Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 56-64)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ولقد أريناه } يعني : فرعون { آياتِنا كُلَّها } يعني : التسع الآيات ، ولم ير كلَّ آية لله ، لأنها لا تُحصى ، { فكذَّب } أي : نسب الآيات إِلى الكذب ، وقال : هذا سِحْر { وأبى } أن يؤمن { قال أجئتَنا لتُخرجنا من أرضنا } يعني : مصر { بِسِحْرك } أي : تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها { فلنأْتينَّك بِسِحْرٍ مثلِه } أي : فلنقابلنَّ ما جئتَ به من السِّحر بمثله { فاجعل بيننا وبينكَ موعداً } أي : اضرب بيننا وبينكَ أجَلاً وميقاتاً { لا نُخْلِفُه } أي : لا نجاوزه { نحنُ ولا أنتَ مكاناً } وقيل : المعنى : اجعل بيننا وبينكَ موعداً مكاناً نتواعد لحضورنا ذلك المكان ، ولا يقع مِنَّا خلاف في حضوره . { سوىً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائي بكسر السين . وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وخلف ، ويعقوب : « سُوىً » بضمها . وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو المتوكل ، وابن أبي عبلة : « مكاناً سَواءً » بالمد والهمز والنصب والتنوين وفتح السين . وقرأ ابن مسعود مثله ، إِلا أنه كسر السين . قال أبو عبيدة : هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين ، والمعنى : مكاناً تستوي مسافته على الفريقين ، فتكون مسافة كل فريق إِليه كمسافة الفريق الآخر . { قال موعدكم يومُ الزينة } قرأ الجمهور برفع الميم . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، [ وقتادة ] ، وابن أبي عبلة ، وهبيرة عن حفص بنصب الميم . وفي هذا اليوم أربعة أقوال . أحدها : يوم عيد لهم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، والسدي عن أشياخه ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد . والثاني : يوم عاشوراء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثالث : يوم النيروز ، ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السنة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والرابع : يوم سوق لهم ، قاله سعيد بن جبير . وأما رفع اليوم ، فقال البصريون : التقدير : وقتُ موعدكم يومُ الزينة ، فناب الموعد عن الوقت ، وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إِذا ظهر . فأما نصبه ، فقال الزجاج : المعنى : موعدُكم يقع يوم الزينة ، { وأن يُحْشَر الناس } موضع « أن » رفع ، المعنى : موعدكم حشر الناس { ضحى } أي : إِذا رأيتم الناس قد حُشروا ضحى . ويجوز أن تكون « أن » في موضع خفض عطفاً على الزينة ، المعنى : موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس ضحىً . وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : « وأن تَحْشُر » بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب « الناسَ » . وعن ابن مسعود ، والنخعي : « وأن يَحشُر » بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب « الناسَ » . قال المفسرون : أراد بالناس : أهلَ مصر ، وبالضحى : ضحى اليوم ، وإِنما علَّقه بالضحى ، ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس ، فيكون أبلغَ في الحجة وأبعدَ من الريبة . { فتولَّى فرعون } فيه قولان . أحدهما : أن المعنى : تولَّى عن الحق الذي أُمِر به . والثاني : أنه انصرف إِلى منزله لاستعداد ما يلقى به موسى ، { فجمع كيده } أي : مكره وحيلته { ثم أتى } أي : حضر الموعد . { قال لهم موسى } أي : للسحرة . وقد ذكرنا عددهم في [ الأعراف : 114 ] . قوله تعالى : { ويلكم } قال الزجاج : هو منصوب على « ألزمكم الله ويلاً » ويجوز أن يكون على النداء ، كقوله تعالى : { يا ويلنا مَن بعثنا من مرقدنا } [ يس : 52 ] . قوله تعالى : { لا تفتروا على الله كذباً } قال ابن عباس : لا تشركوا معه أحداً . قوله تعالى : { فيسحتَكم } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « فيَسحَتَكم » بفتح الياء ، من « سحت » . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « فيُسحِتكم » بضم الياء ، من « أسحت » . قال الفراء : ويُسحت أكثر ، وهو الاستئصال ، والعرب تقول : سحته الله ، وأسحته ، قال الفرزدق : @ وَعَضَّ زَمانٍ يابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ مِنَ المَالِ إِلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ @@ هكذا أنشد البيت الفراء ، والزجاج . ورواه أبو عبيدة : « إِلاَّ مُسْحَتٌ أو مُجلَّفُ » بالرفع . قوله تعالى : { فتنازعوا أمرهم بينهم } يعني : السحرة تناظروا فيما بينهم في أمر موسى ، وتشاوروا { وأسرُّوا النجوى } أي : أَخْفَوْا كلامهم من فرعون وقومه . وقيل : من موسى وهارون . وقيل : « أسرُّوا » هاهنا بمعنى « أظهروا » . وفي ذلك الكلام الذي جرى بينهم ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم قالوا : إِن كان هذا ساحراً ، فإنا سنغلبه ، وإِن يكن من السماء كما زعمتم ، فله أمره ، قاله قتادة . والثاني : أنهم لما سمعوا كلام موسى قالوا : ما هذا بقول ساحر ، ولكن هذا كلام الرب الأعلى ، فعرفوا الحقَّ ، ثم نظروا إِلى فرعون وسلطانه ، وإِلى موسى وعصاه ، فنُكسوا على رؤوسهم ، وقالوا إِن هذان لساحران ، قاله الضحاك ، ومقاتل . والثالث : أنهم { قالوا إِنْ هذان لساحران … } الآيات ، قاله السدي . واختلف القراء في قوله تعالى : { إِنْ هذان لساحران } فقرأ أبو عمرو بن العلاء : « إِنَّ هذين » على إِعمال « إِنَّ » وقال : إِني لأستحيي من الله أن أقرأ « إِنْ هذان » . وقرأ ابن كثير : « إِنْ » خفيفه « هذانّ » بتشديد النون . وقرأ عاصم في رواية حفص : « إِنْ » خفيفة « هذان » خفيفة أيضاً . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « إِنّ » بالتشديد « هاذان » بألف ونون خفيفة . فأما قراءة أبي عمرو ، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة ، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى : { والمقيمين الصلاة } في سورة [ النساء : 162 ] . وأما قراءة عاصم ، فمعناها : ما هذان إِلا ساحران ، كقوله تعالى : { وإِنْ نظنُّك لمن الكاذبين } [ الشعراء : 186 ] أي : ما نظنك إِلا من الكاذبين ، وأنشدوا في ذلك : @ ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ @@ أي : ما قتلت إِلا مسلماً . قال الزجاج : ويشهد لهذه القراءة ، ما روي عن أُبيِّ ابن كعبٍ أنه قرأ « ما هذان إِلا ساحران » ، وروي عنه : « إِن هذان إِلا ساحران » ، ورويت عن الخليل « إِنْ هذان » بالتخفيف ، والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل . فأما قراءة الأكثرين بتشديد « إِنَّ » وإِثبات الألف في قوله : « هاذان » فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : هي لغة بلحارث بن كعب . وقال ابن الأنباري : هي لغة لبني الحارث بن كعب ، وافقتها لغة قريش . قال الزجاج : وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب ، وهو رأس من رؤوس الرواة : أنها لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : أتاني الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وأنشدوا : @ فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا @@ ويقول هؤلاء : ضربته بين أُذناه . وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ، المعنى : إِنه هذان لساحران . وقالوا أيضاً : إِن معنى « إِنَّ » : نعم « هذان لساحران » ، وينشدون : @ ويَقْلنَ شَيْبٌ قد عَلاَ كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ @@ قال الزجاج : والذي عندي ، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد ، وعلى إِسماعيل بن إِسحاق ابن حماد بن زيد ، فقبلاه ، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا ، وهو أن « إِنَّ » قد وقعت موقع « نعم » ، والمعنى : نعم هذان لهما الساحران ، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة . وأستحسن هذه القراءة ، لأنها مذهب أكثر القراء ، وبها يُقرأ . وأستحسن قراءة عاصم ، والخليل ، لأنهما إِمامان ، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى . ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف . وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال : « ألف » « هذان » هي ألف « هذا » والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية ، كما فرقت نون « الذين » بين الواحد والجمع . قوله تعالى : { ويذهبا بطريقتكم } وقرأ أبان عن عاصم : « ويُذهِبا » بضم الياء وكسر الهاء . وقرأ ابن مسعود ، وأُبَيُّ بن كعب ، وعبد الله بن عمرو ، وأبو رجاء العطاردي : « ويذهبا بالطريقة » بألف ولام ، مع حذف الكاف والميم . وفي الطريقة قولان . أحدهما : بدينكم المستقيم ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال أبو عبيدة : بسُنَّتِكم ودِينِكم وما أنتم عليه ، يقال : فلان حسن الطريقة . والثاني : بأمثلكم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال مجاهد : بأُولي العقل ، والأشراف ، والأسنان . وقال الشعبي : يصرفان وجوه الناس إِليهما . قال الفراء : الطريقة : الرجال الأشراف ، تقول العرب للقوم الأشراف : هؤلاء طريقة قومهم ، وطرائق قومهم . فأما « المثلى » فقال أبو عبيدة : هي تأنيث الأمثل . تقول في الإِناث : خذ المثلى منهما ، وفي الذكور : خذ الأمثل . وقال الزجاج : ومعنى المثلى والأمثل : ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال : هذا أمثل قومه ؛ قال : والذي عندي أن في الكلام محذوفاً ، والمعنى : يذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، وقول العرب : هذا طريقة قومه ، أي : صاحب طريقتهم . قوله تعالى : { فأجمعوا كيدكم } قرأ الأكثرون : « فأجمِعوا » بقطع الألف من « أجمعت » . والمعنى : ليكن عزمكم مجمعاً عليه ، لا تختلفوا فيختلَّ أمرُكم . قال الفراء : والإِجماع : الإِحكام والعزيمة على الشيء ، تقول : أجمعت على الخروج ، وأجمعت الخروج ، تريد : أزمعت ، قال الشاعر : @ يا لَيْتَ شِعْرِي والمُنَى لا تَنْفَعُ هَلْ أغْدُونَ يَوْماً وأمْرِي مُجْمَع @@ يريد : قد أُحكم وعُزم عليه . وقرأ أبو عمرو : « فاجمَعوا » بفتح الميم من « جمعت » ، يريد : لا تَدَعوا من كيدكم شيئاً إِلا جئتم به . فأما كيدهم ، فالمراد به : سحرهم ومكرهم . قوله تعالى : { ثم ائتُوا صَفَّاً } أي : مُصْطَفِّين مجتمعين ، ليكون أنظم لأموركم ، وأشدَّ لهيبتكم . قال أبو عبيدة : « صفاً » أي : صفوفاً . وقال ابن قتيبة : « صفاً » بمعنى : جمعاً . قال الحسن : كانوا خمسة وعشرين صفاً ، كلُّ ألف ساحر صفٌّ . قوله تعالى : { وقد أفلح اليوم من استعلى } قال ابن عباس : فاز من غلب .