Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 16-21)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { واذكر في الكتاب } يعني : القرآن { مريمَ إِذ انتبذت } قال أبو عبيدة : تنحَّت واعتزلت { مكاناً شرقيّاً } مما يلي المشرق ، وهو عند العرب خير من الغربيّ . قوله تعالى : { فاتّخذتْ من دونهم } يعني : أهلها { حجاباً } أي : ستراً وحاجزاً ، وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنها ضربت ستراً ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أن الشمس أظلَّتْها ، فلم يرها أحد منهم ، وذلك مما سترها الله به ، [ روي ] هذا المعنى عن ابن عباس أيضاً . والثالث : أنها اتخذت حجاباً من الجدران ، قاله السدي عن أشياخه . وفي سبب انفرادها عنهم قولان . أحدهما : [ أنها ] انفردت لتطهر من الحيض وتمتشط ، قاله ابن عباس . والثاني : لتفلّي رأسها ، قاله عطاء . قوله تعالى : { فأرسلنا إِليها روحنا } وهو جبريل في قول الجمهور . وقال ابن الأنباري : صاحب روحنا ، وهو جبريل . والرُّوح بمعنى : الرَّوْح والفرح ، ثم تضم الراء لتحقيق مذهب الاسم ، وإِبطال طريق المصدر ، ويجوز أن يُراد بالرُّوح هاهنا : الوحي وجبريل صاحب الوحي . وفي وقت مجيئه إِليها ثلاثة أقوال . أحدها : وهي تغتسل . والثاني : بعد فراغها ، ولبسها الثياب . والثالث : بعد دخولها بيتها . وقد قيل : المراد بالروح هاهنا : [ الروح ] الذي خُلق منه عيسى ، حكاه الزجاج ، والماوردي ، وهو مضمون كلام أُبيّ بن كعب فيما سنذكره عند قوله : { فحملتْه } . قال ابن الأنباري : وفيه بُعد ، لقوله : { فتمثَّل لها بَشَراً سويّاً } ، والمعنى : تصوَّر لها في صورة البَشَر التامّ الخِلْقة . وقال ابن عباس : جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعد قطط حين طرَّ شاربه . وقرأ أبو نهيك : « فأرسلنا إِليها رَوحنا » بفتح الراء ، من الرَّوْح . قوله تعالى : { قالت إِني أعوذ بالرحمن منكَ إِن كنتَ تقيّاً } المعنى : إِن كنتَ تتَّقي الله ، فستنتهي بتعوُّذي منك ، هذا هو القول عند المحققين . وحكي عن ابن عباس أنه كان في زمانها رجل اسمه تقي ، وكان فاجراً ، فظنتْه إِياه ، ذكره ابن الأنباري ، والماوردي . وفي قراءة عليّ عليه السلام ، وابن مسعود ، وأبي رجاء : « إِلا أن تكون تقيّاً » . قوله تعالى : { قال إِنما أنا رسول ربِّك } أي : فلا تخافي { لِيَهَبَ لك } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « لأهب لك » بالهمز . وقرأ أبو عمرو ، وورش عن نافع : « ليهب لك » بغير همز . قال الزجاج : من قرأ « ليهب » فالمعنى : أرسَلني ليهب ، ومن قرأ « لأهب » فالمعنى : أُرسلتُ إِليكِ لأهب لكِ . وقال ابن الأنباري : المعنى : أرسلني يقول لك : أرسلتُ رسولي إِليكِ لأهبَ لكِ . قوله تعالى : { غلاماً زكيّاً } أي : طاهراً من الذنوب . والبغيّ : الفاجرة الزانية . قال ابن الأنباري : وإِنما لم يقل : « بغيَّة » لأنه وصف يغلب على النساء ، فقلَّما تقول العرب : رجل بغيّ ، فيجري مجرى حائض ، وعاقر . وقال غيره : إِنما لم يقل : « بغيَّة » لأنه مصروف عن وجهه ، فهو « فعيل » بمعنى : « فاعل » . ومعنى الآية : ليس لي زوج ، ولستُ بزانية ، وإِنما يكون الولد من هاتين الجهتين . { قال كذلِكِ قال ربُّكِ } قد شرحناه في قصة زكريا ، والمعنى : أنه يسيرٌ عليّ أن أهب لكِ غلاماً من غير أب . { ولنجعله آية للناس } أي : دلالة على قدرتنا كونه من غير أب . قال ابن الأنباري : إِنما دخلت الواو في قوله : { ولنجعلَه } لأنها عاطفة لِما بعدها على كلام مضمر محذوف ، تقديره : قال ربُّكِ خَلْقُه عليّ هيِّن لننفعكِ به ، ولنجعلَه عبرة . قوله تعالى : { ورحمةً مِنّا } أي : لمن تبعه وآمن به { وكان أمراً مقضيّاً } أي : وكان خَلْقُه أمراً محكوماً به ، مفروغاً عنه ، سابقاً في عِلْم الله تعالى كونه .