Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-66)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هذا } المعنى : هذا الذي ذكرناه { وإِنَّ لِلطّاغِينَ } يعني الكافرين { لَشَرَّ مَآبٍ } ، ثم بيَّن ذلك بقوله : { جهنَّمَ } والمِهاد : الفِراش . { هذا فَلْيذوقوه } قال الفراء : في الآية تقديم وتأخير ، تقديره : هذا حميمٌ وغَسَّاقٌ فَلْيَذُوقوه ؛ وإن شئتَ جعلتَ الحميم مستأنَفاً ، كأنَّكَ قُلْتَ : هذا فلْيَذُوقوه ، ثم قلت : منه حَميمٌ ومنه غَسّاقٌ ، كقول الشاعر : @ حتَّى إِذا ما أَضاءَ الصُّبْحُ في غَلَسٍ وغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ @@ فأمَا الحَميم ، فهوالماء الحارّ . وأما الغَسّاق ، ففيه لغتان ، قرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وحفص : بالتشديد ، وكذلك في [ عَمَّ يتساءلون : 25 ] ، تابعهم لمفضل في { عَمَّ يتساؤلون } ، وقرأ الباقون بالتخفيف . وفي الغَسّاق أربعة أقوال : أحدها : الزَّمهرير ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال مجاهد : الغَسّاق لا يستطيعون أن يذوقوه من برده . والثاني : أنه ما يجري من صديد أهل النار ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال عطيّة ، وقتادة ، وابن زيد . والثالث : أن الغَسّاق : عَيْنٌ في جهنَّم يسيل إِليها حُمَةُ كلِّ ذاتِ حُمَة من حَيَّة أو عقرب أو غيرها ، فيستنقع ، فيؤتى بالآدميّ فيُغْمَس فيها غَمْسةً ، فيخرج وقد سقط جِلْدُه ولحمه عن العظام ، ويَجُرُّ لحمَه جَرَّ الرجُل ثوبه ، قاله كعب . والرابع : أنه ما يَسيل من دموعهم ، قاله السدي . قال أبو عبيدة : الغَسّاق : ما سال ، يقال : غَسَقَت العين والجرح . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن قتيبة قال : لم يكن أبو عبيدة [ يذهب ] إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب . وكان يقول : هو اتفاق يقع بين اللغتين ، وكان [ غيرُه ] يزعُم أن الغَسّاق : البارد المُنْتِن بلسان الترك . وقيل : فَعّال ، من غَسَقَ يَغْسِقُ ؛ فعلى هذا يكون عربيّاً . وقيل في معناه : إِنه الشديد البّرْد يحْرِق من بَرْده . وقيل : هو ما يَسيل من جلود أهل النار من الصديد . قوله تعالى : { وآخَرُ } قرأ أبو عمرو ، والمفضّل : { وأَخَرُ } بضم الهمزة من غير مدٍّ ، فجمعا لأجل نعته بالأزواج ، وهي جمع . وقرأ الباقون بفتح الألف ومدِّه على التوحيد ، واحتجُّوا بأن العرب تنعت الاسم إِذا كان فعلاً بالقليل والكثير ؛ قال الفراء : تقول : عذابُ فلانٍ ضُروبٌ شتَّى ، وضَرْبان مختلفان ؛ وإِن شئتَ جعلتَ الأزواج نعتاً للحميم والغَسّاق والآخر ، فهُنَّ ثلاثةٌ ، والأشبه أن تجعله صفة لواحد . وقال الزجاج : من قرأ " وآخرُ " بالمدِّ ، فالمعنى : وعذاب آخر { مِنْ شَكْلِهِ } أي : مِثْلِ الأول . ومن قرأ : " وأُخَرُ " فالمعنى : وأنواعٌ أُخَر ، لأن قوله : { أزواجٌ } بمعنى أنواع . وقال ابن قتيبة : " مِنْ شَكْلِهِ " أي : مِنْ نَحوِه ، " أَزْوَاجٌ " أي : أصنافٌ . وقال ابن جرير : " مِنْ شَكْلِهِ " أي : مِنْ نَحوِ الحَميم . قال ابن مسعود في قوله { وآخرُ مِنْ شَكْلِهِ } : هو الزَّمهرير . وقال الحسن : لمّا ذكر اللهُ تعالى العذابَ الذي يكون في الدنيا ، قال : " وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ " أي : وآخرَ لم يُرَ في الدنيا . قوله تعالى : { هذا فَوْجٌ } هذا قول الزَّبانية للقادة المتقدِّمين في الكفر إِذا جاؤوهم بالأتباع . وقيل : بل هو قول الملائكة لأهل النار كلمَّا جاؤوهم بأمَّة بعد أُمَّة . والفوج : الجماعة من الناس ، وجمعه : أفواج . والمُقْتَحِمُ : الداخل في الشيء رمياً بنفسه . قال ابن السائب : إِنهم يُضْرَبونَ بالمَقامع ، فيُلْقُونَ أنفُسهم في النار ويَثِبون فيها خوفاً من تلك المقامع . فلمّا قالت الملائكة ذلك لأهل النار قالوا : لا مَرْحَباً بهم ، فاتصل الكلام كأنه قول واحد ، وإنما الأول من قول الملائكة ، والثاني : من قول أهل النار ؛ وقد بيَّنّا مِثْلَ هذا في قوله { لِيَعْلَمْ أَنِّي لم أَخُنْهُ بالغَيْب } [ يوسف : 52 ] والمَرْحَبُ والرُّحْبُ : السَّعَةُ . والمعنى : لا اتَّسعت بهم مساكنُهم . قال أبو عبيدة : تقول العرب للرجل : لا مَرْحَباً [ بك ] أي : لا رَحُبَتْ عليك الأرض . وقال ابن قتيبة : معنى قولهم : " مَرْحَباً وأهْلاً " أي : أتيتَ رُحْباً ، أي : سَعَة ، وأَهْلاً ، أي : أتيتَ أهلاً لا غُرباء ، فائنس ولا تستوحش ، وسهلاً ، أي : أَتيتَ سَهْلاً لا حَزْناً ، وهو في مذهب الدُّعاء ، كما تقول : لَقِيتَ خَيْراً . قال الزجاج : و " مَرْحَباً " منصوب بقوله : رَحُبَت بلادُك مَرْحَباً ، وصادفتَ مَرْحَباً ، فأُدخلت " لا " على ذلك المعنى . قوله تعالى : { إِنَّهم صَالُوا النّارِ } أي : داخِلُوها كما دخلْناها ، ومُقاسون حَرَّها ، فأجابهم القوم ، فـ { قالوا بَلْ أنتم لا مَرْحَباً بكم أنتم قَدَّمتموه لنا } . إن قلنا : إن هذا قول الأتباع للرؤساء ، فالمعنى : أنتم زيَّنتم لنا الكفر ؛ [ وإن قلنا : إنه قول الأمَّة المتأخرة للأمَّة المتقدِّمة ، فالمعنى : أنتم شرَّعتم لنا الكفر ] وبدأتم به قبلنا ، فدخلتم النار قبلنا { فبئسَ القرارُ } أي : بئس المُسْتَقَرّ والمنزل . { قالوا ربَّنا مَنْ قدَّم لنا هذا } أي : مَنْ سنَّه وشرعه { فزِدْهُ عذاباً ضِعْفاً في النار } وقد شرحناه في [ الأعراف : 38 ] وفي القائلين لهذا قولان . أحدهما : أنه قول جميع أهل النار ، قاله ابن السائب . والثاني : قول الأتباع . قاله مقاتل . قوله تعالى : { وقالوا } يعني أهل النار { ما لَنَا لا نَرَى رجالاً كُنّا نَعُدُّهم من الأشرار } قال المفسرون : إذا دخلوا النار ، نظروا فلم يَرَوْا مَنْ كان يخالفُهم من المؤمنين ، فيقولون ذلك . قال مجاهد : يقول أبو جهل في النار : أين صُهَيب ، أين عمّار ، أين خبّاب ، أين بلال ؟ ! . قوله تعالى : { أتَّخَذْناهم سِخْرِيّاً } قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : { من الأشرار اتَّخَذْناهم } بالوصل على الخبر ؛ أي : [ إِنّا ] اتَّخَذْناهم . وهؤلاء يبتدئون بكسر الهمزة . وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام . وهؤلاء يبتدئون بفتح الهمزة . وقال الفراء : وهذا استفهام بمعنى التعجُّب والتوبيخ ، والمعنى أنهم يوبِّخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين { وسخْرِيّاً } يُقرأ بضم السين وكسرها . وقد شرحناها في آخر سورة [ المؤمنين : 110 ] { أَمْ زاغت عنهم الأبصارُ } أي : وهم مَعَنا في النار ولا نراهم ؟ ! . وقال أبو عبيدة : " أمْ " هاهنا بمعنى " بَلْ " . قوله تعالى : { إِنَّ ذلكَ لحَقُّ } قال الزجاج : [ أي ] : إِن الذي وصفْناه عنهم لَحَقٌّ . ثم بيَّن ما هو ، فقال : هو { تَخَصُمُ أَهْلِ النّار } وقرأ أبوالجوزاء ، وأبو الشعثاء ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة : { تَخَاصُمَ } برفع الصاد وفتح الميم ، وكسر اللام من " أَهْلِ " . وقرأ أبو مجلز ، وأبو العالية ، وأبو المتوكل ، وابن السميفع : { تَخَاصَمَ أَهْلَ } بفتح الصاد والميم ورفع اللام .