Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 59-63)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فلما رجعوا من عيدهم ونظروا إِلى آلهتهم { قالوا مَنْ فعل هذا بآلهتنا إِنه لمن الظالمين } أي : قد فعل ما لم يكن له فِعْلُه ، فقال الذي سمع إِبراهيم يقول : « لأكيدن أصنامكم » : { سمعنا فتى يَذْكرهم } قال الفراء : أي : يَعيبهم ؛ نقول للرجل : لئن ذكرتَني لتندمنَّ ، تريد : بسوء . قوله تعالى : { فَأْتُوْا به على أعيُن الناس } أي : بمرأىً منهم ، لا تأتُوا به خفْيةً . قال أبو عبيدة : تقول العرب إِذا أُظهر الأمر وشُهر : كان ذلك على أعين الناس . قوله تعالى : { لعلهم يَشهدون } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : يشهدون أنه قال لآلهتنا ما قال ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة . والثاني : يشهدون أنه فعل ذلك ، قاله السدي . والثالث : يشهدون عقابه وما يُصنَع به ، قاله محمد بن إِسحاق . قال المفسرون : فانطلَقوا به إِلى نمرود ، فقال له : { أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إِبراهيم ؟ قال بل فعله كبيرهم هذا } غضب أن تُعبَد معه الصغار ، فكسرها ، { فاسألوهم إِن كانوا يَنْطِقون } من فَعَلَه بهم ؟ ! وهذا إِلزام للحُجَّة عليهم بأنهم جماد لا يقدرون على النُّطق . واختلف العلماء في وجه هذا القول من إِبراهيم عليه السلام على قولين . أحدهما : أنه وإِن كان في صورة الكذب ، إِلا أن المراد به التنبيه على أن من لا قدرة له ، لا يصلح أن يكون إِلهاً ، ومثله قول الملَكين لداود : { إِنَّ هذا أخي } [ ص : 23 ] ولم يكن أخاه { له تسع وتسعون نعجة } [ ص : 23 ] ، ولم يكن له شيء ، فجرى هذا مجرى التنبيه لداود على ما فعل ، وأنه هو المراد بالفعل والمَثَل المضروب ؛ ومِثْل هذا لا تسمِّيه العرب كذباً . والثاني : أنه من معاريض الكلام ؛ فروي عن الكسائي أنه [ كان ] يقف عند قوله تعالى : { بل فعله } ويقول معناه : فعله مَنْ فعله ، ثم يبتدىء { كبيرهم هذا } . قال الفراء : وقرأ بعضهم : « بل فعلّه » بتشديد اللام ، يريد : فلعلَّه كبيرهم هذا . وقال ابن قتيبة : هذا من المعاريض ، ومعناه : إِن كانوا ينطقون ، فقد فعله كبيرهم ، وكذلك قوله : { إِني سقيم } [ الصافات : 89 ] أي : سأسقم ، ومثله { إِنكَ ميِّت } [ الزمر : 30 ] أي : ستموت ، وقوله : { لا تؤاخذني بما نسيتُ } [ الكهف : 74 ] قال ابن عباس : لم ينس ، ولكنه من معاريض الكلام ، والمعنى : لا تؤاخذني بنسياني ، ومن هذا قصة الخصمين { إِذ تسوروا المحراب } [ ص : 21 ] ، ومثله { وإِنّا أو إِيّاكم لعلى هُدىً } [ سبأ : 24 ] ، والعرب تستعمل التعريض في كلامها كثيراً ، فتبلغ إِرادتها بوجهٍ هو ألطف من الكشف وأحسن من التصريح . وروي أن قوماً من الأعراب خرجوا يمتارون ، فلما صدروا ، خالف رجل في بعض الليل إِلى عكْم صاحبه ، فأخذ منه بُرّاً وجعله في عِكْمه ، فلما أراد الرحلة وقاما يتعاكمان ، رأى عِكْمه يشول ، وعِكْم صاحبه يثقل ، فأنشأ يقول : @ عِكْم تغشَّى بعضَ أعكام القوم لَمْ أَرَ عِكْماً سَارقاً قبل اليوم @@ فخوَّن صاحبه بوجهٍ هو ألطف من التصريح . قال ابن الأنباري : كلام إِبراهيم كان صدقاً عند البحث ، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كذب إِبراهيم ثلاث كذبات " قال قولاً يشبه الكذب في الظاهر ، وليس بكذب . قال المصنف : وقد ذهب جماعة من العلماء إِلى هذا الوجه ، وأنه من المعاريض ، والمعاريض لا تُذم ، خصوصاً إِذا احتيج إِليها ، روى عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما يسرُّني أنّ لي بما أعلم من معاريض القول مِثْل أهلي ومالي ، وقال النخعي : لهم كلام يتكلَّمون به إِذا خشوا من شيء يدرؤون به عن أنفسهم . وقال ابن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعجوز : " إِن الجنَّة لا تدخلها العجائز " ، أراد قوله تعالى : { إِنّا أنشأناهُنَّ إِنشاءً } [ الواقعة : 35 ] ، " وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يمازح بلالاً ، فيقول : « ما أُخت خالك منك » ؟ ، وقال لامرأة : « مَنْ زوجُك » ؟ فسمَّته له ، فقال : « الذي في عينيه بياض » ؟ ، وقال لرجل : « إِنا حاملوك على ولد ناقة » ، وقال له العباس : ما ترجو لأبي طالب ؟ فقال : « كل خير أرجوه من ربِّي » " ، وكان أبو بكر حين خرج من الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا سأله أحد : مَنْ هذا بين يديك ؟ يقول : هادٍ يهديني . وكانت امرأة ابن رواحة قد رأته مع جارية له ، فقالت له : وعلى فراشي أيضا ؟ ! فجحد ، فقالت له : فاقرأ القرآن ، فقال : @ وفينا رَسُولُ الله يَتْلُو كتابَه إِذا انشقَّ مشهورٌ مِنَ الصُّبْح طالِع يَبِيتُ يُجَافي جنْبَهُ عن فِراشه إِذا استثقلتْ بالكافرين المَضاجعُ @@ فقالت : آمنتُ بالله ، وكذبت بصري ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فضحك وأعجبه ما صنع . وعرض شريح ناقة ليبيعها فقال له المشتري : كيف لبنها ؟ قال : احلبْ في أيِّ إِناءٍ شئتَ ، قال : كيف الوِطاء ؟ قال افرش ونم ، قال : كيف نجاؤها ؟ قال : إِذا رأيتَها في الإِبل عرفتَ مكانها ، علِّق سوطكَ وسِرْ ، قال : كيف قُوَّنها ؟ قال : احمل على الحائط ما شئتَ ؛ [ فاستصراها ] فلم يَرَ شيئاً مما وصف ، فرجع إِليه ، فقال : لم أرَ فيها شيئاً مما وصفتَها به ، قال : ما كذبتك ، قال : أَقِلْني ، قال : نعم . وخرج شريح من عند زياد وهو مريض ، فقيل له : كيف وجدت الأمير ؟ قال : تركتُه يأمر ويَنهى ، فقيل له : ما معنى يأمر وينهى ؟ قال : يأمر بالوصية ، وينهى عن النَّوح . وأخذ محمد بن يوسف حجراً المدري فقال : العن علياً ، فقال : إِن الأمير أمرني أن ألعن علياً محمد بن يوسف ، فالعنوه ، لعنه الله . وأمر بعض الأمراء صعصعة بن صوحان بلعن عليّ ، فقال : لعن اللهُ من لعن اللهُ ولعن عليٌّ ، ثم قال : إِن [ هذا ] الأمير قد أبى إِلا أن ألعن علياً ، فالعنوه ، لعنه الله . وامتحنت الخوارج رجلاً من الشيعة ، فجعل يقول : أنا مِنْ عليّ ومِنْ عثمان بريء . وخطب رجل امرأةً وتحته أخرى ، فقالوا : لا نزوِّجك حتى تطلِّق امرأتك ، فقال : اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً ، فزوَّجوه ، فأقام مع المرأة الأولى ، فادَّعوا أنه قد طلّق ، فقال : أما تعلمون أنه كان تحتي فلانة فطلَّقتُها ، ثم فلانة فطلَّقتُها ، ثم فلانة فطلَّقتُها ؟ قالوا : بلى ، قال : فقد طلَّقتُ ثلاثاً . وحكي أن رجلاً عثر به الطائف ليلة ، فقال له : من أنت ؟ فقال : @ أنا ابنُ الذي لا يُنْزَل الدهرَ قِدرُه وإِن نزلتْ يوماً فسَوف تعود ترى الناسَ أفواجاً إِلى ضوءِ ناره فمنهم قيام حولها وقعود @@ فظنَّ الطائف أنه ابن بعض الأشراف بالبصرة ، فلما أصبح سأل عنه ، فإذا هو ابن باقلائي . ومثل هذا كثير .