوله تعالى : { وسلام عليه } فيه قولان . أحدهما : أنه السلام المعروف من الله تعالى . قال عطاء : سلام عليه مِنِّي في هذه الأيام ؛ وهذا اختيار أبي سليمان . والثاني : أنه بمعنى : السلامة ، قاله ابن السائب . فإن قيل : كيف خَصَّ التسليم عليه بالأيام ، وقد يجوز أن يولد ليلاً ويموت ليلاً ؟ فالجواب : أن المراد باليوم الحِين والوقت ، على ما بيّنا في قوله : { اليوم أكملتُ لكم دينَكم } [ المائدة : 3 ] . قال ابن عباس : وسلام عليه حين وُلد . وقال الحسن البصري : التقى يحيى وعيسى ، فقال يحيى لعيسى : أنتَ خير مني ، فقال عيسى ليحيى : بل أنت خير مني ، سلَّم الله عليك ، وأنا سلَّمتُ على نفسي . وقال سعيد بن جبير مثله : إِلا أنه قال أثنى الله عليك ، وأنا أثنيت على نفسي . وقال سفيان بن عيينه : أوحش ما يكون الإِنسان في ثلاثة مواطن ، يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم ، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر لم يره ، فخص الله تعالى يحيى فيها بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة .