Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 139-148)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذ أَبَقَ } قال المبرّد : تأويل " أبَقَ " تباعد ؛ وقال أبو عبيدة : فَزِعَ ؛ وقال الزجّاج : هرب ؛ وقال بعض أهل المعاني : خرج ولم يؤذَن له ، فكان بذلك كالهارب من مولاه . قال الزجاج : والفُلْك : السفينة ، والمشحون المملوء ، وساهم بمعنى [ قارع ] ، { من المُدْحَضِينَ } أي : المغلوبِين ؛ قال ابن قتيبة : يقال : أَدْحَضَ اللهُ حُجَّتَهُ ، فَدَحَضَتْ ، أي : أزالها [ فزالت ] ، وأصل الدَّحْض : الزَّلَق . الإِشارة إِلى قصته : قد شرحنا بعض قصته في آخر ( يونس ) وفي [ الأنبياء : 86 ] على قدر ما تحتمله الآيات ، ونحن نذكر هاهنا ما تحتمله . قال عبد الله بن مسعود : لمّا وعد يونس قومَه بالعذاب بعد ثلاث ، جَأرَوا إِلى الله عز وجل واستغفروا ، فكفّ عنهم العذاب ، فانطلق مغاضباً حتى انتهى إلى قوم في سفينة فعرفوه فحملوه ، فلمّا رَكِبَ السفينةَ وقَفَتْ ، فقال : ما لسفينتكم ؟ قالوا : لا ندري ، قال : لكنِّي أدري ، فيها عبد آبق من ربِّه ، وإِنها والله لا تسير حتى تُلْقُوه ، فقالوا : أمّا أنت يا نبيَّ الله فوالله لا نُلْقِيك ، قال : فاقترِعوا ، فمن قرع فَلْيَقَع ، فاقترَعوا ، فقرع يونس ، فأبَوا أن يَُمكِّنوه من الوُقوع ، فعادوا إلى القُرعة حتى قرع يونس ثلاث مرات . وقال طاووس : إن صاحب السفينة هو الذي قال : إنَّما يمنعُها أن تسير أنّ فيكم رجلاً مشؤوما ، فاقترِعوا لنَلقيَ أحدنا ، فاقترعوا ، فقرع يونس ثلاث مرات . قال المفسرون : وكَّل اللهُ به حوتاً ، فلمّا ألقى نفسه في الماء التقمه ، وأمر أن لا يضُرَّه ولا يَكْلِمَه ، وسارت السفينة حينئذ . ومعنى التقمه : ابتعله . { وهو مُلِيمٌ } قال ابن قتيبة : أي : مُذْنِبٌ ، يقال : ألامَ الرجلُ : إِذا أتى ذَنْباًَ يُلامُ عليه ، قال الشاعر : @ [ تَعُدُّ مَعَاذِراً لا عُذْرَ فيها ] ومَنْ يَخْذُلْ أَخَاهُ فَقَدْ ألاَمَا @@ قوله تعالى : { فلولا أنّه كان مِنَ المُسَبِّحِينَ } فيه ثلاثة أقوال : أحدها : مِنَ المُصَليِّن ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير . والثاني : من العابدِين ، قاله مجاهد ، ووهب بن منبه . والثالث : قول { لا إِله إِلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ } [ الأنبياء : 87 ] ، قاله الحسن . وروى عمران القطّان عن الحسن قال : والله ما كانت إلاّ صلاة أَحدثَها في بطن الحوت ؛ فعلى هذا القول ، يكون تسبيحُه في بطن الحوت . وجمهور العلماء على أنه أراد : لولا ما تقدَّم له قبل التقام الحوت إيّاه من التسبيح ، { لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } قال قتادة : لصار بطن الحوت له قبراً إِلى يوم القيامة ، ولكنه كان كثير الصلاة في الرّخاء ، فنجاه الله تعالى بذلك . وفي قَدْر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال : أحدها : أربعون يوماً ، قاله أنس بن مالك ، وكعب ، وأبو مالك ، وابن جريج ، والسدي . والثاني : سبعة أيام ، قاله سعيد بن جبير ، وعطاء . والثالث : ثلاثة أيام ، قاله مجاهد ، وقتادة . والرابع : عشرون يوماً ، قاله الضحاك . والخامس : بعض يوم ، التقمة ضُحىً ، ونبذه قبل غروب الشمس ، قاله الشعبي . قوله تعالى : { فَنَبَذْنَاهُ } قال ابن قتيبة : أي : ألْقَيْناه { بالعراء } وهي الأرضُ التي لا يُتَوارَى فيها بشجر ولا غيره ، وكأنَّه مِنْ عَرِيَ الشَّيءُ . قوله تعالى : { وَهُوَ سَقيمٌ } أي : مريض ؛ قال ابن مسعود : كهيأة الفرخ الممعوط الذي ليس له ريش . وقال سعيد بن جبير : أوحى الله تعالى إلى الحوت أن ألْقهِ في البَرّ ، فألقاه لا شَعْر عليه ولا جِلْد ولا ظُفر . قوله تعالى : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } قال ابن عباس : هو القرع ، وقد قال أميَّة بن أبي الصلت قبل الإِسلام : @ فأنْبَتَ يَقْطِيناً عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لَوْلا اللهُ أُلْفِيَ ضَاحِيا @@ قال الزجاج : كل شجرة لا تنبت على ساق وإنما تمتدُّ على وجه الأرض نحو القرع والبطيخ والحنظل ، فهي يقطين ، واشتقاقه من : قَطَنَ بالمكان : إذا أقام ، فهذا الشجر ورقه كلُّه على وجه الأرض ، فلذلك قيل له : يقطين . قال ابن مسعود : كان يستظلُّ بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها ، فأوحى الله إليه : أتبكي على شجرة أن يبست ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تُهلكهم ؟ ! قال يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط : قيَّض [ الله ] له أروية من الوحش تروح عليه بُكرة وعشيّاً فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه . فإن قيل : ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها ؟ فالجواب : أنه خرج كالفرخ على ما وصفنا ، وجلده قد ذاب ، فأدنى شيء يَمرُّ به يؤذيه ، وفي ورق اليقطين خاصِيَّةٌ ، وهو أنه إِذا تُرك على شيء ، لم يَقربه ذباب ، فأنبته الله عليه ليغطيَه ورقُها ويمنع الذبابَ ريحه أن يسقط عليه فيؤذيَه . قوله تعالى : { وأرسلْناه إِلى مائةِ ألفٍ } اختلفوا ، هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إيّاه ، أم بعد ذلك ؟ على قولين : أحدهما : أنها كانت بعد نبذ الحوت إيّاه ، على ما ذكرنا في [ يونس : 98 ] ، وهو مروي عن ابن عباس . والثاني : أنها كانت قبل التقام الحوت له ، وهو قول الأكثرين ، منهم الحسن ، ومجاهد ، وهو الأصح . والمعنى : وكنَّا أرسلناه إِلى مائة ألف ، فلمّا خرج من بطن الحوت ، أُمِر أن يرجع إِلى قومه الذين أُرسِل إِليهم . وفي قوله : { أو } ثلاثة أقوال : أحدها : أنها بمعنى " بل " قاله ابن عباس ، والفراء . والثاني : أنها بمعنى الواو ، قاله ابن قتيبة . وقد قرأ أبيّ بن كعب ، ومعاذ القارىء ، وأبو المتوكل ، وأبو عمران الجوني : { ويزيدون } من غير ألف . والثالث : أنها على أصلها ، والمعنى : أو يزيدون في تقديركم ، إذا رآهم الرائي قال : هؤلاء مائة ألف أو يزيدون . وفي زيادتهم أربعة أقوال : أحدها : أنهم كانوا مائة ألف يزيدون عشرين ألفاً ، رواه أبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنهم كانوا مائة ألف وثلاثين ألفا . والثالث : مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفاً ، رويا عن ابن عباس . والرابع : أنهم كانوا يزيدون سبعين ألفا ، قاله سعيد بن جبير ونوف . قوله تعالى : { فآمَنوا } في وقت إِيمانهم قولان : أحدهما : عند معاينة العذاب . والثاني : حين أُرسل إليهم يونس { فمتَّعْناهم إِلى حين } إِلى منتهى آجالهم .