Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 12-14)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ولِسليمان الرِّيح } قرأ الأكثرون بنصب الرِّيح على معنى : وسخَّرنا لسليمان الرِّيحَ . وروى أبو بكر ، والمفضل عن عاصم : { الرِّيحُ } رفعاً ، أي : له تسخيرُ الريح . وقرأ أبو جعفر : { الرِّياح } على الجمع . { غُدُوُّها شَهْرٌ } قال قتادة : تغدو مسيرةَ شهر إِلى نصف النهار ، وتروح مسيرةَ شهر إِلى آخر النهار ، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين . قال الحسن : لمَّا شَغَلت نبيَّ الله سليمانَ الخيلُ عن الصلاة فعقرها ، أبدله الله خيراً منها وأسرع وهي الريح ، فكان يغدو من دمشق فيَقيل بإِصْطَخْر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، ثم يروح من إِصطخر فيبيت بكابُل ، وبينهما مسيرة شهر للمسرع . قوله تعالى : { وأَسَلْنَا له عَيْنَ القِطْرِ } قال الزجاج : القِطْر : النُّحاس ، وهو الصُّفْر ، أُذيب مذ ذاك وكان قبل سليمان لا يذوب . قال المفسرون : أجرى الله لسليمان عين الصُّفْر حتى صنع منها ما أراد من غير نار ، كما أُلين لداود الحديدُ بغير نار ، فبقيت تجري ثلاثة أيام ولياليهنّ كجري الماء ؛ وإِنما يعمل الناس اليوم مما أُعطي سليمان . قوله تعالى : { ومن الجن } المعنى : وسخَّرنا له من الجن { من يعمل بين يديه باذن ربِّه } أي : بأمره ؛ سخَّرهم الله له ، وأمرهم بطاعته ؛ والكلام يدلُّ على أنَ منهم من لم يسخَّر له { ومَنْ يَزِغْ منهم } أي : يَعْدِل { عن أمرنا } له بطاعة سليمان { نُذِقْه من عذاب السعير } ؛ وهل هذا في الدنيا ، أم في الآخرة ؟ فيه قولان . أحدهما : في الآخرة ، قاله الضحاك . والثاني : في الدنيا ، قاله مقاتل . وقيل : إِنه كان مع سليمان مَلَك بيده سوط من نار ، فمن زاغ من الجن ضربه الملك بذلك السوط . { يعملون له ما يشاء من محاريب } وفيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها المساجد ، قاله مجاهد ، وابن قتيبة . والثاني : القصور ، قاله عطية . والثالث : المساجد والقصور ، قاله قتادة . وأما التماثيل ، فهي الصُّوَر ؛ قال الحسن : ولم تكن يومئذ محرَّمة ؛ ثم فيها قولان . أحدهما : أنها كانت كالطَّواويس والعِقْبان والنُّسور على كرسيِّه ودرجات سريره لكي يَهابَها من أراد الدُّنُوَّ منه ، قاله الضحاك . والثاني : أنها كانت صُوَرُ النبييِّن والملائكة لكي يراهم الناس مصوَّرين ، فيعبُدوا مثل عبادتهم ويتشبَّهوا بهم ، قاله ابن السائب . وفي ما كانوا يعملونها منه قولان . أحدهما : من النُّحاس ، قاله مجاهد . والثاني : من الرُّخام والشَّبَه ، قاله قتادة . قوله تعالى : { وجِفَانٍ كالجَوَابي } الجِفَان : جمع جفنة ، وهي القصعة الكبيرة ؛ والجَوَابي ؛ جمع جابِيَة ، وهي الحوض الكبير يُجبَى فيه الماء ، أي : يُجمع . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : { كالجَوَابي } بياء ، إِلا أن ابن كثير يثبت الياء في الوصل والوقف ، وأبو عمرو يثبتها في الوصل دون الوقف . قال الزجاج : وأكثر القراء على الوقف بغير ياءٍ ، وكان الأصل الوقف بالياء ، إِلاَّ أن الكسرة تنوب عنها . قال المفسرون : كانوا يصنعون [ له ] القِصَاع كحياض الإِبل ، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها . قوله تعالى : { وقدورٍ راسياتٍ } أي : ثوابت ؛ يقال : رسا يرسو : إِذا ثبت . وفي علَّة ثبوتها في مكانها قولان . أحدهما : أن أثافيها منها ، قاله ابن عباس . والثاني : أنها لا تُنزل لِعِظَمها ، قاله ابن قتيبة . قال المفسرون : وكانت القُدور كالجبال لا تحرَّك من أماكنها ، يأكل من القِدْر ألف رجل . قوله تعالى : { اعْمَلوا آلَ داوُدَ شكْراً } المعنى : وقلنا : اعملوا بطاعة الله شكراً له على ما آتاكم . قوله تعالى : { فلمَّا قضينا عليه الموتَ } يعني على سليمان . قال المفسرون : كانت الإِنس تقول : إِن الجن تعلم الغيب الذي يكون في غد ، فوقف سليمان في محرابه يصلِّي متوكِّئاً على عصاه ، فمات ، فمكث كذلك حولاً والجن تعمل تلك الأعمال الشّاقّة ولا تعلم بموته حتى أكلتِ الأَرَضُ عصا سليمان ، فخرَّ فعلموا بموته ، وعَلِم الإِنس أن الجن لا تعلم الغيب . وقيل : إِن سليمان سأل الله تعالى أن يعمِّي على الجن موته ، فأخفاه الله عنهم حولاً . وفي سبب سؤاله قولان . أحدهما : لأن الجن كانوا يقولون للانس إِنَّنا نَعْلَمُ الغيب ، فأراد تكذيبهم . والثاني : لأنه كان قد بقي من عِمارة بيت المقدس بقيَّة . فاما { دابَّة الأرض } فهي : الأَرَضَة . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : { دابَّة الأرض } بفتح الراء . والمِنْسأة : العصا . قال الزجاج : وإِنما سمِّيت مِنْسأة ، لأنه يُنْسَأُ بها ، أي : يُطْرَدُ ويُزْجَر . قال الفراء : أهل الحجاز لا يهمزون المِنْسأة ، وتميم وفصحاء قيس يهمزونها . قوله تعالى : { فلَّما خَرَّ } أي : سقط { تبينَّت الجنُّ } أي : ظهرت ، وانكشف للناس أنهم لا يعلمون الغيب ، ولو علموا { ما لَبِثوا في العذاب المُهين } أي : ما عملوا مسخَّرين وهو ميت وهم يظنُّونه حيّاً . وقيل : تبيَّنت الجن ، أي : عَلِمت لأنَّها كانت تَتَوَهَّم باستراقها السمع أنها تعلم الغيب ، فعلمت حينئذ خطأَها في ظنِّها . وروى رويس عن يعقوب { تُبُيِّنَتْ } برفع التاء والباء وكسر الياء .