Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 54-57)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنه كان صادق الوعد } هذا عامّ فيما بينه وبين الله ، وفيما بينه وبين الناس . وقال مجاهد : لم يَعِد ربَّه بوعدٍ قطُّ إِلا وفى له به . فإن قيل : كيف خُصَّ بصدق الوعد إِسماعيل ، وليس في الأنبياء من ليس كذلك ؟ فالجواب : أن إِسماعيل عانى [ في الوفاء ] بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء ، فأُثني عليه بذلك . وذكر المفسرون : أنه كان بينه وبين رجل ميعاد ، فأقام ينتظره مدة فيها لهم ثلاثة أقوال . أحدها : أنه أقام حَوْلاً ، قاله ابن عباس . والثاني : اثنين وعشرين يوماً ، قاله الرقاشي . والثالث : ثلاثة أيام ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { وكان رسولاً } إِلى قومه ، وهم جُرْهُم . { وكان يأمر أهله } قال مقاتل : يعني : قومه . وقال الزجاج : أهله : جميعُ أُمَّته . فأما الصلاة والزكاة ، فهما العبادتان المعروفتان . قوله تعالى : { ورفعناه مكاناً عَلِيّاً } فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه في السماء الرابعة ، روى البخاري ومسلم في « الصحيحين » من حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج : أنه رأى إِدريس في السماء الرابعة ، وبهذا قال أبو سعيد الخدريّ ، ومجاهد ، وأبو العالية . والثاني : أنه في السماء السادسة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك . والثالث : أنه في الجنة ، قاله زيد بن أسلم ، وهذا يرجع إِلى الأول ، لأنه قد روي أن الجنة في السماء الرابعة . والرابع : أنه في السماء السابعة ، حكاه أبو سليمان الدمشقي . وفي سبب صعوده إِلى السماء ثلاثة أقوال . أحدها : أنه كان يصعد له من العمل مِثْلُ ما يصعد لجميع بني آدم ، فأحبَّه مَلَك الموت ، فاستأذن اللهَ في خُلَّته ، فأذن له ، فهبط إِليه في صورة آدمي ، وكان يصحبه فلما عرفه ، قال إِنِّي أسألك حاجة ، قال : ما هي ؟ قال : تذيقني الموت ، فلعلِّي أعلم ما شدَّته فأكون له أشدّ استعداداً ؛ فأوحى الله إِليه أن اقبض روحه ساعةً ثم أَرْسِله ، ففعل ، ثم قال : كيف رأيتَ ؟ قال : كان أشدَّ مما بلغني عنه ، وإِني أُحب أن تريَني النار ، قال : فحمله ، فأراه إِيّاها ؛ قال : إِني أُحِبُّ أن تريَني الجنة ، فأراه إِياها ، فلما دخلها وطاف فيها ، قال له ملك الموت : اخرج ، فقال : والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يُخرجني ؛ فبعث الله مَلَكاً فحكم بينهما ، فقال : ما تقول يا مَلَك الموت ؟ فقصَّ عليه ما جرى ؛ فقال : ما تقول يا إِدريس ؟ قال : إِن الله تعالى قال : { كُلُّ نَفْس ذائقة الموت } [ آل عمران : 185 ] ، وقد ذُقْتُه ، وقال : { وإِن منكم إِلا واردها } [ مريم : 71 ] ، وقد وردتُها ، وقال لأهل الجنة : { وما هم منها بمُخْرَجِين } [ الحجر : 48 ] ، فوالله لا أخرج حتى يكون الله يُخرجني ؛ فسمع هاتفاً من فوقه يقول : باذني دخل ، وبأمري فعل ، فخلِّ سبيله ؛ هذا معنى ما رواه زيد بن أسلم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فإن سأل سائل فقال : من أين لإِدريس هذه الآيات ، وهي في كتابنا ؟ ! فقد ذكر ابن الأنباري عن بعض العلماء ، قال : كان الله تعالى قد أعلم إِدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود ، وامتناع الخروج من الجنة ، وغير ذلك ، فقال ما قاله بعلم . والثاني : أن ملَكاً من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إِلى إِدريس ، فأذن له ، فلما عرفه إِدريس ، قال : هل بينك وبين ملك الموت قرابة ؟ قال : ذاك أخي من الملائكة ، قال : هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت ؟ قال سأكلِّمه فيك ، فيرفق بك ، اركب ببن جناحيّ ، فركب إِدريس ، فصعد به إِلى السماء ، فلقي ملك الموت ، فقال : إِن لي إِليك حاجة ، قال : أعلم ما حاجتك ، تكلِّمني في إِدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أَجَله إِلا نصف طرفة عين ؟ ! فمات إِدريس بين جناحي الملَك ، رواه عكرمة عن ابن عباس . وقال أبو صالح عن ابن عباس : فقبض ملك الموت روح إِدريس في السماء السادسة . والثالث : أن إِدريس مشى يوماً في الشمس ، فأصابه وهجها ، فقال : اللهم خفِّف ثقلها عمَّن يحملها ، يعني به الملك الموكَّل بالشمس ، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرِّها مالا يعرف ، فسأل الله عز وجل عن ذلك ، فقال : إِن عبدي إِدريس سألني أن أُخفِّف عنكَ حِملها وحرَّها ، فأجبْتُه ، فقال : يا رب اجمع بيني وبينه ، واجعل بيننا خُلَّة ، فأَذِن له ، [ فأتاه ] ، فكان مما قال له إِدريس : اشفع لي إِلى ملك الموت ليؤخِّر أجَلي ، فقال : إِن الله لا يؤخِّر نفساً إِذا جاء أَجَلُها ، ولكن أُكلِّمه فيك ، فما كان مستطيعاً أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك ، ثم حمله الملك على جناحه ، فرفعه إِلى السماء ، فوضعه عند مطلع الشمس ، ثم أتى ملكَ الموت فقال : إِن لي إِليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفَّعَ بي إِليك لتؤخِّر أجَلَه ، قال : ليس ذاك إِليَّ ، ولكن إِن أحببتَ أعلمتُه متى يموت ، فنظر في ديوانه ، فقال : إِنك كلمتني في إِنسان ما أراه يموت أبداً ، ولا أجده يموت إِلا عند مطلع الشمس ، فقال : إِني أتيتك وتركته هناك ، قال : انطلق ، فما أراك تجده إِلا ميتاً ، فوالله ما بقي من أجله شيء ، فرجع الملك فرآه ميتاً . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وكعب في آخرين . فهذا القول والذي قبله يدلاّن على أنه ميت ، والقول الأول يدل على أنه حيّ .