Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 18-22)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قد يَعْلَمُ اللّهُ المعوِّقين منكم } في سبب نزولها قولان . أحدهما : أن رجلاً انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، فوجد أخاه لأُمِّه وابيه وعنده شِواءُ ونبيذٌ ، فقال له : أنتَ هاهنا ورسولُ الله بين الرِّماح والسيوف ؟ ! فقال : هلمَّ إِليَّ ، لقد أُحيطَ بك وبصاحبك ؛ والذي يُحْلَفُ به لا يستقبلها محمدٌ أبداً ؛ فقال له : كذبتَ ، والذي يُحْلَف به ، أما والله لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأمرك ، فذهب إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرَه ، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إِلى قوله : { يسيراً } ، هذا قول ابن زيد . والثاني : أن عبد الله بن أُبيّ ومُعتّب بن قُشَير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إِلى المدينة ، كانوا إِذا جاءهم منافق قالوا له : ويحك اجلس فلا تخرُج ، ويكتُبون بذلك إِلى إِخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنَّا ننتظركم - يثبِّطونهم عن القتال - وكانوا لا يأتون العسكر إِلاَّ أن لا يجدوا بُدّاً ، فيأتون العسكر ليرى الناسُ وجوههم ، فاذا غُفل عنهم ، عادوا إِلى المدينة ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب . والمعوِّق : المثبّط ؛ تقول : عاقني فلان ، واعتاقني ، وعوَّقني : إِذا منعك عن الوجه الذي تريده . وكان المنافقون يعوِّقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نُصَّاره . قوله تعالى : { والقائلين لإِخوانهم هَلُمَّ إِلينا } فيهم ثلاثة أقوال . أحدها : أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد . والثاني : أنهم اليهود دعَواْ إِخوانهم من المنافقين إِلى ترك القتال ، قاله مقاتل . والثالث : أنهم المنافقون دعَواْ المسلمين إِليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكاه الماوردي . قوله تعالى : { ولا يأتون البأْس } أي : لا يحضُرون القتال في سبيل الله { إِلاَّ قليلاً } للرِّياء والسُّمعة من غير احتساب ، ولو كان ذلك [ القليل ] لله لكان كثيراً . قوله تعالى : { أَشِحَّةً عليكم } قال الزجاج : هو منصوب على الحال . المعنى : لا يأتون الحرب إِلا تعذيراً ، بخلاءَ عليكم . وللمفسرين فيما شحُّوا به أربعة أقوال . أحدها : أشحة بالخير ، قاله مجاهد . والثاني : بالنفقة في سبيل الله . والثالث : بالغنيمة ، رويا عن قتادة . وقال الزجاج : بالظَّفَر والغنيمة . والرابع : بالقتال معكم ، حكاه الماوردي . ثم أخبر عن جُبنهم فقال : { فاذا جاء الخوفُ } أي : إِذا حضر القتال { رأيتَهم ينظُرون إِليك تدورُ أعينُم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموت } أي : كدوَران عين الذي يُغْشَى عليه من الموت ، وهو الذي دنا موته وغشيتْه أسبابُه ، فانه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يَطْرِف ، فكذلك هؤلاء ، لأنهم يخافون القتل . { فاذا ذهبَ الخوفُ سَلَقُوكم } قال الفراء : آذَوْكم بالكلام في الأمن { بألسنة حِدادٍ } سليطة ذَرِبة ، والعرب تقول : صَلَقوكم ، بالصاد ، ولا يجوز في القراءة ؛ وهذا قول الفراء . وقد قرأ بالصاد أُبيُّ بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران الجوني ، وابن أبي عبلة في آخرين وقال الزجاج : معنى : { سلقوكم } : خاطبوكم أشدَّ مخاطَبة وأبلَغها في الغنيمة ، يقال : خطيب مِسْلاق : إِذا كان بليغاً في خطبته { أَشِحَّةً على الخير } أي : خاطبوكم وهُم أشحَّة على المال والغنيمة . قال قتادة : إِذا كان وقت قسمة الغنيمة ، بسطوا ألسنتهم فيكم ، يقولون : أعطُونا فلستم أحقَّ بها منَّا ؛ فأمَّا عند الباس ، فأجبن قوم وأخذله للحق ، وأمَّا عند الغنيمة ، فأشحُّ قوم . وفي المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الغنيمة . والثاني : على المال أن يُنفقوه في سبيل الله تعالى . والثالث : على رسول الله صلى الله عليه وسلم بظَفَره . قوله تعالى : { أولئك لم يُؤْمِنوا } أي : هُمْ وإِن أظهروا الإِيمان فليسوا بمؤمِنين ، لنفاقهم { فأحبَطَ اللّهُ أعمالَهم } قال مقاتل : أبطلَ جهادهم ، لأنه لم يكن في إِيمان { وكان ذلك } الإِحباط { على الله يسيراً } . ثم أخبر عنهم بما يدل على جُبنهم ، فقال : { يَحْسَبون الأحزاب لم يَذهبوا } أي : يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجُبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا ، { وإِن يأتِ الأحزاب } [ أي ] : يَرجعوا إِليهم كَرَّةً ثانية للقتال { يَوَدُّوا لو أنَّهم بادُون في الأعراب } أي : يتمنَّوا لو كانوا في بادية الأعراب من خوفهم ، { يَسألون عن أنبائكم } أي : ودُّوا لو أنَّهم بالبُعد منكم يسألون عن أخباركم ، فيقولون : ما فعل محمد وأصحابه ، ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهَدة ، فَرَقاً وجُبناً ؛ وقيل : بل يَسألون شماتةً بالمسلمين وفرحاً بنكَبَاتهم { ولو كانوا فيكم } أي : لو كانوا يشهدون القتال معكم { ما قاتلوا إِلاَّ قليلاً } فيه قولان . أحدهما : إِلا رمياً بالحجارة ، قاله ابن السائب . والثاني : إِلا رياءً من غير احتساب ، قاله مقاتل . ثم عاب من تخلَّف بالمدينة بقوله : { لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة } أي : قُدوة صالحة . والمعنى : لقد كان لكم به اقتداءٌ لو اقتديتم به في الصبر [ معه ] كما صبر يوم أُحُد حتى كُسِرت رَباعِيَّتُه وشُجَّ جبينه وقُتِل عمُّه ، وآساكم مع ذلك بنفسه . وقرأ عاصم : { أُسوةٌ } بضم الألف ؛ والباقون بكسر الألف ؛ وهما لغتان . قال الفراء : أهل الحجاز وأَسَد يقولون : { إِسوة } بالكسر ، وتميم وبعض قيس يقولون : { أُسوة } بالضم . وخَصَّ اللّهُ تعالى بهذه الأُسوة المؤمنين ، فقال : { لِمَن كان يرجو الهل واليوم الآخر } والمعنى أن الأسوة برسول الله إِنما كانت لِمَن كان يرجو الله { واليوم الآخر } ؛ وفيه قولان . أحدهما : يرجو ما عنده من الثواب والنعيم ، قاله ابن عباس . والثاني : يخشى اللّهَ ويخشى البعث ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { وذَكَرَ اللّهَ كثيراً } أي : ذِكْراً كثيراً ، لأن ذاكر الله متَّبِع لأوامره ، بخلاف الغافل عنه . ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب ، فقال : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعَدَنا اللّهُ ورسولُه } وفي ذلك الوعد قولان . أحدهما : أنه قوله : { أم حَسِبتم أن تدخلوا الجَنَّة ولَمَّا يأتكم مَثَل الذين خَلَوا مِنْ قَبْلِكم … } الآية : [ البقرة : 214 ] فلمَّا عاينوا البلاء يومئذ قالوا : هذا ما وعَدَنا اللّهُ ورسولُه ، قاله ابن عباس ، وقتادة في آخرين . والثاني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحِيرة ، ذكره الماوردي وغيره . قوله تعالى : { وما زادهم } يعني ما رأوه { إِلاَّ إِيماناً } بوعد الله { وتسليماً } لأمره .