Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 58-65)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } يعني الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه السورة { من ذُرِّيَّة آدم } يعني إِدريس { وممن حَمَلْنا مع نوح } يعني إِبراهيم ، لأنه من ولد سام بن نوح { ومن ذرية إِبراهيم } يريد : إِسماعيل وإِسحاق ويعقوب { وإِسرائيل } يعني : ومن ذرية إِسرائيل ، وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى . قوله تعالى : { وممن هَدَينا } أي : هؤلاء كانوا ممن أرشَدْنا ، { واجتَبَيْنَا } أي : واصطَفَيْنا . قوله تعالى : { خرُّوا سُجَّداً } قال الزجاج : « سُجَّداً » حال مقدَّرة ، المعنى : خرُّوا مقدِّرين السجود ، لأن الإِنسان في حال خروره لا يكون ساجداً ، فـ « سُجَّداً » منصوب على الحال ، وهو جمع ساجد « وبُكيّاً » معطوف عليه ، وهو : جمع باكٍ ، فقد بيَّن الله تعالى أن الأنبياء كانوا إِذا سمعوا آيات الله سجدوا وبَكَوْا من خشية الله . قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خَلْفٌ } قد شرحناه في [ الأعراف : 169 ] . وفي المراد بهذا الخَلْف ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم اليهود ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : اليهود والنصارى ، قاله السدي . والثالث : أنهم من هذه الأُمَّة ، يأتون عند ذهاب صالحي أُمة محمد صلى الله عليه وسلم يتبارَوْن بالزنا ، ينزو بعضهم على بعض في الأزقّة زناة ، قاله مجاهد ، وقتادة . قوله تعالى : { أضاعوا الصلاة } وقرأ ابن مسعود ، وأبو رزين العقيلي ، والحسن البصري : « الصلوات » على الجمع . وفي المراد باضاعتهم إِياها قولان . أحدهما : أنهم أخَّروها عن وقتها ، قاله ابن مسعود ، والنخعي ، وعمر بن عبد العزيز ، والقاسم بن مخيمرة . والثاني : تركوها ، قاله القرظي ، واختاره الزجاج . قوله تعالى : { واتَّبَعوا الشهوات } قال أبو سليمان الدمشقى : وذلك مثل استماع الغناء ، وشرب الخمر ، والزنا ، واللهو ، وما شاكل ذلك مما يقطع عن أداء فرائض الله عز وجل . قوله تعالى : { فسوف يلقون غيّاً } ليس معنى هذا اللقاء مجرد الرؤية ، وإِنما المراد به الاجتماع والملابسة مع الرؤية . وفي المراد بهذا الغيّ ستة أقوال . أحدها : أنه وادٍ في جهنم ، روراه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه قال كعب . والثاني : أنه نهر في جهنم ، قاله ابن مسعود . والثالث : أنه الخسران ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والرابع : أنه العذاب ، قاله مجاهد . والخامس : أنه الشرُّ ، قاله ابن زيد ، وابن السائب . والسادس : أن المعنى : فسوف يلقون مجازاة الغي ، كقوله : { يلقَ أثاماً } [ الفرقان : 68 ] أي : مجازاة الآثام ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { إِلا من تاب وآمن } فيه قولان . أحدهما : تاب من الشرك ، وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل . والثاني : تاب من التقصير في الصلاة ، وآمن من اليهود والنصارى . قوله تعالى : { جناتِ عدن } وقرأ أبو رزين العقيلي ، والضحاك ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة : « جناتُ » برفع التاء . وقرأ الحسن البصري ، والشعبي ، وابن السميفع : « جنةُ عدن » على التوحيد مع رفع التاء . وقرأ أبو مجلز ، وأبو المتوكل الناجي : « جنةَ عدن » على التوحيد مع نصب التاء . وقوله : { التي وعد الرحمنُ عباده بالغيب } أي : وعدهم بها ، ولم يَروْها ، فهي غائبة عنهم . قوله تعالى : { إِنه كان وعده مأتيّاً } فيه قولان . أحدهما : آتياً ، قال ابن قتيبة : وهو « مفعول » في معنى « فاعل » ، وهو قليل أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به . وقال الفراء : إِنما لم يقل : آتياً ، لأن كل ما أتاك ، فأنت تأتيه ؛ ألا ترى أنك تقول : أتيت على خمسين سنة ، وأتت عليَّ خمسون [ سنة ] ؟ . والثاني : مبلوغاً إِليه ، قاله ابن الأنباري . وقال ابن جريج : « وعده » هاهنا : موعوده ، وهو الجنة ، و « مأتيّاً » : يأتيه أولياؤه . قوله تعالى : { لا يسمعون فيها لغواً } فيه قولان . أحدهما : أنه التخالف عند شرب الخمر ، قاله مقاتل . والثاني : ما يلغى من الكلام ويؤثَم فيه ، قاله الزجاج . وقال ابن الأنباري : اللغو في العربية : الفاسد المطَّرَح . قوله تعالى : { إِلا سلاماً } قال أبو عبيدة : السلام ليس من اللغو ، والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه ، وذلك أنها تضمر فيه ، فالمعنى : إِلا أنهم يسمعون فيها سلاماً . وقال ابن الأنباري : استثنى السلام من غير جنسه ، وفي ذلك توكيد للمعنى المقصود ، لأنهم إِذا لم يسمعوا من اللغوا إِلا السلام ، فليس يسمعون لغواً البتَّة ، وكذلك قوله : { فإنهم عدوٌّ لي إِلا ربَّ العالمين } [ الشعراء : 77 ] ، إِذا لم يخرج من عداوتهم لي غير رب العالمين ، فكلُّهم عدو . وفي معنى هذا السلام قولان . أحدهما : أنه تسليم الملائكة عليهم ، قاله مقاتل . والثاني : أنهم لا يسمعون إِلا ما يسلِّمهم ، ولا يسمعون ما يؤثمهم ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { ولهم رزقهم فيها بُكْرة وعَشِيّاً } قال المفسرون : ليس في الجنة بُكْرة ولا عشيَّة ، ولكنَّهم يُؤتَوْن برزقهم على مقدار ما كانوا يعرفون في الغداة والعشي . قال الحسن : كانت العرب لا تعرف شيئاً من العيش أفضل من الغداء والعشاء ، فذكر الله لهم ذلك . وقال قتادة : كانت العرب إِذا أصاب أحدُهم الغداءَ والعشاء أُعجب به ، فأخبر الله أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيّاً على قدر ذلك الوقت ، وليس ثَمَّ ليل ولا نهار ، وإِنما هو ضوء ونُور . وروى الوليد بن مسلم قال : سألت زهير بن محمد عن قوله تعالى : { بُكْرة وعشيّاً } فقال : ليس في الجنة ليل ولا نهار ، هم في نور أبداً ، ولهم مقدار الليل والنهار ، يعرفون مقدار الليل بارخاء الحُجُب وإِغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب . قوله تعالى : { تلك الجنة } الإِشارة إِلى قوله : { فأولئك يدخلون الجنة } . قوله تعالى : { نُورِث } وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والشعبي ، وقتادة ، وابن أبي عبلة : بفتح الواو وتشديد الراء . قال المفسرون : ومعنى « نورث » : نعطي المساكن التي كانت لأهل النار - لو آمنوا للمؤمنين . ويجوز أن يكون معنى « نورث » : نعطي ، فيكون كالميراث لهم من جهة أنها تمليك مستأنف . وقد شرحنا هذا في [ الأعراف : 43 ] . قوله تعالى : { وما نتنزَّل إِلا بأمر ربِّك } وقرأ ابن السميفع ، وابن يعمر : « وما يَتنزَّل » بياء مفتوحة . وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا » " ، فنزلت هذه الآية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني : " أن الملَك أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه ، فقال : لعلِّي أبطأتُ ، قال : « قد فعلتَ » ، قال : وما لي لا أفعل ، وأنتم لا تتسوَّكون ، ولا تقصُّون أظفاركم ، ولا تُنَقُّون براجمكم " ، فنزلت الآية ، قاله مجاهد . قال ابن الأنباري : البراجم عند العرب : الفصوص التي في فصول ظهور الأصابع ، تبدو إِذا جُمعت ، وتغمض إِذا بُسطت . والرواجب : ما بين البراجم ، بين كل برجمتين راجبة . والثالث : " أن جبريل احتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله [ قومه ] عن قصة أصحاب الكهف ، وذي القرنين ، والروح ، فلم يدر ما يجيبهم ، ورجا أن يأتيَه جبريل بجواب ، فأبطأ عليه ، فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقَّة شديدة ، فلما نزل جبريل قال له : « أبطأتَ عليَّ حتى ساء ظني ، واشتقتُ إِليك » ، فقال جبريل : إِنِّي كنتُ أَشْوَق ، ولكنِّي عبدٌ مأمور ، إِذا بُعثتُ نزلتُ ، وإِذا حُبستُ احتبستُ " ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة ، وقتادة ، والضحاك . وفي سبب احتباس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولان . أحدهما : لامتناع أصحابه من كمال النظافة ، كما ذكرنا في حديث مجاهد . والثاني : لأنهم سألوه عن قصة أصحاب الكهف ، فقال : « غداً أُخبركم » ، ولم يقل : إِن شاء الله ؛ وقد سبق هذا في سورة [ الكهف : 24 ] . وفي مقدار احتباسه عنه خمسة أقوال . أحدها : خمسة عشر يوماً ؛ وقد ذكرناه في ( الكهف ) عن ابن عباس . والثاني : أربعون يوماً ، قاله عكرمة ، ومقاتل . والثالث : اثنتا عشرة ليلة ، قاله مجاهد . والرابع : ثلاثة أيام ، حكاه مقاتل . والخامس : خمسة وعشرون يوماً ، حكاه الثعلبي . وقيل : إِن سورة ( الضحى ) نزلت في هذا السبب . والمفسرون على أن قوله : « وما نتنزل إِلا بأمر ربِّك » قول جبريل . وحكى الماوردي : أنه قول أهل الجنة إِذا دخلوها ، فالمعنى : ما ننزل هذه الجنان إِلا بأمر الله . وقيل : ما ننزل موضعاً من الجنة إِلا بأمر الله . وفي قوله : { ما بين أيدينا وما خلفنا } قولان . أحدهما : ما بين أيدينا : الآخرة ، وما خلفنا : الدنيا ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل . والثاني : ما بين أيدينا : ما مضى من الدنيا ، وما خلفنا : من الآخرة ، فهو عكس الأول ، قاله مجاهد . وقال الأخفش : ما بين أيدينا : قبل أن نُخلَق ، وما خلفنا : بعد الفناء . وفي قوله تعالى : { وما بين ذلك } ثلاثة أقوال . أحدها : ما بين الدنيا والآخرة ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : ما بين النفختين ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، وأبو العالية . والثالث : حين كوَّنَنا ، قاله الأخفش . قال ابن الأنباري : وإِنما وحَّد ذلك ، والإِشارة إِلى شيئين . أحدهما : « ما بين أيدينا » . والثاني : « ما خلفنا » ، لأن العرب توقع ذلك على الاثنين والجمع . قوله تعالى : { وما كان ربك نَسِيّاً } النَّسِيُّ ، بمعنى الناسي . وفي معنى الكلام قولان . أحدهما : ما كان تاركاً لك منذ أبطأ الوحي عنك ، قاله ابن عباس . وقال مقاتل : ما نسيك عند انقطاع الوحي عنك . والثاني : أنه عالم بما كان ويكون ، لا ينسى شيئاً ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { فاعبُده } أي : وحّده ، لأن عبادته بالشِّرك ليست عبادة ، { واصطبر لعبادته } أي : اصبر على توحيده ؛ وقيل : على أمره ونهيه . قوله تعالى : { هل تعلم له سميّاً } روى هارون عن أبي عمرو أنه كان يُدغم « هل تعلم » ، ووجهه أن سيبويه يجيز إِدغام اللام في التاء والثاء والدال والزاي والسين والصاد والطاء ، لأن آخر مخرج من اللام وقريب من مخارجهن . قال أبو عبيدة : إِذا كان بعد « هل » تاء ، ففيه لغتان ، بعضهم يُبين لام « هل » ، وبعضهم يدغمها . وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : مِثْلاً وشبهاً ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة . والثاني : هل تعلم أحداً يسمّى « اللهَ » غيرُه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث : هل تعلم أحداً يستحق أن يقال له : خالق وقادر ، إِلا هو ، قاله الزجاج .