Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 50-52)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لكَ أزواجكَ } ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له ، فقال : { أزواجَك اللاَّتي آتيتَ أُجورهُنَّ } أي : مهورهُنَّ ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق { وما ملكتْ يمينُك } يعني الجواري { مِمَّا أفاء اللّهُ عليك } أي : ردَّ عليك من الكفار ، كصفيَّة وجُوَيرية ، فانه أعتقهما وتزوجهما { وبناتِ عمِّك وبناتِ عمَّاتك } يعني نساء قريش { وبتاتِ خالك وبناتِ خالاتك } يعني نساء بني زُهْرة { اللاَّتي هاجرن معك } إِلى المدينة . قال القاضي أبو يعلى : و [ ظاهر ] هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها . وقالت أُمُّ هانىء : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرتُ إِليه بعذر ، ثم أنزل اللّهُ تعالى : { إِنَّا أَحللنا لك أزواجك } إِلى قوله : { اللاَّتي هاجَرْنَ معك } ، قالت : فلم أكن لأحَلَّ له ، لأنِّي لم أُهاجِر معه ، كنتُ من الطُّلَقاء ؛ وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر . وذكر بعض المفسرين : أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ ، ولم يذكر ناسخه . وحكى الماوردي في ذلك قولين . أحدهما : أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق . والثاني : أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات . قوله تعالى : { وامرأةً مؤمنةً } أي : وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة { إِنْ وهبتْ نَفْسَها } لك ، { إِن أراد النبيُّ أن يَستنكحها } أي : إِن آثر نكاحها { خالصةً لكَ } أي : خاصة . قال الزجّاج : وإِنما قال : { إِن وهبتْ نَفْسَها للنبيِّ } ، ولم يقل : « لك » ، لأنه لو قال : « لك » ، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات . { وخالصةً } منصوب على الحال . وللمفسرين في معنى { خالصةً } ثلاثة أقوال . أحدها : أن المراة إِذا وهبت له نفسها ، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين ، قاله أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيّب . والثاني : أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره ، قاله قتادة . والثالث : خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين ، وهذا قول الشافعي ، وأحمد . وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال . أحدها : أُمّ شَريك . والثاني : خولة بنت حكيم . ولم يدخل بواحدة منهما . وذكروا أن لبلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها . قال ابن عباس : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له . وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث ؛ وعن الشعبي : أنها زينب بنت خزيمة . والأول : أصح . قوله تعالى : { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنا عليهم } أي : على المؤمنين غيرك { في أزواجهم } وفيه قولان . أحدهما : أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة ، قاله مجاهد . والثاني : أن لا يتزوج الرجل المرأة إِلاَّ بوليّ وشاهدَين وصَدَاق ، قاله قتادة . قوله تعالى : { وما مَلَكَتْ أيمانُهم } أي : وما أَبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور . قوله تعالى : { لِكَيْلا يكونَ عليكَ حَرَجٌ } هذا فيه تقديم ؛ المعنى : أَحللْنا لك أزواجك ، إِلى قوله : { خالصةً لك من دون المؤمنين } { لكيلا يكون عليك حرج } . قوله تعالى : { تُرْجِي من تشاءُ مِنْهُنَّ } قرأ ابن كثير ، وأبوعمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : { تُرْجِىء } مهموزاً ؛ وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : بغير همز . وسبب نزولها أنه لمَّا نزلت آية التخيير المتقدِّمة ، أشفقْنَ أن يُطَلَّقْنَ ، فقُلْنَ : يا نبيَّ الله ، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ، ودَعْنا على حالنا ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو رزين . وفي معنى الآية أربعة أقوال . أحدها : تطلِّق من تشاء من نسائك ، وتُمْسِك من تشاء من نسائك ، قاله ابن عباس . والثاني : تترُك نكاح من تشاء ، وتَنْكِح من نساء أُمَّتك من تشاء ، قاله الحسن . والثالث : تَعْزِل من شئتَ من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق ، وتأتي من تشاء فلا تَعْزِلها . قاله مجاهد . والرابع : تَقْبَل من تشاء من المؤمنات اللواتي يَهَبْنَ أنفُسَهُنَّ ، وتترُك من تشاء ، قاله الشعبي ، وعكرمة . وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصاحَبة نسائه كيف شاء من غير إِيجاب القِسْمة عليه والتسوية بينهنّ ، غير أنه كان يسوِّي بينهنّ . وقال الزُّهري : ما عَلِمْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرجأ منهنَّ أحداً ، ولقد آواهنَّ كلَّهنَّ حتى مات . وقال أبو رزين : آوى عائشة ، وأُم سلمة ، وحفصة ، وزينب ، وكان قَسْمُه من نَفْسه وماله فيهنَّ سواءً . وأرجأ سَوْدة ، وجُوَيرية ، وصفيَّة ، وأُمَّ حبيبة ، وميمونة ، وكان يَقْسِم لهنَّ ما شاء . وكان أراد فراقهنَّ فقُلن : اقسم لنا ما شئتَ ، ودَعْنا على حالنا . وقال قوم : إِنَّما أرجأ سَودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة ، فتوفي وهو يَقْسِم لثمان . قوله تعالى : { وتُؤوي } أي : تضم ، { ومن ابتغيتَ ممَّن عَزَلْتَ } أي : إِذا أردتَ أن تُؤوي إِليك امرأةً ممَّن عزلتَ من القسمة { فلا جُنَاحَ عليكَ } أي : لا مَيْلَ عليك بلَوْم ولا عَتْب { ذلكَ أدنى أن تَقَرَّ أعيُنُهُنَّ } أي : ذلك التخيير الذي خيَّرناك في صُحبتهنّ أقرب إِلى رضاهنّ . والمعنى : إِنهنّ إِذا عَلِمن أنَّ هذا أَمر من الله ، كان أطيبَ لأنفُسهنّ . وقرأ ابن محيصن ، وأبو عمران الجوني : { أن تُقِرَّ } بضم التاء وكسر القاف { أعيُنَهُنَّ } بنصب النون . { ويَرْضَيْنَ بما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } أي : بما أعطيتَهُنّ من تقريب وتأخير { واللّهُ يعلم ما في قلوبكم } من المَيْل إِلى بعضهنّ . والمعنى : إِنما خيَّرناك تسهيلاً عليك . قوله تعالى : { لا يَحِلُّ لكَ النِّساءُ } كلُّهم قرأ : { لا يَحِلُّ } بالياء ، غير أبي عمرو ، فانه قرأ بالتاء ؛ والتأنيث ليس بحقيقي ، إِنما هو تأنيث الجمع ، فالقراءتان حسنتان . وفي قوله { مِنْ بَعْدُ } ثلاثة أقوال . أحدها : من بعد نسائك اللواتي خيرتَهُنَّ فاخترنَ اللّهَ ورسولَه ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة في آخرين ، وهُنَّ التِّسع ، فصار [ مقصوراً ] عليهنّ ممنوعاً من غيرهن وذكر أهل العِلْم أن طلاقه لحفصة وعَزْمه على طلاق سَوْدة كان قبل التخيير . والثاني : من بعد الذي أحلَلْنا لك ، فكانت الإِباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله : { إِنَّا أَحلَلْنَا لكَ أزواجَكَ } إِلى قوله : { خالصةً لكَ } ؛ قاله أُبيُّ بن كعب ، والضحاك . والثالث : لا تَحِلُّ لك النساء غير المُسْلِمات كاليهوديّات والنصرانيّات والمشركات ، وتَحِلُّ لك المسلمات ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { ولا أن تَبَدَّلَ بهنَّ } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن تطلِّق زوجاتك وتستبدل بهنَّ سِواهنَّ ، قاله الضحاك . والثاني : أن تبدِّل بالمسلمات المشركات ، قاله مجاهد في آخرين . والثالث : أن تُعطيَ الرجل زوجتك وتأخذ زوجته ، وهذه كانت عادة للجاهلية ، قاله أبو هريرة ، وابن زيد . قوله تعالى : { إِلاَّ ما مَلَكَتْ يمينُك } يعني الإِماء . وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : إِلا أن تَملك بالسَّبي ، فيَحِلّ لك وطؤها وإِن كانت من غير الصِّنف الذي أحلَلْتُه لك ؛ وإِلى هذا أومأ أُبيُّ بن كعب في آخرين . والثاني : إِلاَّ أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثالث : إِلاَّ أن تبدِّل أَمَتَك بأَمَة غيرك ، قاله ابن زيد . قال أبو سليمان الدمشقي : وهذه الأقوال جائزة ، إِلاَّ أنَّا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين ، ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يَدْنُ منها حتى أسلمت . فصل واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين . أحدهما : أنها منسوخة بقوله : { إِنَّا أَحْلَلْنا لك أزواجك } ، وهذا مروي عن عليٍّ ، وابن عباس ، وعائشة ، وأم سلمة ، وعلي بن الحسين ، والضحاك . وقالت عائشة : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُحِلَّ له النساء ، قال أبو سليمان الدمشقي : يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات . والقول الثاني : أنها محكمة ؛ ثم فيها قولان . أحدهما : أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخْتَرنه بأن قَصَره عليهنّ ، فلم يُحِلَّ له غيرهنّ ، ولم ينسخ هذا ، قاله الحسن ، وابن سيرين ، وأبو أُمامة بن سهل ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث . والثاني : أن المراد بالنساء هاهنا : الكافرات ، ولم يَجُز له أن يتزوَّج كافرة ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وجابر بن زيد .