Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 20-29)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ومِنْ آياته } أي : من دلائل قدرته { أنْ خلقكم من تراب } يعني آدم ، لأنه أصل البشر { ثُمَّ إِذا أنتم بَشرٌ } من لحم ودم ، يعني ذريته { تَنْتَشِرون } أي : تنبسطون في الأرض . قوله تعالى : { أنْ خَلَق لكم من أنفُسكم أزواجاً } فيه قولان . أحدهما : أنه يعني بذلك آدم ، خلق حوَّاء من ضِلعه ، وهو معنى قول قتادة . والثاني : أن المعنى : جعل لكم آدميَّات مثلكم ، ولم يجعلهنَّ من غير جنسكم ، قاله الكلبي . قوله تعالى : { لتسكنُوا إِليها } أي : لتأووا إِلى الأزواج { وجعل بينكم مودَّةً ورحمة } وذلك أن الزوجين يتوادَّان ويتراحمان من غير رَحِم بينهما { إِنَّ في ذلك } الذي ذكره من صنعه { لآياتٍ لقوم يتفكَّرون } في قدرة الله وعظَمته . قوله تعالى : { واختلافُ ألسنتكم } يعني اللغات من العربية والعجمية وغير ذلك { وألوانِكم } لأنَّ الخلق بين أسود وأبيض وأحمر ، وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة . وقيل : المراد باختلاف الألسنة اختلاف النَّغَمات والأصوات ، حتى إِنه لا يشتبه صوت أخوين من أب وأم والمراد باختلاف الألوان : اختلاف الصُّوَر ، فلا تشتبه صورتان مع التشاكل { إِنَّ في ذلك لآيات للعالِمِين } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، [ والكسائي ] ، وأبو بكر عن عاصم : { للعالَمِين } بفتح اللام . وقرأ حفص عن عاصم : { للعالِمِين } بكسر اللام . قوله تعالى : { ومن آياته منامُكم بالليل والنهار } أي : نومكم . قال أبو عبيدة : المنام من مصادر النَّوم ، بمنزلة قام يقوم قِياماً ومَقاماً ، وقال يقول مَقالاً ، قال المفسرون : وتقدير الآية : منامكم بالليل { وابتغاؤكم من فضله } وهو طلب الرزق بالنهار { إِنَّ في ذلك لآيات لقوم يسمعون } سماع اعتبار [ وتذكُّر ] وتدبُّر . { ومن آياته يُريكم البرق } قال اللغويون : إِنَّما حذف « أنْ » لدلالة الكلام عليه ، وأنشدوا : @ [ وما الدَّهْرُ إِلاَّ تارتان فتارةً أموتُ وأُخرى أبتغي العَيْش أكدحُ @@ ومعناه : فتارة أموت فيها ] ، وقال طرفة : @ ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى [ وأن أَشهد اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدي ] @@ أراد : أن أحضر . وقد شرحنا معنى الخوف والطمع في رؤية البَرْق في سورة [ الرعد : 12 ] . قوله تعالى : { أن تقوم السماء والأرض } أي : تدوما قائمتين { بأمره } { ثم إِذا دعاكم دعوةً } وهي نفحة إِسرافيل الأخيرة في الصُّور بأمر الله عز وجل { من الأرض } أي : من قبوركم { إِذا أنتم تخرُجون } منها . وما بعد هذا قد سبق بيانه [ البقرة : 116 ، العنكبوت : 19 ] إِلى قوله : { وهو أهونُ عليه } وفيه أربعة أقوال . أحدها : أن الإِعادة أهون عليه من البداية ، وكُلُّ هيِّنٌ عليه ، قاله مجاهد ، وأبو العالية . والثاني : أن « أهون » بمعنى « هيِّن » ، فالمعنى : وهو هيِّن عليه ، وقد يوضع « أفعل » في موضع « فاعل » ، ومثله قولهم في الأذان : الله أكبر ، أي : الله كبير ، قال الفرزدق : @ إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لَنا بَيْتاً دعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ @@ وقال معن بن أوس المزني : @ لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وإِنِّي لأَوْجَلُ على أيِّنا تَغْدُوا المَنِيَّةُ أَوَّلُ @@ أي : وإِنِّي لَوَجِل ، وقال غيره : @ أصبحتُ أمنحُك الصُّدودَ وإِنَّني قسماً إِليك مع الصُّدود لأَمْيَلُ @@ وأنشدوا أيضاً : @ تَمَنَّى رِجالٌ أنْ أموتَ وإِنْ أمُتْ فَتِلكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيها بأَوْحَدِ @@ أي : بواحد ، هذا قول أبي عبيدة ، وهو مروي عن الحسن ، وقتادة . و [ قد ] قرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو عمران الجوني ، وجعفر بن محمد : { وهو هَيِّن عليه } . والثالث : أنه خاطب العباد بما يعقلون ، فأعلمهم أنه يجب أن يكون عندهم البعث أسهل من الابتداء في تقديرهم وحُكمهم ، فمن قَدَرَ على الإِنشاء كان البعثُ أهونَ عليه ، هذا اختيار الفراء ، والمبرد ، والزجاج ، وهو قول مقاتل . وعلى هذه الأقوال الثلاثة تكون الهاء في « عليه » عائدة إِلى الله تعالى . والرابع : أن الهاء تعود على المخلوق ، لأنه خلَقه نطفة ثم علقة ثم مضغة ، ويوم القيامة يقول له كن فيكون ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو اختيار قطرب . قوله تعالى : { وله المَثَلُ الأعلى } قال المفسرون : أي : له الصِّفة العُليا { في السماوات والأرض } وهي أنَّه لا إِله غيره . قوله تعالى : { ضَرَبَ لكم مَثَلاً } سبب نزولها أن أهل الجاهلية كانوا يلبُّون فيقولون : لبيك لا شريك لك إِلا شريكاً هو لك تملكُه وما ملك ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير ، ومقاتل . ومعنى الآية : بيَّن لكم أيها المشركون شَبَهاً ، وذلك الشَّبه { من أنفُسكم } ، ثم بيَّنه فقال : { هل لكم ممَّا ملكت أيمانُكم } أي : من عبيدكم { من شركاءَ فيما رزقناكم } من المال والأهل والعبيد ، أي : هل يشارككم عبيدكم في أموالكم { فأنتم فيه سواءٌ } أي : أنتم وشركاؤكم من عبيدكم سواءٌ { تخافونهم كخِيفتكم أنفُسكم } أي : كما تخافون أمثالكم من الأحرار ، وأقرباءكم كالآباء والأبناء ؟ قال ابن عباس : تخافونهم أن يَرِثوكم كما يَرِث بعضكم بعضاً ؟ وقال غيره : تخافونهم أن يقاسموكم أموالكم كما يفعل الشركاء ؟ والمعنى : هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويَه في التصرُّف في ذلك ، فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه كما يخاف غيرَه من الشركاء الأحرار ؟ ! فاذا لم ترضَواْ ذلك لأنفسكم ، فلم عَدَلتم بي من خَلْقي مَنْ هو مملوك لي ؟ ! { كذلك } أي : كما بيَّنَّا هذا المَثَل { نفصِّل الآيات لقوم يَعْقِلون } عن الله . ثم بيَّن أنَّهم إِنَّما اتَّبعوا الهوى في إِشراكهم ، فقال : { بل اتَّبع الذين ظلموا } أي : أشركوا بالله { أهواءهم بغير عِلْم فمن يَهدي مَن أضلَّ اللّهُ } وهذا يدل على أنهم إِنما أشركوا باضلال الله إِيَّاهم { وما لهم من ناصرين } أي : مانعين من عذاب الله .