Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 47-58)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وإِذا قيل لهم أنفِقوا } اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال : أحدها : في اليهود ، قاله الحسن . والثاني : في الزنادقة قاله قتادة . والثالث : في مشركي قريش قاله مقاتل ؛ وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة : أنفقوا على المساكين النصيب الذي زعمتم أنه لله من الحرث والأنعام فقالوا { أَنُطْعِمُ من لو يشاءُ اللهُ أطعمه } . وقال ابن السائب : كان العاص بن وائل إِذا سأله مسكين ، قال : اذهب إلى ربِّك فهو أولى بك مني ، ويقول : قد منعه الله ، أُطعمه أنا ؟ ! ومعنى الكلام أنهم قالوا : لو أراد اللهُ أن يرزقهم لرزقهم ، فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نُطْعِمهم وهذا خطأٌ منهم ، لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضاً ، ليبلوَ الغنيَّ بالفقير فيما فرض له في ماله من الزكاة ، والمؤمن لا يعترض على المشيئة ، وإنما يوافق الأمر . وقيل : إنما قالوا هذا على سبيل الاستهزاء . وفي قوله : { إن أنتم إلا في ضلال مبين } قولان . أحدهما : أنه من قول الكفار للمؤمنين ، يعنون إِنكم في خطأٍ من اتِّباع محمد . والثاني : أنه من قول الله للكفار لما ردُّوه من جواب المؤمنين . قوله تعالى : { متى هذا الوعد } يعنون القيامة ؛ والمعنى : متى إنجاز هذا الوعد { إن كنّتم صادقين } ؟ يعنون محمدا وأصحابه . { ما ينظُرون } أي : ما ينتظرون { إلاَّ صيحةً واحدةً } وهي النفخة الأولى . و { يَخصِّمُونَ } بمعنى يختصون ، فأُدغمت التاء في الصاد . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : { يَخَصِّمُونَ } بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد . وروي عن أبي عمرو اختلاس حركة الخاء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، والكسائي : { يَخْصِّمُونَ } بفتح الياء وكسر الخاء . وعن عاصم كسر الياء والخاء . وقرأ نافع بسكون الخاء وتشديد الصاد . وقرأ حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد ، أي : يَخْصِمُ بعضهم بعضاً . وقرأ أُبيٌّ بن كعب : { يختصمون } بزيادة تاء ؛ والمعنى أن الساعة تأتيهم أَغفلَ ما كانوا عنها وهم متشاغلون في متصرَّفاتهم وبيعهم وشرائهم { فلا يستطيعون توصيةً } قال مقاتل : أُعجلوا عن الوصية فماتوا ، { ولا إِلى أهلهم يَرْجِعُونَ } أي : لا يعودون من الأسواق إلى منازلهم ؛ فهذا وصف ما يَلْقَون في النفخة الأولى . ثم ذكر ما يَلْقَون في النفخة الثانية فقال : { ونُفِخَ في الصُّور فإذا هم من الأجداث } يعني القبور ؛ { إِلى ربهم يَنْسِلُونَ } أي : يخرُجون بسرعة ، وقد شرحنا هذا المعنى في سورة [ الأنبياء : 96 ] . { قالوا يا وليلنا مَنْ بَعَثَنا من مرقدنا } وقرأ علي بن أبي طالب ، وأبو رزين ، والضحاك وعاصم الجحدري : { من بعثْنَا } بكسر الميم والثاء وسكون العين . قال المفسرون : إنما قالوا هذا ، لأن الله تعالى رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين . قال أُبيُّ بن كعب : ينامون نومة قبل البعث فإذا بُعثوا قالوا هذا . قوله تعالى : { هذا ما وعد الرحمنُ } في قائلي هذا الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قول المؤمنين ، قاله مجاهد ، وقتادة ، وابن أبي ليلى . قال قتادة : أول الآية للكافرين ، وآخرها للمؤمنين . والثاني : أنه قول الملائكة لهم ، قاله الحسن . والثالث : أنه قول الكافرين ، يقول بعضهم لبعض : هذا الذي أخبرَنا به المرسَلون أننا نُبعث ونجازى ، قاله ابن زيد . قال الزجاج : { من مرقدنا } هو وقف التمام ويجوز أن يكون " هذا " من نعت " مرقدنا " على معنى : مَنْ بعثَنا مِنْ مرقدنا هذا الذي كنّا راقدين فيه ؟ ويكون في قوله { ما وعد الرَّحمنُ } أحد إِضمارين ، إما " هذا " ، وإِما " حق " ، فيكون المعنى : حقُّ ما وَعد الرَّحمنُ . ثم ذكر النفخة الثانية ، فقال : { إن كانت إلاَّ صيحةً واحدةً } ، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله { إنَّ أصحاب الجنة اليوم } يعني في الآخرة { في شُغُلٍ } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو " في شُغْلٍ " بإسكان الغين . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " في شُغُلٍ " بضم الشين والغين . وقرأ أبو هريرة ، وأبو رجاء ، وأيوب السختياني : { في شَغَلٍ } بفتح الشين والغين . وقرأ أبو مجلز ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والضحاك ، والنخعي ، وابن يعمر ، والجحدري " { في شَغْلٍ } بفتح الشين وسكون الغين . وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن شغلهم افتضاض العذارى ، رواه شقيق عن ابن مسعود ، ومجاهد عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وقتادة ، والضحاك . والثاني : ضرب الأوتار ، رواه عكرمة عن ابن عباس ؛ وعن عكرمة كالقولين ، ولا يثبت هذا القول . والثالث : النِّعمة ، قاله مجاهد . وقال الحسن : شغلهم : نعيمهم عمَّا فيه أهل النار من العذاب . قوله تعالى : { فاكِهونَ } وقرأ ابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو المتوكل ، وقتادة ، وأبو الجوزاء ، والنخعي ، وأبو جعفر : { فَكِهُون } . وهل بينهما فرق ؟ فيه قولان : أحدهما : أن بينهما فرقاً . فأما " فاكهون " ففيه أربعه أقوال : أحدها : فَرِحون ، قاله ابن عباس . والثاني : مُعْجَبُون ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث : ناعمون قاله أبو مالك ، ومقاتل . والرابع : ذوو فاكهة ، كما يقال : فلانٌ لابِنٌ تامِرٌ ، قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة . وأما { فَكِهون } ففيه قولان . أحدهما : أن الفَكِه : الذي يتفكَّه ، تقول العرب للرجل إذا كان يتفكَّه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس : إن فلاناً لفَكِهٌ بكذا . ومنه يقال للمُزاح : فُكاهَة ، قاله أبو عبيدة . والثاني : أن فَكِهين بمعنى فَرِحين ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والقول الثاني : أن فاكهين وفكهِين بمعنى واحد ، كما يقال : حاذِرٌ وحَذِرٌ ، قاله الفراء . وقال الزجاج : فاكِهون وفكهِون بمعنى فَرِحين ، وقال أبو زيد : الفَكِه : الطيِّب النَّفْس الضَّحوك ، يقال رجل فاكِه وفَكِه . قوله تعالى : { هم وأزواجهم } يعنى حلائلهم { في ظلال } وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : { في ظُلَلٍ } . قال الفراء : الظِّلال جمع ظِلٍّ والظُّلَل جمع ظُلَّة ، وقد تكون الظِّلال جمع ظُلَّة أيضا ، كما يقال : خُلَّة وخُلَل ؛ فإذا كثرت فهي الخِلال والحِلال والقِلال . قال مقاتل : والظِّلال : أكنان القصور . قال أبو عبيدة : والمعنى أنهم لا يَضْحَوْنَ . فأما الأرائك فقد بيَّنَّاها في سورة [ الكهف : 31 ] . قوله تعالى : { ولهم ما يَدَّعون } قال ابن قتيبة : ما يَتَمَنَّوْنَ ، ومنه يقول الناس : هو في خيرِ ما ادَّعى ، أي : ما تَمَنَّى ، والعرب تقول : ادَّع ما شئتَ ، أي : تَمَنَّ ما شئتَ . وقال الزجاج : هو مأخوذ من الدًّعاء ؛ والمعنى : كلُّ ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم وقوله : { سلامٌ } بدل من " ما " ؛ المعنى : لهم ما يتمنَّون سلام ، أي هذا مُنى أهل الجنة أن يُسلِّم اللهُ عليهم و { قولاً } منصوب على معنى : سلامٌ يقوله اللهُ قولاً . قال أبو عبيدة : " سلامٌ " رفع على " لهم " ؛ فالمعنى : لهم فيها فاكهة ولهم فيها سلام . وقال الفراء : معنى الكلام : لهم ما يدَّعون مسلَّم خالص ، ونصب القول ، كأنكَ قلتَ : قاله قولاً ، وإِن شئتَ جعلتَه نصباً من قوله : ولهم ما يدَّعون قولاًَ ، كقولكَ : عِدَةً من الله . وقرأ ابن مسعود ، وأًبيُّ بن كعب ، والجحدري { سلاماً قولاً } بنصبهما جميعاً .