Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 22-26)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فحملته } يعني : عيسى . وفي كيفية حملها له قولان . أحدهما : أن جبريل نفخ في جيب دِرعها ، فاستمرَّ بها حملها ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . قال السدي : نفخ في جيب درعها وكان مشقوقاً من قُدَّامها ، فدخلت النفخة في صدرها فحملت من وقتها . والثاني : الذي خاطبها هو الذي حملته ، ودخل مِنْ فيها ، قاله أُبيّ بن كعب . وفي مقدار حَمْلها سبعة أقوال . أحدها : أنها حين حملت وضعت ، قاله ابن عباس ، والمعنى : أنه ما طال حملها ، وليس المراد أنها وضعته في الحال ، لأن الله تعالى يقول : { فحملته فانتبذت به } ، وهذا يدل على أن بين الحمل والوضع وقتاً يحتمل الانتباذ به . والثاني : أنها حملته تسع ساعات ، ووضعت من يومها ، قاله الحسن . والثالث : تسعة أشهر ، قاله سعيد بن جبير ، وابن السائب . والرابع : ثلاث ساعات ، حملته في ساعة ، وصوِّر في ساعة ، ووضعته في ساعة ، قاله مقاتل بن سليمان . والخامس : ثمانية أشهر ، فعاش ، ولم يعش مولود قط لثمانية أشهر ، فكان في هذا آية ، حكاه الزجاج . والسادس : في ستة أشهر ، حكاه الماوردي . والسابع : في ساعة واحدة ، حكاه الثعلبي . قوله تعالى : { فانتبذت به } يعني بالحَمْل { مكاناً قصيّاً } أي : بعيداً . وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة : { قاصياً } . قال ابن إِسحاق : مشت ستة أميال . قال الفراء : القصيّ والقاصي بمعنى واحد . وقال غير الفراء : القصيّ والقاصي بمنزلة الشهيد والشاهد . وإِنما بَعُدت ، فراراً من قومها أن يعيِّروها بولادتها من غير زوج . قوله تعالى : { فأجاءها المَخاض } وقرأ عكرمة ، وإِبراهيم النخعي ، وعاصم الجحدري : « المِخاض » بكسر الميم . قال الفراء : المعنى : فجاء بها المخاض ، فلما أُلقيت الباء ، جُعلت في الفعل ألفاً ، ومثله : { آتنا غداءنا } [ الكهف : 62 ] أي : بغدائنا ، ومثله : { آتوني زُبَر الحديد } [ الكهف : 96 ] أي : بزبر الحديد . قال أبو عبيدة : أفعلها من جاءت هي ، وأجاءها غيرها . وقال ابن قتيبة : المعنى : جاء بها ، وألجأها ، وهو من حيث يقال : جاءت بي الحاجة إِليك ، وأجاءَتني الحاجة إِليك ، والمَخاض : الحمل . وقال غيره : المخاض : وجع الولادة . { إِلى جِذع النخلة } وهو ساق النخلة ، وكانت نخلة يابسة في الصحراء ، ليس لها رأس ولا سعف . { قالت يا ليتني مُتُّ قبل هذا } اليوم ، أو هذا الأمر . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، وحفص : « مِتُّ » بكسر الميم . وفي سبب قولها هذا قولان . أحدهما : أنها قالته حياءً من الناس . والثاني : لئلا يأثموا بقذفها . قوله تعالى : { وكنتُ نسياً منسيّاً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، بكسر النون ، وقرأ حمزة ، وحفص عن عاصم : « نَسياً » بفتح النون . قال الفراء : وأصحاب عبد الله يقرؤون : « نَسياً » بفتح النون ، وسائرالعرب بكسرها ، وهما لغتان ، مثل الجَسر والجِسر ، والوَتر والوِتر ، والفتح أحب إِليَّ . قال أبو علي الفارسي : الكسر على اللغتين . وقال ابن الأنباري : من كسر النون قال : النِسي : اسم لما يُنسى ، بمنزلة البِغض اسم لما يُبْغَض ، والسِّب اسم لما يُسَب . والنَسي بفتح النون : اسم لما يُنسى أيضاً على أنه مصدر ناب عن الاسم ، كما يقال : الرجل دَنِف ودَنَف . فالمكسور : هو الوصف الصحيح ، والمفتوح : مصدر سدَّ مسدَّ الوصف . ويمكن أن يكون النِسي والنَسي اسمين لمعنىً ، كما يقال : الرِّطل والرَّطل . وللمفسرين في قوله تعالى : { نسياً منسيّاً } خمسة أقوال . أحدها : يا ليتني لما أكن شيئاً ، قاله الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وابن زيد . والثاني : « وكنت نسياً منسيّاً » أي : دم حيضة ملقاة ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة . قال الفراء : النّسي : ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها . وقال ابن الأنباري : هي خرق الحيض تلقيها المرأة فلا تطلبها ولا تذكرها . والثالث : [ أنه من ] السقط ، قاله أبو العالية ، والربيع . والرابع : أن المعنى : يا ليتني لا يُدرى من أنا ، قاله قتادة . والخامس : أنه الشيء التافه يرتحل عنه القوم ، فيهون عليهم فلا يرجعون إِليه ، قاله ابن السائب . وقال أبو عبيدة : النِسي ، والمنسي : ما ينسى من إِداوة وعصا . يعني أنه ينسى في المنزل ، فلا يرجع إِليه لاحتقار صاحبه إِياه . وقال الكسائي : معنى الآية : ليتني كنت ما إِذا ذُكر لم يُطلب . قوله تعالى : { فناداها من تحتها } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « مَن تحتها » بفتح الميم ، والتاء . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « مِن تحتها » بكسر الميم ، والتاء . فمن قرأ بكسر الميم ، ففيه وجهان . أحدهما : ناداها الملك من تحت النخلة . وقيل : كانت على نَشَز ، فناداها الملك أسفل منها . والثاني : ناداها عيسى لما خرج من بطنها . قال ابن عباس : كلُّ ما رفعت إِليه طرفك ، فهو فوقك ، وكلُّ ما خفضت إِليه طرفك ، فهو تحتك . ومن قرأ بفتح الميم ، ففيه الوجهان المذكوران . وكان الفراء يقول : ما خاطبها إِلا الملك على القراءتين جميعاً . قوله تعالى : { قد جعل ربُّكِ تحتكِ سريّاً } فيه قولان . أحدهما : أنه النهر الصغير ، قاله جمهور المفسرين ، واللغويون ، قال أبو صالح ، وابن جريج : هو الجدول بالسريانية . والثاني : أنه عيسى كان سرياً من الرجال ، قاله الحسن ، وعكرمة ، [ وابن زيد ] . قال ابن الأنباري : وقد رجع الحسن عن هذا القول إِلى القول الأول ، ولو كان وصفاً لعيسى ، كان غلاماً سرياً أو سوياً من الغلمان ، وقلَّما تقول العرب : رأيت عندك نبيلاً ، حتى يقولوا : رجلاً نبيلاً . فإن قيل : كيف ناسب تسليتها أن قيل : لا تحزني ، فهذا نهر يجري ؟ فالجواب : من وجهين . أحدهما : أنها حزنت لجدب مكانها الذي ولدت فيه ، وعدمِ الطعام والشراب والماء الذي تتطهر به ، فقيل : لا تحزني قد أجرينا لك نهراً ، وأطلعنا لك رطباً ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنها حزنت لِما جرى عليها من ولادة ولد عن غير زوج ، فأجرى الله تعالى لها نهراً ، فجاءها من الأردنِّ ، وأخرج لها الرَّطب من الشجرة اليابسة ، فكان ذلك آية تدل على قدرة الله تعالى في إِيجاد عيسى ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { وهزِّي إِليك } الهزُّ : التحريك . والباء في قوله تعالى : { بجذع النخلة } فيها قولان . أحدهما : أنها زائدة مؤكدة ، كقوله تعالى : { فليمدد بسبب إِلى السماء } [ الحج : 15 ] قال الفراء : معناه : فليمدد سبباً . والعرب تقول : هزَّه ، وهزَّ به ، وخذ الخطام ، وخذ بالخطام ، وتعلَّق زيداً ، وتعلَّق به . وقال أبو عبيدة : هي مؤكدة ، كقول الشاعر : @ نَضْرِبُ بالسَّيفِ ونرجو بالفرَج @@ والثاني : أنها دخلت على الجذع لتلصقه بالهزِّ ، فهي مفيدة للالصاق ، قاله ابن الأنباري . قوله تعالى : { تساقط } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « تَسَّاقط » بالتاء مشددة السين . وقرأ حمزة ، وعبد الوارث : « تَسَاقط » بالتاء مفتوحة مخففة السين . وقرأ حفص عن عاصم : « تُساقِط » بضم التاء وكسر القاف مخففة السين . وقرأ يعقوب ، وأبو زيد عن المفضل : « يَسَّاقَط » بالياء مفتوجة وتشديد السين وفتح القاف . فهذه القراآت المشاهير . وقرأ أُبَيُّ بن كعب ، وأبو حيوة : « تَسْقُط » بفتح التاء وسكون السين ورفع القاف . وقرأ عبد الله بن عمرو ، وعائشة ، والحسن : « يُساقِط » بألف وتخفيف السين ورفع الياء وكسر القاف . وقرأ الضحاك ، وعمرو بن دينار : « يُسْقِط » برفع الياء وكسر القاف مع سكون السين وعدم الألف . وقرأ عاصم الجحدري ، وأبو عمران الجوني مثله ، إِلا أنه بالتاء . وقرأ معاذ القارىء ، وابن يعمر مثله ، إِلا أنه بالنون . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وابن أبي عبلة : « يَسْقُط » بالياء مفتوحة مع سكون السين ورفع القاف . وقرأ أبو السماك العدوي ، وابن حزام : « تتساقط » بتاءين مفتوحين وبألف . وقال الزجاج : من قرأ « يسَّاقط » فالمعنى : يتساقط ، فأدغمت التاء في السين . ومن قرأ « تسَّاقط » ، فكذلك أيضاً ، وأنث لأن لفظ النخلة يؤنث . ومن قرأ « تساقط » بالتاء والتخفيف ، فإنه حذف من « تتساقط » اجتماع التاءين . ومن قرأ « يُساقط » ذهب إِلى معنى : يُساقط الجذع عليك . ومن قرأ « نُساقط » بالنون ، فالمعنى : نحن نُساقط عليك ، فنجعله لك آية ، والنحويون يقولون : إِن « رطباً » منصوب على التمييز إِذا قلت : يسَّاقط أو يتساقط ، المعنى : يتساقط الجزع رطباً . وإِذا قلت : تسَّاقط بالتاء ، فالمعنى : تتساقط النخلة رطباً . قوله تعالى : { جَنِيّاً } قال الفراء : الجَنِيّ : المجتنى ، وقال ابن الأنباري : هو الطريُّ ، والأصل : مجنوٌّ ، صُرف من مفعول إِلى فعيل ، كما يقال : قديد ، وطبيخ . وقال غيره : هو الطريّ بغباره : ولم يكن لتلك النخلة رأس ، فأنبته الله تعالى ، فلما وضعت يدها عليها ، سقط الرطب رَطْباً . وكان السلف يستحبُّون للنفساء الرطب من أجل مريم عليها السلام . قوله تعالى : { فكلي } أي : من الرطب { واشربي } من النهر { وقَرِّي عينا } بولادة عيسى عليه السلام . قال الزجاج : يقال : قَرِرت به عيناً أقَر ، بفتح القاف في المستقبل ، وقَرِرت في المكان أقر ، بكسر القاف ، و « عيناً » : منصوب على التمييز . وروى ابن الأنباري عن الأصمعي أنه قال : معنى « وقرِّي عيناً » ، ولتبرد دمعتك ، لأن دمعة الفرح باردة ، ودمعة الحزن حارَّة . واشتقاق « قرِّي » من القَرور ، وهو الماء البارد . وقال لنا أحمد بن يحيى : تفسير « قرِّي عيناً » بلغتِ غاية أملك حتى تقرَّ عينك من الاستشراف إِلى غيره ، واحتج بقول عمرو ابن كلثوم : @ بيوم كريهةٍ ضرباً وطعناً أقرَّ به مواليك العيونا @@ أي : ظفروا وبلغوا منتهى أمنيتهم ، فقرَّت عينهم من تطلّع إِلى غيره . قوله تعالى : { فإما تَرَيِنّ } وقرأ ابن عباس ، وأبو مجلز ، وابن السميفع ، والضحاك ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : « ترئِنَّ » بهمزة مكسورة من غير ياء . أي : إِن رأيتِ من البشر أحداً فقولي ؛ وفيه إِضمار تقديره : فسألك عن أمر ولدك . { فقولي إِنِّي نذرتُ للرحمن صوماً } فيه قولان . أحدهما : صمتاً ، قاله ابن عباس ، وأنس بن مالك ، والضحاك ؛ وكذلك قرأ أُبيّ بن كعب ، وأنس بن مالك ، وأبو رزين العقيلي : « صمتاً » مكان قوله : « صوماً » . وقرأ ابن عباس : صياماً . والثاني : صوماً عن الطعام والشراب والكلام ، قاله قتادة . وقال ابن زيد : كان المجتهد من بني إِسرائيل يصوم عن الكلام كما يصوم عن الطعام ، إِلا من ذِكْر الله عز وجل . قال السدي : فأذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت . قال ابن مسعود : أُمِرتْ بالصمت ، لأنها لم تكن لها حُجَّة عند الناس ، فأُمرتْ بالكفِّ عن الكلام ليكفيَها الكلامَ ولدُها مما يُبرِّىء به ساحتها . وقيل : كانت تُكلِّم الملائكة ولا تكلِّم الإِنس . قال ابن الأنباري : الصوم في لغة العرب على أربعة معانٍ ، يقال : صوم لترك الطعام والشراب ، وصوم للصمت ، وصوم لضرب من الشجر ، وصوم لذَرْق النعام . واختلف العلماء في مقدار سنِّ مريم يوم ولادتها على ثلاثة أقوال . أحدها : أنها وَلَدت وهي بنت خمس عشرة سنة ، قاله وهب بن منبِّه . والثاني : بنت اثنتي عشرة سنة ، قاله زيد بن أسلم . والثالث : بنت ثلاث عشرة سنة ، قاله مقاتل .