Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 7-12)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لقد حَقَّ القولُ } فيه قولان . أحدهما : وجب العذاب . والثاني : سبق القول بكفرهم . قوله تعالى : { على أكثرهم } يعني أهل مكة ، وهذه إِشارة إِلى إِرادة الله تعالى السابقة لكفرهم { فهم لا يؤمنون } لِمَا سبق من القَدَر بذلك . { إنَّا جَعَلْنا في أعناقهم أغلالاً } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها مَثَلٌ ، وليس هناك غُلٌّ حقيقة ، قاله أكثر المحقِّقين ، ثم لهم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها مَثَل لمنعهم عن كل خير ، قاله قتادة . والثاني : لحبسهم عن الإِنفاق في سبيل الله بموانع كالأَغلال ، قاله الفراء ، وابن قتيبة . والثالث : لمنعهم من الإِيمان بالله ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والقول الثاني : أنها موانع حسِّيَّة مَنَعَتْ كما يَمنع الغُلُّ ؛ قال مقاتل بن سليمان : حلف أبو جهل لئن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصليِّ لَيَدْمَغَنَّهُ ، فجاءه وهو يصليِّ ، فرفع حجراً فيَبِسَتْ يدُه والتصق الحجر بيده ، فرجَع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر ، فقام رجل منهم فأخذ الحجر ، فلمَّا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم طَمَسَ اللهُ على بصره فلم يره ، فرجَع إلى أصحابه فلم يُبْصِرهم حتى نادَوْه ، فنزل في أبي جهل : { إِنّا جَعَلْنا في أعناقهم أغلالاً … } الآية . ونزل في الآخر : { وجَعَلْنا مِنْ بين أيديهم سَدّاً } . والقول الثالث : أنه على حقيقته ، إلاَّ أنَّه وَصْفٌ لِمَا سيُنْزِلُه اللهُ تعالى بهم في النار ، حكاه الماوردي . قوله تعالى : { فهي إلى الأذقان } قال الفراء : " فهي " كناية عن الأيمان ، ولم تُذْكَر ، لأن الغُلَّ لا يكون إلاَّ في اليمين والعنق جامعاً لهما ، فاكتُفيَ بذكر أحدهما عن صاحبه . وقال الزجّاج : " هي " كناية عن الأيدي ، ولم يذكرها إيجازاً ، لأن الغُلَّ يتضمن اليد والعنق ، وأنشد : @ وما أدري إذا يَمَّمْتُ أرضاً أُريدُ الخَيْرَ أيُّهُما يَلِيني @@ وإنما قال : أَيُّهما ، لأنه قد علم أن الخير والشرَّ معرَّضان للإنسان . قال الفراء : والذَّقْن : أسفل اللَّحْيَيْن ، والمُقْمَحُ : الغاضّ بصره بعد رفع رأسه ، قال أبو عبيده : كل رافعٍ رأسَه فهو مُقَامِح وقَامِح ، والجمع قِماح ، فإن فُعل ذلك بإنسان فهو مُقْمَح ، ومنه هذه الآية . وقال ابن قتيبة : يقال بعيرٌ قامِحٌ وإبلٌ قِماحٌ : إذا رَوِيَتْ من الماء فقَمَحَتْ ، قال الشاعر وذكر سفينة ـ : @ ونحنُ على جَوانِبِها قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإِبِلِ القِمَاحِ @@ وقال الأزهري : المُراد أنَّ أيديهم لمّا غُلَّت عند أعناقهم ، رَفَعَتْ الأغلالُ أذقانَهم ورؤوسَهم ، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إيَّاها . قوله تعالى : { وجَعَلْنا مِنْ بينِ أيديهم سَدّاً } قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : بفتح السين ، والباقون : بضمها ، وقد تكلَّمنا على الفَرْق [ بينهما ] في [ الكهف : 94 ] . وفي معنى الآية قولان : أحدهما : منعناهم عن الإِيمان بموانع ، فهم لا يستطيعون الخروج عن الكفر . والثاني : حجبناهم عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظُّلمة لمّا قصدوه بالأذى . قوله تعالى : { فأَغشيناهم } قال ابن قتيبة : أغشينا عيونَهم وأعميناهم عن الهُدىَ . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، ويحيى بن يعمر : { فأغشيناهم } بعين غير معجمة . ثم ذكر أن الإِنذارَ لا ينفعهم لإِضلاله إيَّاهم بالآية التي بعد هذه . ثم أخبر عمَّن ينفعُه الإِنذارُ بقوله : { إنَّما تُنْذِرُ } أي : إنَّما يَنفع إِنذارُك { مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } وهو القرآن ، فعمل به { وخَشي الرَّحمنَ بالغَيب } وقد شرحناه في [ الأنبياء : 49 ] ، والأجر الكريم : الحَسَن ، وهو الجنة . { إِنَّا نَحْنُ نُحْيي المَوْتى } للبعث { وَنكْتُبُ ما قدَّموا } من خير وشرٍّ في دنياهم . وقرأ النخعي والجحدري : " ويُكْتُبُ " بياء مرفوعة وفتح التاء " وآثارُهم " برفع الراء . وفي أثارهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنها خُطاهم بأرجُلهم ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة . قال أبو سعيد الخدري : شَكَت بنو سَلِمَةَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعْدَ منازلهم من المسجد ، فأنزل الله تعالى : { ونَكَتُبُ ما قدَّموا وآثارهم } ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم منازلَكم ، فإنَّما تُكتَبُ آثارُكم " ، وقال قتادة وعمر بن عبد العزيز : لو كان اللهُ مُغْفِلاً شيئاً ، لأغفل ما تعفِّي الرِّياحُ من أثرَ قَدَم ابن آدم . والثاني : أنها الخُطا إلى الجمعة ، قاله أنس بن مالك . والثالث : ما أثَروا من سُنَّة حسنة أو سيِّئة يُعْمَل بها بعدهم ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج . قوله تعالى : { وكُلَّ شيء } وقرأ ابن السميفع ، وابن أبي عبلة : " وكُلٌّ " برفع اللام ، أي : مِنَ الأعمال ( أحصيناه ) أي : حَفِظْناه { في إِمامٍ مُبِينٍ } وهو اللوح المحفوظ .