Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 13-17)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وإِذ قالت طائفة منهم } يعني من المنافقين . وفي القائلين لهذا منهم قولان . أحدهما : عبد الله بن أُبيّ وأصحابه ، قاله السدي . والثاني : بنو سالم من المنافقين ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { يا أهل يثرب } قال أبو عبيدة : يَثْرِب : اسم أرض ، ومدينةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ناحية منها . قوله تعالى : { لا مَقَامَ لكم } وقرأ حفص عن عاصم { لا مُقَامَ } بضم الميم . قال الزجاج : من ضمَّ الميم ، فالمعنى : لا إِقامة لكم ؛ ومن فتحها ، فالمعنى : لا مكان لكم تُقيمون فيه . وهؤلاء كانوا يثبِّطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { فارجِعوا } أي : إِلى المدينة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين حتى عسكروا بـ « سَلْعِ » ، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم ، فقال المنافقون للناس : ليس لكم هاهنا مُقام ، لكثرة العدوِّ ، وهذا قول الجمهور . وحكى الماوردي قولَين [ آخرَين ] . أحدهما : لا مُقام لكم على دين محمد فارجِعوا إِلى دين مشركي العرب ، قاله الحسن . والثاني : لا مُقام لكم على القتال ، فارجعوا إِلى طلب الأمان ، قاله الكلبي . قوله تعالى : { ويستأذنُ فريقٌ منهم النَّبيَّ } فيه قولان . أحدهما : أنهم بنو حارثة ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد : بنو حارثة ابن الحارث بن الخزرج . وقال السدي : إِنما استأذنه رجلان من بني حارثة . والثاني : بنو حارثة ، وبنو سلمة بن جشم ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { إِنَّ بيوتنا عَوْرة } قال ابن قتيبة : أي : خاليةٌ ، فقد أمْكَن من أراد دخولَها ، وأصل العَوْرة : ما ذهب عنه السِّتر والحِفظ ، فكأنَّ الرجال سِترٌ وحفظٌ للبيوت ، فاذا ذهبوا أعْوَرت البيوتُ ، تقول العرب : أَعْوَرَ منزلي : إِذا ذهب سِتْرُه ، أو سقط جداره ، وأعْوَرَ الفارسُ : إِذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن ، يقول الله : { وما هي بِعَوْرة } لأنَّ الله يحفظها ، ولكن يريدون الفرار . وقال الحسن ، ومجاهد : قالوا : بيوتنا ضائعة نخشى عليها السُّرَّاق . وقال قتادة : قالوا : بيوتنا ممَّا يلي العدوّ ، ولا نأمنَ على أهلنا ، فكذَّبهم الله وأعلَم أنَّ قصدهم الفرار . قوله تعالى : { ولو دُخِلَتْ عليهم من أقطارها } يعني المدينة ؛ والأقطار : النواحي والجوانب ، واحدها : قُطْر ، { ثم سُئلوا الفتنة } وقرأ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، والضحاك ، والزهري ، وأبو عمران ، وأبو جعفر ، وشيبة : { ثم سُيِلوا } برفع السين وكسر الياء من غير همز . وقرأ أُبيُّ بن كعب ، ومجاهد ، وأبو الجوزاء : { ثم سوءِلوا } برفع السين ومدِّ الواو بهمزة مكسورة بعدها . وقرأ الحسن ، وأبو الأشهب : { ثم سُوْلوا } برفع السين وسكون الواو من غير مدٍّ ولا همز . وقرأ الأعمش ، وعاصم الجحدري : { ثم سِيْلوا } بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو . ومعنى : { سُئلوا الفتنة } ، أي : سُئلوا فعلها ؛ [ والفتنة : الشِّرك ، { لآتَوْها } ] قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : { لأَتَوَهْا } بالقصر ، أي : لقصدوها ، ولفعلوها . وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : { لآتَوْها } بالمد ، أي لأعطَوها . قال ابن عباس في معنى الآية : لو ان الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشِّرك لأشركوا . قوله تعالى : { وما تَلَبَّثوا بها إِلاَّ يسيراً } فيه قولان . أحدهما : وما احتَبَسوا عن الإِجابة إِلى الكفر إِلا قليلاً ، قاله قتادة . والثاني : وما تلبَّثوا بالمدينة بعد الإِجابة إِلاَّ يسيراً حتى يعذَّبوا ، قاله السدي ، وحكى أبو سليمان الدمشقي في الآية قولاً عجيباً ، وهو أن الفتنة هاهنا : الحرب ، والمعنى : ولو دُخلت المدينةُ على أهلها من أقطارها ، ثم سُئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادِرين ، وما تلبْثوا يعني الجيوش الداخلة عليهم بها - إِلاَّ قليلاً حتى يُخرجوهم منها ؛ وإِنَّما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشكِّ في دينك ؛ قال : وهذا المعنى حَفِظتُه من كتاب الواقدي . قوله تعالى : { ولقد كانوا عاهَدوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ } في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر ، فلمَّا علموا ما اعطى اللّهُ أهل بدر من الكرامة قالوا : لئن شهدنا قتالاً لنقاتِلَنّ ، قاله قتادة . والثاني : أنهم أهل العقبة ، وهم سبعون رجلاً بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ونُصرة رسوله ، قاله مقاتل . والثالث : أنه لمَّا نزل بالمسلمين يوم أُحد ما نزل ، عاهد اللّهَ معتّب بن قُشَير وثعلبة بن حاطب : لا نولِّي دُبُراً قطُّ ، فلمَّا كان يوم الأحزاب نافقا ، قاله الواقدي ، واختاره أبو سليمان الدمشقي ، وهو اليَق ممَّا قبله . وإِذا كان الكلام في حق المنافقين ، فكيف يُطْلَق القول على أهل العَقَبة كلِّهم ! قوله تعالى : { وكان عهد الله مسؤولاً } أي : يُسأَلون عنه في الآخرة . ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم ، فقال : { قُلْ لن ينفعَكم الفرار إِن فَرَتم من الموت أو القتل وإِذاً لا تُمتَّعون } بعد الفرار في الدنيا { إِلاَّ قليلاً } وهو باقي آجالكم . ثم أخبر ان ما قدَّره عليهم لا يُدفَع ، بقوله : { من ذا الذي يَعْصِمُكم مِنَ الله } أي : يُجيركم ويمنعكم منه { إِن أراد بكم سُوءاً } وهو الإِهلاك والهزيمة والبلاء { أو أراد بكم رَحْمة } وهي النصر والعافية والسلامة { ولا يجِدون لهم من دُون الله وليّاً ولا نصيراً } أي : لا يجدون مُوالياً ولا ناصراً يمنعهم من مُراد الله فيهم .