Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 66-72)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ويقول الإِنسان } سبب نزولها أن أُبيَّ بن خلف أخذ عظماً بالياً ، فجعل يفتّه بيده ويذريه في الريح ويقول : زعم لكم محمد أن الله يبعثنا بعد أن نكون مثل هذا العظم البالي ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وروى عطاء عن ابن عباس : أنه الوليد بن المغيرة . قوله تعالى : { لسوف أُخْرَجُ حَيّاً } إِن قيل : ظاهره ظاهر سؤال ، فأين جوابه ؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري . أحدها : أن ظاهر الكلام استفهام ، ومعناه معنى جحد وإِنكار ، تلخيصه : لستُ مبعوثاً بعد الموت . والثاني : أنه لمّا استفهم بهذا الكلام عن البعث ، أجابه الله عز وجل بقوله : { أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسان } ، فهو مشتمل على معنى : نعم ، وأنت مبعوث . والثالث : أن جواب سؤال هذا الكافر في [ يس : 78 ] عند قوله تعالى : { وضرب لنا مَثَلاً } ، ولا يُنكَر بُعْد الجواب ، لأن القرآن كلَّه بمنزلة الرسالة الواحدة ، والسورتان مكيَّتان . قوله تعالى : { أولا يَذكر الإِنسانُ } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : بفتح الذال مشددة الكاف . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر : « يَذْكُرُ ، ساكنة الذال خفيفة . وقرأ أُبيّ بن كعب ، وأبو المتوكل الناجي : « أَوَلا يتذكَّر الإِنسان » بياء وتاء . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن : « يذْكُر » بياء من غير تاء ساكنة الذال مخففة مرفوعة الكاف ، والمعنى : أَوَلا يتذكَّر هذا الجاحد أوَّل خلقه ، فيستدل بالابتداء على الإِعادة ؟ ! { فوربك لنحشرنَّهم } يعني : المكذِّبين بالبعث { والشياطينَ } أي : مع الشياطين ، وذلك أن كل كافر يُحشَر مع شيطانه في سلسلة ، { ثم لنُحْضِرَنَّهم حول جهنَّم } قال مقاتل : أي : في جهنم ، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخلَه ، تقول : جلس القوم حول البيت : إِذا جلسوا داخله مطيفين به . وقيل : يجثون حولها قبل أن يدخلوها . فأما قوله : { جِثِيّاً } فقال الزجاج : هو جمع جاثٍ ، مثل قاعدٍ وقعودٍ ، وهو منصوب على الحال ، والأصل ضم الجيم ، وجاء كسرها إِتباعاً لكسرة الثاء . وللمفسرين في معناه خمسة أقوال . أحدها : قعوداً ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : جماعات جماعات ، روي عن ابن عباس أيضاً . فعلى هذا هو جمع جثْوة وهي المجموع من التراب والحجارة . والثالث : جثيّاً على الرُّكَب ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والزجاج . والرابع : قياماً ، قاله أبو مالك . والخامس : قياماً على رُكَبهم ، قاله السدي ، وذلك لضيق المكان بهم . قوله تعالى : { لَنَنْزِعَنّ مِنْ كل شيعة } أي : لنأخذنّ من كل فِرقة وأُمَّة وأهل دين { أيُّهم أَشَدُّ على الرحمن عَتِيّاً } أي : أعظمهم له معصية ، والمعنى : أنه يُبدَأ بتعذيب الأعتى فالأعتى ، وبالأكابر جُرْماً ، والرؤوس القادة في الشرِّ . قال الزجاج : وفي رفع « أَيُّهم » ثلاثة أقوال . أحدها : أنه على الاستئناف ، ولم تعمل « لننزعنَّ » شيئاً ، هذا قول يونس . والثاني : أنه على معنى الذي يقال لهم : أيُّهم أشدُّ على الرحمن عِتِيّاً ؟ قاله الخليل ، واختاره الزجاج ، وقال : التأويل : لننزعنّ الذي من أجل عُتُوِّه يقال : أيُّ هؤلاء أَشَدُّ عِتِيّاً ؟ وأنشد : @ وَلَقَدْ أَبِيتُ عن الفَتَاةِ بمنزلٍ فأبيت لا حَرِج ولا محروم @@ المعنى : أبيت بمنزلة الذي يقال له : لا هو حَرِج ولا محروم . والثالث : أن « أيُّهم » مبنية على الضم ، لأنه خالفت أخواتها ، فالمعنى : أيُّهم هو أفضل . وبيان خلافها لأخواتها أنك تقول : اضرب أيُّهم أفضل ، ولا يَحْسُن : اضرب مَنْ أفْضل ، حتى تقول : من هو أفضل ، ولا يَحْسُن : كُلْ ما أطيب ، حتى تقول : ما هو أطيب ، ولا خُذْ ما أفضل ، حتى تقول : الذي هو أفضل ، فلما خالفت « ما » و « مَنْ » و « الذي » بُنيت على الضم ، قاله سيبويه . قوله تعالى : { هُمْ أَوْلى بها صِلِيّاً } يعني : أن الأَوْلى بها صِلِيّاً الذين هم أشدُّ عِتِيّاً ، فيُبْتَدَأُ بهم قبل أتباعهم . و « صِلِيّاً » : منصوب على التفسير ، يقال : صَلي النار يصلاها : إِذا دخلها وقاسى حَرَّها . قوله تعالى : { وإِنْ منكم إِلا واردها } في الكلام إِضمار تقديره : وما منكم أحد إِلا وهو واردها . وفيمن عُني بهذا الخطاب قولان . أحدهما : أنه عامّ في حق المؤمن والكافر ، هذا قول الأكثرين . وروي عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية للكفار . وأكثر الروايات عنه كالقول الأول . قال ابن الأنباري : ووجه هذا أنه لما قال : « لنُحْضِرَنَّهم » وقال : « أيُّهم أشدُّ على الرحمن عِتِيّاً » كان التقدير : وإِن منهم ، فأبدلت الكاف من الهاء ، كما فعل في قوله : { إِنّ هذا كان لكم جزاءً } [ الانسان : 22 ] المعنى : كان لهم ، لأنه مردود على قوله : { وسقاهم ربُّهم } [ الانسان : 21 ] ، وقال الشاعر : @ شَطَّـتْ مزارَ العاشقين فأصبحتْ عَسِراً عليّ طلابُكِ ابنةَ مَخْرَمِ @@ أراد : طلابها . وفي هذا الورود خمسة أقوال . أحدها : أنه الدخول . روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الورود : الدخول لا يبقى بَرّ ولا فاجر إِلا دخلها ، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إِبراهيم ، حتى إِن للنار أو قال : لجهنم ضجيجاً من بردهم " وروي عن ابن عباس أنه سأله نافع بن الأزرق عن هذه الآية ، فقال له : « أمّا أنا وأنت فسندخلها ، فانظر أيُخرجنا الله عز وجل منها ، أم لا ؟ » فاحتج بقوله تعالى { فأوردهم النار } [ هود : 98 ] وبقوله تعالى : { أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 98 ] . وكان عبد الله بن رواحة يبكي ويقول : أُنبئت أني وارد ، ولم أُنبَّأ أني صادر . وحكى الحسن البصري : أن رجلاً قال لأخيه : يا أخي هل أتاك أنك واردٌ النار ؟ قال : نعم ؛ قال : فهل أتاك أنك خارجٌ منها ؟ قال : لا ؛ قال : ففيم الضحك ؟ ! وقال خالد بن معدان : إِذا دخل أهل الجنة الجنة ، قالوا : ألم يَعِدْنا رَبُّنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : بلى ، ولكن مررتم بها وهي خامدة . وممن ذهب إِلى أنه الدخول : الحسن في رواية ، وأبو مالك . وقد اعتُرِض على أرباب هذا القول بأشياء . فقال الزجاج : العرب تقول : وردت بلد كذا ، ووردت ماء كذا : إِذا أشرفوا عليه وإِن لم يدخلوا ، ومنه قوله تعالى : { ولما ورد ماءَ مدين } [ القصص : 33 ] ، والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى : { أولئك عنها مبعَدون . لا يسمعون حسيسها } [ الأنبياء : 101 ، 102 ] ، وقال زهير : @ فَلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمَامُهُ وَضَعْنَ عِصيَّ الحاضِرِ المُتَخيِّم @@ أي : لما بلغن الماء قمن عليه . قلت : وقد أجاب بعضهم عن هذه الحجج ، فقال : أما الآية الأولى ، فإن موسى لما أقام حتى استقى الماء وسقى الغنم ، كان بلبثه ومباشرته كأنه دخل ؛ وأما الآية الأخرى : فإنها تضمنت الإِخبار عن أهل الجنة حين كونهم فيها ، وحينئذ لا يسمعون حسيسها . وقد روينا آنفاً عن خالد بن معدان أنهم يمرُّون بها ، ولا يعلمون . والثاني : أن الورود : الممرُّ عليها ، قاله عبد الله بن مسعود ، وقتادة . وقال ابن مسعود : يَرِد الناس النار ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم ، فأولُهم كلمح البرق ، ثم كالريح ، ثم كحُضْر الفرس [ ثم كالراكب في رحله ] ، ثم كشدِّ الرحل ، ثم كمشيه . والثالث : أن ورودها : حضورها ، قاله عبيد بن عمير . والرابع : أن ورود المسلمين : المرور على الجسر ، وورود المشركين : دخولها . قاله ابن زيد . والخامس : أن ورود المؤمن إِليها : ما يصيبه من الحمَّى في الدنيا ، روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال : الحمَّى حظّ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : « وإِنْ منكم إِلا واردها » فعلى هذا مَن حُمَّ من المسلمين ، فقد وردها . قوله تعالى : { كان على ربك } يعني : الورود { حتماً } والحتم : ايجاب القضاء ، والقطع بالأمر . والمقضيُّ : الذي قضاه الله تعالى ، والمعنى : إِنه حتم ذلك وقضاه على الخلق . قوله تعالى : { ثم ننجِّي الذين اتَّقَوْا } وقرأ ابن عباس ، وأبو مجلز ، وابن يعمر ، وابن أبي ليلى ، وعاصم الجحدري : « ثَمَّ » بفتح الثاء . وقرأ الكسائي ، ويعقوب : « نُنْجي » مخففة . وقرأت عائشة ، وأبو بحرية ، [ وأبو الجوزاء الربعي : « ثم يُنجي » بياء مرفوعة قبل النون خفيفة الجيم مكسورة . وقرأ أُبيّ بن كعب ] ، وأبو مجلز ، وابن السميفع ، وأبو رجاء : « ننحِّي » بحاء غير معجمة مشددة . وهذه الآية يحتج بها القائلون بدخول جميع الخلق ، لأن النجاة : تخليص الواقع في الشيء ، ويؤكِّده قوله تعالى : { ونذر الظالمين فيها } ولم يقل : ونُدخلهم ؛ وإِنما يقال : نذَر ونترك لمن قد حصل في مكانه . ومن قال : إِن الورود للكفار خاصة ، قال : معنى هذا الكلام : نخرج المتَّقين من جملة من يدخل النار . والمراد بالمتقين : الذين اتَّقَوْا الشرك ، وبالظالمين : الكفار . وقد سبق معنى قوله تعالى : { جِثِيّاً } [ مريم : 68 ] .