Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 68-70)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { والذين لا يَدْعُون مع الله إِلهاً آخر } في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها : ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود ، " قال : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الذَّنْب أعظم ؟ قال : « أن تَجْعَلَ لله نِدّاً وهو خَلَقَكَ » ، قلتُ : ثم أيّ ؟ قال : « أن تَقْتُلَ وَلَدَكَ مخافة أن يَطْعَمَ معك » ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : « أن تُزانيَ حليلة جارك » " ، فأنزل الله تعالى تصديقها { والذين لا يَدْعُون مع الله إِلهاً آخر … } الآية . والثاني : أن ناساً من أهل الشرك قَتلوا فأكثروا وزنَوا فأكثروا ، ثم أتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إِن الذي تقولُ وتدعو إِليه لَحَسَنٌ ، لو تُخبرنا أن لِمَا عَمِلنا كفارة ، فنزلت هذه الآية ، إِلى قوله : { غفوراً رحيماً } ، أخرجه مسلم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثالث : " أن وحشيّاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أتيتك مستجيراً فأجِرني حتَى أسمع كلام الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت أُحِبُّ أن أراك على غير جوار ، فأما إِذا أتيتَني مستجيراً فأنت في جواري حتى تَسمع كلام الله ، قال : فإنِّي أشركت بالله وقتلتُ النَّفْس التي حرَّم الله وزنيتُ ، فهل يقبل الله مني توبة ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية ، فتلاها عليه ، فقال : أرى شرطاً ، فلعلِّي لا أعمل صالحاً ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت { إن الله لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ به ويَغْفِرُ ما دون ذلك لمن شاء } [ النساء : 48 ] ، فدعاه فتلاها عليه ، فقال : ولعلِّي ممن لا يشاء [ الله ] ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت { يا عباديَ الذين أَسْرَفوا على أنفُسهم لا تَقْنَطوا من رحمة الله … } الآية [ الزُّمَر : 53 ] ، فقال : نعم ، الآن لا أرى شرطاً ، فأسلم " ، رواه عطاء عن ابن عباس ؛ وهذا وحشيّ هو قاتل حمزة ؛ وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر ، وهو بعيد الصحّة ، والمحفوظ في إِسلامه غير هذا ، وأنه قَدِم مع رسل الطائف فأسلم من غير اشتراط . وقوله { يَدْعُون } معناه : يَعْبُدون . وقد سبق بيان قتل النفس بالحق في [ الأنعام : 151 ] . قوله تعالى : { يَلْقَ أثَاماً } وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو المتوكل : { يُلَقَّ } برفع الياء وفتح اللام وتشديد القاف مفتوحة . قال ابن عباس : يَلْقَ جزاءً . وقال مجاهد ، وعكرمة : وهو وادٍ في جهنم . وقال ابن قتيبة : يَلْقَ عقوبة ، وأنشد : @ [ جَزَى اللّهُ ابنَ عُرْوَةَ حيْثُ أمْسَى عُقُوقاً ] والعُقُوق لَهُ أثام @@ قال الزجاج : وقوله : { يَلْقَ أثاماً } جزماً على الجزاء . قال أبو عمرو الشيباني : يقال : قد لقيَ أثام ذلك ، أي : جزاء ذلك ، وسيبويه والخليل يذهبان إِلى أن معناه : يلقى جزاء الأثام ، قال سيبويه : وإِنما جزم { يُضَاعَفْ له العذابُ } لأن مضاعفة العذاب لُقِيُّ الآثام ، فلذلك جزمت ، كما قال الشاعر : @ مَتَى تَأتِنَا تُلْمِمْ بنا في دِيارِنا تَجِدْ حَطَباً جزْلاً وناراً تَأجَّجَا @@ لأن الإِتيان هو الإِلمام ، فجزم « تُلْمِمْ » لانه بمعنى « تأتي . وقرأ الحسن : { يُضَعَّفْ } ، وهو جيِّد بالغ ؛ تقول : ضاعفتُ الشيءَ وضَعَّفْتُه . وقرأ عاصم : { يُضَاعَفُ } بالرفع على تفسير { يَلْقَ أثاماً } كأنّ قائلاً قال : ما لُقيُّ الأثام ؟ فقيل : يُضاعَف للآثم العذاب . وقرأ أبو المتوكل ، وقتادة ، وأبو حيوة : { يُضْعَف } برفع الياء وسكون الضاد وفتح العين خفيفة من غير ألف . وقرأ أبو حصين الأسدي ، والعمري عن أبي جعفر مثله ، إِلا أن العين مكسورة ، و { العذابَ } بالنصب . قوله تعالى : { ويَخْلُدْ } وقرأ أبو حيوة ، وقتادة ، والأعمش : { ويُخْلَد } برفع الياء وسكون الخاء وفتح اللام مخففة . وقرأ عاصم الجحدري ، وابن يعمر ، وأبو المتوكل مثله ، إِلا أنهم شدَّدوا اللام . فصل ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية قولان . أحدهما : أنها منسوخة ، وفي ناسخها ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قوله تعالى : { ومن يَقْتُلْ مؤمِناً متعمِّداً فجزاؤه جهنَّمُ } [ النساء93 ] ، قاله ابن عباس . وكان يقول : هذه مكية ، والتي في « النساء » مدنية . والثاني : أنها نسخت بقوله : { إِن الله لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك … } الآية [ النساء : 48 ] . والثالث : أن الأولى نُسخت بالثانية ، وهي قوله : { إِلا من تاب } . والقول الثاني : أنها محكمة ؛ والخلود إِنما كان لانضمام الشرك إِلى القتل والزنا . وفساد القول الأول ظاهر ، لأن القتل لا يوجب تخليداً عند الأكثرين ؛ وقد بيَّنَّاه في سورة [ النساء : 93 ] ، والشِّرك لا يُغْفَر إِذا مات المشرك عليه ، والاستثناء ليس بنسخ . قوله تعالى : { إِلا من تاب } قال ابن عباس : قرأنا على عهد رسول الله سنتين : { والذين لا يَدْعُون مع الله إِلهاً آخر } ثم نزلت { إِلا من تاب } فما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها ، وبـ { إِنّا فتحنا لكَ فتحاً مبيناً } [ الفتح1 ] . قوله تعالى : { فأولئك يُبَدِلُ الله سيِّئاتهم حسنات } اختلفوا في كيفية هذا التبديل وفي زمان كونه ، فقال ابن عباس : يبدِّل الله شركهم إِيماناً ، وقتلهم إِمساكاً ، وزناهم إِحصاناً ؛ وهذا يدل : على أنه يكون في الدنيا ، وممن ذهب إلى هذا المعنى سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد . والثاني : أن هذا يكون في الآخرة ، قاله سلمان رضي الله عنه ، وسعيد بن المسيّب ، وعليّ بن الحسين . وقال عمرو بن ميمون : يبدِّل الله سيئات المؤمن إِذا غفرها له حسنات ، حتى إِن العبد يتمنَّى أن تكون سيئاته أكثر مما هي . وعن الحسن كالقولين . وروي عن الحسن أنه قال : وَدَّ قومٌ يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا استكثروا من الذُّنوب ؛ فقيل : من هم ؟ قال : هم الذين قال الله تعالى فيهم : { فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } ، ويؤكِّد هذا القولَ حديثُ أبي ذرّ عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل يوم القيامة ، فيقال : اعرضوا عليه صِغار ذنوبه ، فتُعْرَض عليه صِغار ذنوبه وتنحّى عنه كبارها ، فيقال : عملتَ يوم كذا ، كذا وكذا ، وهو مُقِرّ لا يُنْكِر ، وهو مُشْفِق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة " أخرجه مسلم في « صحيحه » .