Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 83-101)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وإِنَّ مِنْ شِيعته لإِبراهيمَ } أي : من أهل دِينه ومِلَّته والهاء في " شِيعته " عائدة على نوح في قول الأكثرين ؛ وقال ابن السائب : تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، واختاره الفراء . فإن قيل : كيف يكون من شيعته ، وهو قبله ؟ . فالجواب : أنه مِثل قوله { حَمَلْنا ذُرْيَّتهم } [ يس : 41 ] فجعلها ذُرِيَّتهم وقد سبقَتْهم ، وقد شرحنا هذا فيما مضى [ يس : 41 ] . قوله تعالى : { إِذ جاءَ ربَّه } أي : صدَّقَ اللهَ وآمَنَ به { بقَلْبٍ سَليمٍ } من الشِّرك وكلِّ دَنَس ، وفيه أقوال ذكرناها في [ الشعراء : 89 ] . قوله تعالى : { ماذا تعبُدونَ } ؟ هذا استفهام توبيخ ، كأنه وبَّخهم على عبادة غير الله . { أَإِفْكاً } ؟ ! أي : أتأفِكون إِفْكاً وتعبُدون آلهةً سِوى الله ؟ ! { فما ظنُّكم بربِّ العالَمِينَ } إِذا لقِيتمُوه وقد عَبَدتُم غيره ؟ ! . كأنه قال : فما ظنُّكم أن يصنع بكم . { فنَظَرَ نَظْرَةً في النُّجومِ } فيه قولان . أحدهما : [ أنه ] نظر في عِلم النجوم ، وكان القومُ يتعاطَوْن عِلْم النُّجوم ، فعاملهم من حيث هم ، وأراهم أنِّي أَعلمُ من ذلك ما تعلَمونَ ، لئلا يُنْكِروا عليه ذلك . قال ابن المسيّب : رأى نجماً طالعاً ، فقال : إِنِّي مريض غداً . والثاني : أنه نظر إلى النجوم ، لا في عِلْمها . فإن قيل : فما كان مقصوده ؟ . فالجواب : أنه كان لهم عيد ، فأراد التخلُّف عنهم لِيَكِيدَ أصنامَهم ، فاعْتَلَّ بهذا القول . قوله تعالى : { إِنِّي سقيم } من معاريض الكلام . ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن معناه سأَسْقُمُ ، قاله الضحاك . قال ابن الأنباري : أَعْلَمَه اللهُ عز وجل أنَّه يَمْتَحِنُهُ بالسقم إِذا طلع نجمٌ يعرفه ، فلما رأى النَّجم ، عَلِم أنه سيَسْقُم . والثاني : إِنِّي سقيم القلب عليكم إِذ تكهَّنتم بنجوم لا تضُرُّ ولا تَنْفَع ، ذكره ابن الأنباري . والثالث : أنه سَقُمَ لِعِلَّةٍ عرضتْ له ، حكاه الماوردي . وذكر السديّ أنه خرج معهم إلى يوم عيدهم فلمّا كان ببعض الطريق ، ألقى نفسه وقال : إِني سقيم أشتكي رجلي { فتولَّوا عنه مُدْبِرِينَ ، فراغَ إِلى آلهتهم } أي : مال إِليها وكانوا قد جعلوا بين يديها طعاماً لتبارك فيه على زعمهم ( فقال ) إبراهيم استهزاءً بها { ألا تأكلُونَ } . وقوله : { ضَرْباً باليمين } في اليمين ثلاثة أقوال : أحدها : أنها اليد اليمنى ، قاله الضحاك . والثاني : بالقُوَّة والقُدرة قاله السدي ، والفراء . والثالث : باليمين التي سبقت منه وهي قوله { وتاللهِ لأَكيدَنَّ أصنامَكم } [ الأنبياء : 57 ] ، حكاه الماوردي . قال الزجاج : " ضَرْباً " مصدر ؛ والمعنى : فمال على الأصنام يضربها ضَرْباً باليمين ؛ وإِنما قال : { عليهم } ، وهي أصنام ، لأنهم جعلوها بمنزلة ما يُمَيِّز . { فأقْبَلُوا إِليه يَزِفُّون } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : { يَزِفُّونَ } بفتح الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء . وقرأ حمزة ، والمفضَّل عن عاصم : { يُزِفُّونَ } برفع الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء . وقرأ ابن السّميفع ، وأبو المتوكل ، والضحاك : { يَزِفُونَ } بفتح الياء وكسر الزاي وتخفيف الفاء . وقرأ ابن أبي عبلة ، وأبو نهيك { يَزْفُونَ } بفتح الياء وسكون الزاي وتخفيف الفاء . قال الزجاج : أَعربُ القراءات فتح الياء وتشديد الفاء ، وأصله من زفيف النَّعام ، وهو ابتداء عَدْوِ النَّعام ، يقال : زَفَّ النَّعام يَزِفُّ . وأمَّا ضم الياء ، فمعناه : يصيرون إِلى الزَّفيف ، وأنشدوا : @ [ تَمَنَّى حُصَيْنٌ أن يَسُودَ جِذاعَه ] فأضحى حُصَيْنٌ قد أَذَلَّ وأَقْهَرَا @@ أي : صار إِلى القَهْر . وأمّا كَسْرُ الزّاي مع تخفيف الفاء ، فهو من : وَزَفَ يَزِفُ ، بمعنى أَسْرَعَ يُسْرِع ، ولم يَعْرِفه الكسائي ولا الفراء ، وعَرَفه غيرهما . قال المفسِّرون : بلغهم ما صنع إبراهيم ، فأسرعوا ، فلمّا انتَهَوْا إِليه ، قال لهم محتجّاً عليهم : { أتَعْبُدونَ ما تَنْحِتُونَ } بأيديكم { واللهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلونَ } ؟ ! ، قال ابن جرير : في { ما } وجهان . أحدهما : أن تكون بمعنى المصدر ، فيكون المعنى : واللهُ خَلَقَكم [ وَعمَلَكم . والثاني : أن تكون بمعنى " الذي " فيكون المعنى : واللهُ خَلَقَكم ] وَخلَقَ الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام ؛ وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة [ لله ] . فلمّا لَزِمَتْهم الحُجَّة { قالوا ابنوا له بُنْياناً } وقد شرحنا قصته في سورة [ الأنبياء : 52 - 74 ] وبيَّنَّا معنى الجحيم في [ البقرة : 119 ] والكّيْدُ الذي أرادوا به : إِحراقُه . ومعنى قوله : { فجعلْناهم الأَسفَلِينَ } أن إبراهيم علاهم بالحُجَّة حيث سلَّمه الله من كيدهم وحلَّ الهلاكُ بهم . ( وقال ) يعني إبراهيم { إنِّي ذاهبٌ إلى ربِّي } في هذا الذَّهاب قولان : أحدهما : أنه ذاهب حقيقة ، وفي وقت قوله هذا قولان : أحدهما : أنه حين أراد هِجرة قومه ؛ فالمعنى : إنِّي ذاهب إلى حيث أمرني ربِّي عز وجل { سيَهدينِ } إلى حيث أمرني ، وهو الشام ، قاله الأكثرون . والثاني : حين أُلقي في النّار ، قاله سليمان بن صُرَد . فعلى هذا في المعنى قولان : أحدهما : ذاهب إِلى الله بالموت ، سيَهدينِ إلى الجَنَّة . والثاني : [ ذاهب ] إلى ماقضى [ به ] ربي ، سيَهدين إِلى الخَلاص من النّار . والقول الثاني : إِنِّي ذاهب إلى ربِّي بقلبي وعملي ونيَّتي ، قاله قتادة . فلما قَدِم الأرض المقدَّسة ، سأل ربَّه الولدَ فقال { ربِّ هَبْ لي من الصَّالحِينَ } أي : ولداً صالحاً من الصَّالحينِ ، فاجتزأ بما ذكر عمّا ترك ، ومثله { وكانوا فيه من الزاهدين } [ يوسف : 20 ] فاستجاب له ، وهو قوله : { فبشَّرْناه بغُلامٍ حليمٍ } وفيه قولان : أحدهما : أنه إِسحاق . والثاني : أنه إِسماعيل . قال الزجاج : هذه البِشارة تَدُلُّ على أنه مبشَّر بابنٍ ذَكَر ، وأنه يبقى حتى ينتهيَ في السنّ ويوصَف بالحِلم .