Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 30-38)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فأقم وجهك } قال مقاتل : أخلص دينك الإِسلام { للدِّين } أي : للتوحيد . وقال أبو سليمان الدمشقي : استقم بدينك نحو الجهة التي وجَّهك الله إِليها . وقال غيره : سدِّد عملك ، والوجه : ما يُتَوجَّه إِليه ، وعمل الإِنسان ودينه : ما يتوجَّه إِليه لتسديده وإِقامته . قوله تعالى : { حنيفاً } قال الزجاج : { الحنيف } : الذي يميل إِلى الشيء ولا يرجع عنه ، كالحَنَف في الرِّجل ، وهو ميلها إِلى خارجها خِلْقة ، لا يقدر الأحنف أن يردَّ حَنَفه وقوله : { فطرةَ الله } منصوب ، بمعنى : اتَّبِع فطرةَ الله ، لأن معنى { فأقم وجهك } : اتَّبِع الدِّين القيِّم ، واتَّبع فطرة الله ، أي : دين الله . والفطرة : الخِلْقة التي خَلَق اللّهُ عليها البشر . وكذلك قوله عليه السلام : " كل مولود يولد على الفطرة " ، أي : على الإِيمان بالله . وقال مجاهد في قوله : { فطرة الله التي فطر الناسَ عليها } قال : الإِسلام ، وكذلك قال قتادة . والذي أشار إِليه الزجاج أصح ، وإِليه ذهب ابن قتيبة ، فقال : فرقُ ما بيننا وبين أهل القَدَر في هذا الحديث ، أن الفطرة عندهم : الإِسلام ، والفطرة عندنا : الإِقرار بالله والمعرفة به ، لا الإِسلام ، ومعنى الفطرة : ابتداء الخِلقة ، والكل أقرُّوا حين قوله : { ألستُ بربِّكم قالوا بلى } [ الأعراف : 172 ] ولستَ واجداً أحداً إِلا وهو مُقِرّ بأنَّ له صانعاً ومدبِّراً وإِن عبد شيئاً دونه وسمَّاه بغير اسمه ؛ فمعنى الحديث : إِن كل مولود في العالَم على ذلك العهد وذلك الإِقرار الأول ، وهو الفطرة ، ثم يهوِّد اليهودُ أبناءهم ، أي يعلِّمونهم ذلك ، وليس الإِقرار الأول ممَّا يقع به حُكم ولا ثواب ؛ وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم ، واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على أنه لا يرث المسلُم الكافرَ ، ولا الكافرُ المسلمَ ، ثم أجمعوا على أن اليهوديَّ إِذا مات له ولد صغير ورثه ، وكذلك النصراني والمجوسي ، ولو كان معنى الفطرة الإِسلام ، ما ورثه إِلا المسلمون ، ولا دفن إِلا معهم ؛ وإِنما أراد بقوله عليه السلام : " كل مولود يولد على الفطرة " أي : على تلك البداية التي أقرُّوا له فيها بالوحدانية حين أخذهم مِن صُلْب آدم ، فمنهم من جحد ذلك بعد إِقراره . ومثل هذا الحديث حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : إِني خَلقتُ عبادي حنفاء " ، وذلك أنه لم يدعُهم يوم الميثاق إِلاَّ إِلى حرف واحد ، فأجابوه . قوله تعالى : { لا تبديل لَخِلْق الله } لفظه لفظ النفي ، ومعناه النهي ؛ والتقدير : لا تبدِّلوا خَلْق الله . وفيه قولان . أحدهما : أنه خِصاء البهائم ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه . والثاني : دين الله ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والنخعي في آخرين . وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين . قوله تعالى : { ذلك الدِّينُ القيِّم } يعني التوحيد المستقيم { ولكنَّ أكثر الناس } يعني كفار مكة { لا يَعْلَمون } توحيد الله . قوله تعالى : { مُنِيبِين إِليه } قال الزجاج : زعم جميع النحويين أن معنى هذا : فأقيموا وجوهكم منيبين ، لأن مخاطَبة النبي صلى الله عليه وسلم تدخل معه فيها الأُمَّة ومعنى { منيبين } : راجعين إِليه في كل ما أمر ، فلا يخرجون عن شيء من أمره . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [ البقرة : 3 ، الأنعام : 159 ] إِلى قوله : { وإِذا مَسَّ الناسَ ضُرٌّ دَعَواْ ربَّهم مُنِيبِين إِليه ثم إِذا أذاقهم منه رحمةً } وفيه قولان . أحدهما : أنه القحط ، والرحمة : المطر . والثاني : أنه البلاء ، والرحمة : العافية ، { إِذا فريق منهم } وهم المشركون . والمعنى : إِن الكل يلتجؤون إِليه في شدائدهم ، ولا يلتفت المشركون حينئذ إِلى أوثانهم . قوله تعالى : { لِيَكفُروا بما آتيناهم } قد شرحناه في آخر [ العنكبوت : 67 ] ، وقوله تعالى : { فتَمتَّعوا } خطاب لهم بعد الإِخبار عنهم . قوله تعالى : { أم أنزَلْنا عليهم } أي : على هؤلاء المشركين { سُلطاناً } أي : حُجَّة وكتاباً من السماء { فهو يتكلَّم بما كانوا به يُشْرِكون } أي : يأمرهم بالشِّرك ؟ ! وهذا استفهام إِنكار ، معناه : ليس الأمر كذلك . قوله تعالى : { وإِذا أذقنا الناس } قال مقاتل : يعني كفار مكة { رحمةً } وهي المطر . والسيِّئة : الجوع والقحط . وقال ابن قتيبة : الرحمة : النعمة ، والسيِّئة المصيبة . قال المفسرون : وهذا الفرح المذكور هاهنا ، هو فرح البطر ، الذي لا شُكر فيه ، والقنوط : اليأس من فضل الله ، وهو خلاف وصف المؤمن ، فانه يشكر عند النعمة ، ويرجو عند الشدة ؛ وقد شرحناه في بني [ إِسرائيل : 26 ] إِلى قوله : { ذلك } يعني إِعطاء الحق { خير } أي : أفضل من الإِمساك { للذين يريدون وجه الله } أي : يطلُبون بأعمالهم ثواب الله .