Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 102-113)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فلمّا بَلَغَ معه السَّعي } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن المراد بالسعي هاهنا : العمل قاله ، ابن عباس . والثاني : أنه المشي ، والمعنى : مشى مع أبيه ، قاله قتاده . قال ابن قتيبة : بلغ أن يَنْصرفَ معه ويُعِينَه . قال ابن السائب : كان ابن ثلاث عشرة سنة . والثالث : أن المراد بالسعي ، العبادة ، قاله ابن زيد ؛ فعلى هذا ، يكون قد بلغ . قوله تعالى : { إِنِّي أَرى في المنام أنِّي أذْبَحُكَ } أكثر العلماء على أنه لم ير أنه ذبحه في المنام ، وإنما المعنى أنه أُمِرََ في المنام بذبحه ، ويدُل عليه قوله { افعل ما تُؤْمَر } . وذهب بعضهم إلى أنه رأى أنه يعالج ذبحه ، ولم يَرَ إِراقة الدَّم . قال قتادة : ورؤيا الأنبياء حَقٌّ ، إِذا رأَوا شيئاً ، فعلوه . وذكر السدي عن أشياخه : أنه لمّا بشَّر جبريلُ سارة بالولد ، قال إبراهيم : هو إِذاً لله ذبيح ، فلمّا فَرَغ من بُنيان البيت ، أُتي في المنام ، فقيل له : أَوْف بنَذْرك . واختلفوا في الذَّبيح على قولين : أحدهما : [ أنه ] إِسحاق ، قاله عمر بن الخطاب ، وعليّ بن أبي طالب ، والعباس ابن عبد المطلب ، وابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو هريرة ، وأنس ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبّه ، [ ومسروق ] ، وعبيد بن عُمير ، والقاسم ابن أَبي بَزّة ، ومقاتل بن سليمان ، واختاره ابن جرير . وهؤلاء يقولون : كانت هذه القصة بالشام . وقيل : طويت له الأرضُ حتى حمله إلى المَنْحَر بمِنىً في ساعة . والثاني : أنه إسماعيل ، قاله ابن عمر ، وعبد الله بن سلام ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيّب ، والشعبي ، ومجاهد ، ويوسف بن مهران ، وأبو صالح ، ومحمد بن كعب القرظي ، والربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن سابط . واختلفت الرواية عن ابن عباس ، فروى عنه عكرمة أنه إسحاق ، وروى عنه عطاء ، ومجاهد ، والشعبي ، وأبو الجوزاء ، ويوسف بن مهران أنه إسماعيل ، وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين . وعن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، والزهري ، وقتادة ، والسدي روايتان . وكذلك عن أحمد رضي الله عنه روايتان . ولكلِّ قومٍ حُجَّة ليس هذا موضعها ، وأصحابنا ينصُرون القول الأول . الإِشارة إِلى قصة الذَّبْح : ذكر أهل العِلْم بالسِّيَر والتفسير أن إِبراهيم لمَّا أراد ذبح ولده ، قال له : انطلِق فنُقرِّب قرباناً إلى الله عز وجل ، فأخذ سِكِّيناً وحَبْلاً ، ثم انطلق ، حتى إِذا ذهبا بين الجبال ، قال له الغلام : يا أبتِ أين قُربانُك ؟ قال : يا بُني إِنِّي رأيتُ في المنام أني أذبحُك ، فقال له : اشْدُد رِباطي حتى لا أضطرب ، واكْفُف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أُمِّي فتحزن ، وأَسْرِع مَرَّ السِّكِّين على حَلْقِي ليكون أهون للموت عليَّ ، فإذا أتيتَ أُمي فاقرأ عليها السلام منِّي ؛ فأقبل عليه إبراهيم يقبِّله ويبكي ويقول : نِعْمِ العونُ أنت يا بُنيَّ على أمر الله عز وجل ، ثم [ إنه ] أَمَرَّ السِّكِّين على حَلْقه فلم يَحْكِ شيئاً . وقال مجاهد : لمّا أَمَرَّها على حَلْقه انقلبتْ ، فقال : مالكَ ؟ قال : انقلبتْ . قال : اطْعَنْ بها طَعْناً . وقال السدي : ضرب اللهُ على حَلْقِِهِ صفيحة من نُحاس ؛ وهذا لا يُحتاج إِليه ، بل منعُها بالقُدرة أَبلَغ . قالوا : فلمّا طَعَنَ بها ، نَبَتْ ، وعَلِم اللهُ منهما الصِّدق في التسليم ، فنودي : يا إبراهيمُ قد صَدَّقْتَ الرُّؤيا ، هذا فداءُ ابنك ؛ فنظر إِبراهيم فإذا جبريل معه كبش أملح . قوله تعالى : { فانْظُرْ ماذا تَرَى } لَمْ يَقًل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله عز وجل . ولكن أراد أن يَنْظُر ما عنده من الرَّأي . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : { ماذا تُرِي } بضم التاء وكسر الراء ؛ وفيها قولان : أحدهما : ماذا تُريني من صبرك أو جَزَعك ، قاله الفراء . والثاني : ماذا تُبِين ، قاله الزجاج . وقال غيره : ماذا تُشير . قوله تعالى : { افْعَلْ ما تُؤمَر } قال ابن عباس : افْعَلْ ما أُوحي إِليك من ذبحي { ستَجِدُني إِن شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ } على البلاء . قوله تعالى : { فلمّا أَسْلَما } أي : استسلمَا لأمر الله عز وجل فأطاعا ورضيا . وقرأ عليّ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : { فلمّا سَلَّما } بتشديد اللام من غير همز قبل السين ؛ والمعنى : سَلَّما لأمر الله عز وجل . وفي جواب قوله { فلمّا أَسلَما } قولان . أحدهما : أن جوابه : { وناديناه } ، والواو زائدة ، قاله الفراء . والثاني : أن الجواب محذوف لأن في الكلام دليلاً عليه ؛ والمعنى : فلمّا فعل ذلك سَعِدَ وأُجْزِلَ ثوابُه ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وتَلَّهُ للجَبين } قال ابن قتيبة : أي صَرَعه على جبينه فصار أحد جبينيه على الأرض ، وهما جبينان ، والجبهة بينهما ، وهي ما أصاب الأرضَ في السجود ، والناس لا يكادون يفرِّقون بين الجبين والجبهة ، فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه نَدَبُ السُّجود ، والجبينان يكتنفانها من كل جانب جبين . قوله تعالى : { وناديناه } قال المفسرون : نودي من الجبل { ياإِبراهيم قد صدَّقتَ الرُّؤيا } وفيه قولان : أحدهما : قد عَمِلْتَ ما أَمَرْتُ ، وذلك أنه قصد الذَّبح بما أمكنه ، وطاوعه الابن بالتمكين من الذَّبح ، إلاّ أن الله عز وجل صرف ذلك كما شاء ، فصار كأنه قد ذَبَح وإِن لم يتحقَّق الذَّبح . والثاني : أنه رأى في المنام معالجة الذَّبح ، ولم ير إراقة الدَّم ، فلمّا فَعَلَ في اليقظة ما رأى في المنام ، قيل له : " قد صدَّقْتََ الرُّؤيا " . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وأبو عمران ، والجحدري : { قد صَدَقْتَ الرُّؤيا } بتخفيف الدال ، وهاهنا تم الكلام . ثم قال تعالى { إنّا كذلك } أي : كما ذَكَرْنا من العفو من ذبح ولده { نَجْزِي المُحْسنِينَ } . { إِنَّ هذا لَهُوَ البلاءُ المُبِينُ } في ذلك قولان : أحدهما : النِّعمة البيِّنة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . والثاني : الاختبار العظيم ، قاله ابن زيد ، وابن قتيبة . فعلى الأول ، يكون قوله هذا إِشارة إلى العفو عن الَّذبح . وعلى الثاني ، يكون إشارة إِلى امتحانه بذبح ولده . قوله تعالى : { وفَدَيْناه } يعني : الذَّبيح { بِذِبْحٍ } وهو بكسر الذال : اسم ما ذُبِحَ ، وبفتح الذال : مصدر ذَبَحْتُ ، قاله ابن قتيبة . ومعنى الآية : خلَّصْناه من الذَّبح بأن جعلنا الذّبح فداءً له . وفي هذا الذِّبح ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان كبشاً أقرن قد رعى في الجنة قبل ذلك أربعين عاماً ، قاله ابن عباس في رواية مجاهد ، وقال في رواية سعيد بن جبير : هو الكبش الذي قرَّبه ابنُ آدم فتُقُبِّل منه ، كان في الجنة حتى فُدي به . والثاني : أن إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين ، رواه أبو الطفيل عن ابن عباس . والثالث : [ أنه ] ما فُدي إِلاّ بتيس من الأَرْوَى ، أهبط عليه من ثَبِير ، قاله الحسن . وفي معنى { عظيم } أربعة أقوال : أحدها : لأنه كان قد رعى في الجنة ، قاله ابن عباس ، وابن جبير . والثاني : لأنه ذُبح على دِين إبراهيم وسُنَّته ، قاله الحسن . والثالث : لأنه مُتَقَبَّلٌ ، قاله مجاهد . وقال أبو سليمان الدمشقي : لمّا قرَّبَه ابنُ آدم ، رُفِع حيّاً ، فرعى في الجنة ، ثم جُعل فداء الذَّبيح ، فقُبِل مرتين . والرابع : لأنه عظيم الشَّخص والبَرَكة ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { وتَرَكْنا عليه } قد فسرناه في هذه السورة [ الصافات : 78 ] . قوله تعالى : { وبشَّرْناه بإسحاق } من قال : إن إسحاق الذَّبيحُ ، قال : بُشِّر إبراهيم بنبوَّة إسحاق ، وأُثيب إسحاق بصبره النبوَّةَ ، وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة ، وبه قال قتادة ، والسدي . ومن قال : الذَّبيح إسماعيل ، قال : بشَّر اللهُ إبراهيم بولد يكون نبيّاً بعد هذه القصة ، جزاءً لطاعته وصبره ، وهذا قول سعيد ابن المسيب . قوله تعالى : { وباركْنا عليه وعلى إسحاق } يعني بكثرة ذُرِّيَّتهما ، وهم الأسباط كلًّهم { ومِنْ ذُرِّيَّتهما مُحْسِنٌ } أي : مطيع لله { وظالمٌ } وهو العاصي له . وقيل : المُحْسِنُ : المؤمِن ، والظالم : الكافر .