Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 27-33)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فأتت به قومها تحمله } قال ابن عباس في رواية أبي صالح : أتتهم به بعد أربعين يوماً حين طهرت من نفاسها . وقال في رواية الضحاك : انطلق قومها يطلبونها ، فلما رأتْهم حملت عيسى فتلقَّتْهم به ، فذلك قوله تعالى : { فأتتْ به قومها تحمله } . فإن قيل : « أتت به » يغني عن « تحمله » فلا فائدة للتكرير . فالجواب : أنه لما ظهرت منه آيات ، جاز أن يتوهَّم السامع « فأتت به » أن يكون ساعياً على قدميه ، فيكون سعية آيةً كنطقه ، فقطع ذلك التوهُّمَ ، وأعلم أنه كسائر الأطفال ، وهذا مِثْل قول العرب : نظرت إِلى فلان بعيني ، فنفَوْا بذلك نظر العطف ؛ والرحمة ، وأثبتوا [ أنه ] نظرُ عَيْنٍ . وقال ابن السائب : لما دخلت على قومها بَكَوْا ، وكانوا قوماً صالحين ؛ و { قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : شيئاً عظيماً ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . قال الفراء : الفريُّ : العظيم ، والعرب تقول : تركته يفري الفريَّ ، إِذا عمل فأجاد العمل فَفَضَلَ الناس ، قيل هذا فيه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فما رأيت عبقرياً يفري فَرْيَ عمر " . والثاني : عَجباً فائقاً ، قاله أبو عبيدة . والثالث : شيئاً مصنوعاً ، ومنه يقال : فريت الكذب ، وافتريته ، قاله اليزيدي . قوله تعالى : { يا أخت هارون } في المراد بهارون هذا خمسة أقوال . أحدها : أنه أخ لها من أُمِّها ، وكان من أمثل فتى في بني إِسرائيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . و قال الضحاك : كان من أبيها وأُمِّها . والثاني : أنها كانت من بني هارون ، قاله الضحاك عن ابن عباس . وقال السدي : كانت من بني هارون أخي موسى عليهما السلام ، فنُسبت إِليه ، لأنها من ولده . والثالث : أنه رجل صالح كان في بني إِسرائيل ، فشبَّهوها به في الصلاح ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً ، وقتادة ، ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال : " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى أهل نجران ، فقالوا : ألستم تقرؤون : « يا أخت هارون » وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى ؟ فلم أدرِ ما أُجيبهم ، فرجعت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه ، فقال : « ألا أخبرتَهم أنهم كانوا يسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلَهم » " . والرابع : أن قوم هارون كان فيهم فُسَّاق وزُنَاةٌ ، فنسبوها إِليهم ، قاله سعيد بن جبير . والخامس : أنه رجل من فُسَّاق بني إِسرائيل شبَّهوها به ، قاله وهب بن منبِّه . فعلى هذا يخرج في معنى « الأخت » قولان . أحدهما : أنها الأخت حقيقة . والثاني : المشابهة ، لا المناسبة ، كقوله تعالى : { وما نريهم من آية إِلا هي أكبر من أختها } [ الزخرف : 48 ] . قوله تعالى : { ما كان أبوكِ } يعنون : عِمران { امرأَ سَوْءٍ } أي : زانياً { وما كانت أُمُّكِ } حنَّة { بَغِيّاً } أي : زانية ، فمن أين لكِ هذا الولد ؟ ! قوله تعالى : { فأشارت } أي : أومأت { إِليه } أي : إِلى عيسى فتكلَّم . وقيل المعنى : أشارت إِليه أنْ كلِّموه . وكان عيسى قد كلَّمها حين أتت قومها ، وقال : يا أُماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه ، فلما أشارت أن كلِّموه ، تعجَّبوا من ذلك ، و { قالوا كيف نكلِّم من كان } وفيها أربعة أقوال . أحدها : أنها زائدة ، فالمعنى كيف نكلِّم صبياً في المهد ؟ ! . والثاني : أنها في معنى : وقع ، وحدث . والثالث : أنها في معنى الشرط والجزاء ، فالمعنى : من يكن في المهد صبياً ، فكيف نكلِّمه ؟ ! حكاها الزجاج ، واختار الأخير منها ؛ قال ابن الأنباري : وهذا كما تقول : كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي ؟ ! أي : من يكن لا يقبل ، والماضي يكون بمعنى المستقبل في الجزاء . والرابع : أن « كان » بمعنى : صار ، قاله قطرب . وفي المراد بالمهد قولان . أحدهما : حِجْرُها ، قاله نوفٌ ، وقتادة ، والكلبي . والثاني : سرير الصبي المعروف ، حكاه الكلبي أيضاً . قال السدي : فلما سمع عيسى كلامهم ، لم يزد على أن ترك الرَّضاع ، وأقبل عليهم بوجهه ، فقال : إِني عبد الله . قال المفسرون : إِنما قدَّم ذِكر العبودية ، ليُبطلَ قول من ادَّعى فيه الربوبية . وفي قوله : { آتانيَ الكتاب } أسكن هذه الياء حمزة . وفي معنى الآية قولان . أحدهما : أنه آتاه الكتاب وهو في بطن أُمه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقيل : علم التوراة والإِنجيل وهو في بطن أُمه . والثاني : قضى أن يؤتيني الكتاب ، قاله عكرمة . وفي « الكتاب » قولان . أحدهما : أنه التوراة . والثاني : الإِنجيل . قوله تعالى : { وجعلني نبيّاً } هذا وما بعده إِخبار عما قضى الله له وحكم له به ومنحه إِيَّاه مما سيظهر ويكون . وقيل : المعنى : يؤتيني الكتاب ويجعلني نبيّاً إِذا بلغتُ ؛ فحلَّ الماضي محلَّ المستقبل ، كقوله تعالى : { وإِذ قال الله يا عيسى } [ المائدة : 116 ] . وفي وقت تكليمه لهم قولان . أحدهما : أنه كلَّمهم بعد أربعين يوماً . والثاني : في يومه . وهو مبنيٌّ على ما ذكرنا من الزمان الذي غابت عنهم فيه مريم . قوله تعالى : { وجعلني مبارَكاً أينما كنتُ } روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : " نفّاعاً حيثما توجهت " وقال مجاهد : معلِّماً للخير . وفي المراد « بالزكاة » قولان . أحدهما : زكاة الأموال ، قاله ابن السائب . والثاني : الطهارة ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وبَرّاً بوالدتي } قال ابن عباس : لمَّا قال هذا ، ولم يقل : « بوالديّ » علموا أنه وُلد من غير بَشَر . قوله تعالى : { ولم يجعلني جباراً } أي : متعظِّماً { شقيّاً } عاصياً لربه { والسَّلام عليَّ يومَ وُلدتُ } قال المفسرون : السلامة عليَّ من الله يوم وُلدتُ حتى لم يضرَّني شيطان . وقد سبق تفسير الآية [ مريم : 15 ] . فإن قيل : لم ذكر هاهنا « السلام » بألف ولام ، وذكره في قصة يحيى بلا ألف ولام ؟ فعنه جوابان . أحدهما : أنه لمّا جرى ذِكر السلام قبل هذا الموضع بغير ألف ولام ، كان الأحسن أن يَرِد ثانية بألف ولام ، هذا قول الزجاج . وقد اعتُرِض على هذا القول ، فقيل : كيف يجوز أن يعطف هذا وهو قول عيسى ، على الأول وهو قول الله عز وجل ؟ ! وقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال : عيسى إِنما يتعلَّم من ربِّه ، فيجوز أن يكون سمع قول الله في يحيى ، فبنى عليه وألصقه بنفسه ، ويجوز أن يكون الله عز وجل عرَّف السلام الثاني لأنه أتى بعد سلام قد ذكره ، وأجراه عليه غير قاصدٍ به إِتباع اللفظ المحكيّ ، لأن المتكلِّم ، له أن يغيِّر بعض الكلام الذي يحكيه ، فيقول : قال عبد الله : أنا رَجُل منصف ، يريد : قال لي عبد الله : أنتَ رَجُل منصِف . والجواب الثاني : أن سلاماً والسلام لغتان بمعنى واحد ، ذكره ابن الأنباري .