Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 26-34)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقال فرعونُ ذَرُوني أقْتُلْ موسى } وإنما قال هذا ، لأنه كان في خاصَّة فرعونَ مَنْ يَمْنَعُه مِنْ قَتْله خوفاً من الهلاك { وَلْيَدْعُ ربَّه } الذي يزعُم أنه أرسله فلْيمنعه من القتل { إِنِّي أَخافُ أن يبدِّل دينَكم } أي : عبادتكم إيّاي { وأن يُظْهِرَ في الأرض الفسادَ } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : { وأن } بغير ألف . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : { أو أن } بألف قبل الواو على معنى : إن لم يبدِّل دِينَكم أوْقَعَ الفسادَ ، إلاّ أن نافعاً وأبا عمرو قرآ : { يُظْهِرَ } بضم الياء { الفسادَ } بالنصب . وقرأ الباقون { يَظْهَرَ } بفتح الياء " الفسادُ " بالرفع ، والمعنى : يظهر الفساد بتغيير أحكامنا فجعل ذلك فساداً بزعمه ؛ وقيل : يقتل أبناءَكم كما تفعلون بهم . فلمّا قال فرعونُ هذا ، استعاذ موسى بربّه فقال : { إنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم } قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر : { عُذْتُ } مبيَّنة الذّال ، وأدغمها أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف { مِنْ كُلٍّ متكبِّرٍ } أي : متعظّم عن الإِيمان فقصد فرعونُ قتل موسى ، فقال حينئذ { رجُلٌ مؤمِنُ من آل فرعون … } . وفي الآل هاهنا قولان . أحدهما : [ أنه ] بمعنى الأهل والنَّسب ؛ قال السدي ومقاتل : كان ابنَ عمٍّ فرعون ، وهو المراد بقوله { وجاء رجُلٌ مِنْ أقصى المدينة يَسعى } [ القصص : 20 ] . والثاني : أنه بمعنى القبيلة والعشيرة ؛ قال قتادة ومقاتل : كان قبطيّاً . وقال قوم : كان إسرائيليّاً ، وإنما المعنى : قال رجل مؤمن يكتُم إيمانَه من آل فرعون ؛ وفي اسمه خمسة أقوال : أحدها : حزبيل ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : حبيب : قاله كعب . والثالث : سمعون ، بالسين المهملة ، قاله شعيب الجبَّائي . والرابع : جبريل . والخامس : شمعان ، بالشين المعجمة ، رويا عن ابن إسحاق ، وكذلك حكى الزجاج " شمعان " بالشين ، وذكره ابن ماكولا بالشين المعجمة أيضاً . والأكثرون على أنه آمن بموسى لمّا جاء . وقال الحسن : كان مؤمناً قبل مجيء موسى ، وكذلك امرأة فرعون . قال مقاتل : كتم إيمانه من فرعون مائة سنة . قوله تعالى { أتقتُلون رجُلاً أن يقولَ } أي : لأن يقولَ { ربِّيَ اللهُ } وهذا استفهام إنكار { وقد جاؤكم بالبيِّنات } أي : بما يدُلُّ على صِدقه { وإِن يَكُ كاذباً فعليه كَذِبُه } أي : لا يضرُّكم ذلك { وإن يَكُ صادقاً يُصِبْكم بَعْضُ الذي يَعِدُكم } من العذاب . وفي " بَعْض " ثلاثة أقوال . أحدها : أنها بمعنى " كُلّ " ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد للبيد : @ تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذا لَمْ أَرْضَها أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها @@ أراد : كُلَّ النفُّوس . والثاني : أنها صِلَة ؛ والمعنى : يُصِبْكم الذي يَعِدُكم ، حُكي عن الليث . والثالث : أنها على أصلها ، ثم في ذلك قولان . أحدهما : أنه وعدهم النجاةَ إن آمنوا ، والهلاكَ إن كفروا ، فدخل ذِكْر البعض لأنهم على أحد الحالين . والثاني : أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، فصار هلاكُهم في الدنيا بعضَ الوَعْد ، ذكرهما الماوردي . قال الزجاج : هذا باب من النظر يذهب فيه المُناظِر إلى إلزام الحُجَّة بأيسر ما في الأمر ، وليس في هذا نفي إصابة الكلِّ ، ومثله قول الشاعر : @ قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ @@ وإنما ذكر البعض ليوجبَ الكلَّ ، لأن البعض من الكلّ ، ولكن القائل إذا قال : أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة ، وأقل ما يكون للمستعجل الزَّلل ، فقد أبان فَضْلَ المتأنِّي على المستعجِل بما لا يَقْدِر الخصم أن يدفعه ، فكأنَّ المؤمن قال لهم : أَقَلْ ما يكون في صِدقه أن يُصيبَكم بعضُ الذي يَعِدُكم ، وفي بعض ذلك هلاككم ؛ قال : وأما بيت لبيد ، فإنه أراد ببعض النفوس : نَفْسَه وحدها . قوله تعالى : { إنَّ الله لا يَهْدي } أي : لا يوفِّق للصَّواب { من هو مُسْرِفٌ } وفيه قولان . أحدهما : أنه المشرك ، قاله قتادة . والثاني : أنه السَّفَّاك للدَّم ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { ظاهرِين في الأرض } أي : عالِين في أرض مصر { فمن يَنْصُرنا } أي : من يَمْنَعُنا { من بأس الله } أي : من عذابه ؛ والمعنى : لا تتعرَّضوا للعذاب بالتكذيب وقَتْل النَّبيِّ ، فقال فرعونُ عند ذلك : { ما أُرِيكم } من الرّأي والنّصيحة { إلاّ ما أَرى } لنفسي { وما أهْدِيكم } أي : أدعوكم إلاّ إلى طريق الهُدى في تكذيب موسى والإيمان بي ، وهذا يَدُلُّ على أنه انقطع عن جواب المؤمِن . { وقال الذي آمن يا قومِ إِنِّي أخافُ عليكم مِثْلَ يَوْمِ الأحزابِ } قال الزجّاج : أي مِثْلَ يَوْمِ حزب حزب ؛ والمعنى : أخاف أن تُقيموا على كفركم فينزلَ بكم من العذاب مِثْلُ ما نزل بالأُمم المكذِّبة رسلهم . قوله تعالى : { يومَ التَّنادِ } قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : { التَّنادِ } بغير ياءٍ . وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير ، ويعقوب ، وافقهم أبو جعفر في الوصل . وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وابن جبير ، وأبو العالية / والضحاك : { التَّنادِّ } بتشديد الدال . قال الزجاج : أمّا إثبات الياء فهو الأصل ، وحذفها حسن جميل ، لأن الكسرة تدُلُّ على الياء ، وهو رأس آية ، وأواخر هذه الآيات على الدَّال ، ومن قرأ بالتشديد ، فهو من قولهم : نَدَّ فلان ، ونَدَّ البعير : إِذا هرب على وجهه ، ويدل على هذا قوله { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } وقوله { يومَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أخيه } [ عبس : 34 ] قال أبو علي : معنى الكلام إنِّي أخاف عليكم عذاب يوم التَّناد . قال الضحاك : إذا سمع الناسُ زفير جهنم وشهيقها نَدُّوا فِراراً منها في الأرض ، فلا يتوجَّهونُ قطراً من أقطار الأرض إلا رأوْا ملائكة ، فيرجعون من حيث جاؤوا . وقال غيره : يُؤمَر بهم إلى النار فيَفِرُّون ولا عاصم لهم . فأمّا قراءة التخفيف ، فهي من النّداء ، وفيها للمفسرين أربعة أقوال : أحدها : أنه عند نفخة الفزع ينادي الناسُ بعضهم بعضاً . روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يأمرُ اللهُ عز وجل إِسرافيلَ بالنَّفخة الأولى فيقول : انفُخْ نفخةَ الفزع ، فيفزَعُ أهلُ السموات والأرض إِلاّ من شاء الله ، فتُسيَّر الجبالُ ، وتُرَجُّ الأرض . وتَذْهَلُ المراضعُ ، وتضع الحواملُ ، ويولِّي الناس مُدْبِرين ينادي بعضهم بعضاً وهو قوله : { يوم التناد } " والثاني : أنه نداء أهل الجنة والنار بعضهم بعضاً كما ذكر في [ الأعراف : 44ـ50 ] ، وهذا قول قتادة . والثالث : أنه قولهم : يا حسرتنا يا ويلتنا قاله ابن جريج . والرابع : أنه ينادى فيه كلُّ أُناس بإمامهم بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء . قوله تعالى : { يومَ تُوَلَّونَ مُدْبِرِينَ } فيه قولان . أحدهما : هرباً من النار . والثاني : أنه انصرافهم إلى النار . قوله تعالى : { مالكم مِنَ الله مِنْ عاصم } أي : من مانع . قوله تعالى : { ولقد جاءكم يوسف } وهو يوسف بن يعقوب ، ويقال : إنه ليس به ، وليس بشيء . قوله تعالى : { مِنْ قَبْلُ } أي : مِنْ قَبْلِ موسى { بالبيِّناتِ } وهي الدّلالات على التوحيد ، كقوله { أأربابٌ متفرِّقون خيرٌ … } الآية [ يوسف : 39 ] ، وقال ابن السائب : البيِّنات : تعبير الرُّؤيا وشَقُّ القميص ، وقيل : بل بعثه الله تعالى بعد موت ملِك مصر إلى القبط . قوله تعالى : { فما زِلتم في شَكّ ممّا جاءكم به } أي : من عبادة الله وحده { حتى إذا هَلَكَ } أي : مات { قُلْتُم لن يَبعث اللهُ مِنْ بعده رسولاً } أي : إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدِّد إِيجابَ الحجة عليكم { كذلك } أي : مِثْل هذا الضَّلال { يُضِلُّ اللهُ مَنْ هو مُسْرِفٌ } أي : مُشْرِكٌ { مُرتابٌ } أي : شاكٌّ في التوحيد وصِدق الرُّسل .