Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 37-43)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { والذين يَجْتَنِبون كبائرَ الإِثم } وقرأ حمزة ، والكسائي : " كبيرَ الإِثم " على التوحيد من غير ألف ، والباقون بألف . وقد شرحنا الكبائر في سورة [ النساء : 31 ] . وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان : أحدهما : الزنا . والثاني : موجبات الحدود . قوله تعالى : { وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون } أي : يَعْفُون عمَّن ظَلَمهم طلباً لثواب الله تعالى . { والذين استجابوا لربِّهم } أي : أجابوه فيما دعاهم إليه . { وأمرُهم شُورى بينَهم } قال ابن قتيبة : أي يتشاورون فيه [ بينهم ] . وقال الزجاج : المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه . قوله تعالى : { والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرون } اختلفوا في [ هذا ] البَغْي على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه بَغْيُ الكفار على المسلمين ، قال عطاء : هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبَغَوْا عليهم ، ثم مَكنَّهم الله منهم فانتصروا . وقال زيد بن أسلم : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين بمكة ، فرقة كانت تُؤذَى فتَعفو عن المشركين ، وفرقة كانت تُؤذَى فتنتصر ، فأثنى اللهُ عز وجل عليهم جميعاً ، فقال في الذين لم ينتصروا : { وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون } ، وقال في المنتصِرين : { والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هم ينتصرون } أي : من المشركين . وقال ابن زيد : ذكر المهاجرين ، وكانوا صنفين ، صنفاً عفا ، وصنفاً انتصر ، فقال : { وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون } ، فبدأ بهم ، وقال في المنتصرين : { والذين إِذا أصابهم البَغْي هم ينتصِرون } أي : من المشركين ؛ وقال : { والذين استجابوا لربِّهم } إلى قوله { يُنْفِقون } وهم الأنصار ؛ ثم ذكر الصِّنف الثالث فقال : { والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هم ينتصِرون } من المشركين . والثاني : أنه بَغْيُ المسلمين على المسلمين خاصة . والثالث : أنه عامّ في جميع البُغاة ، سواء كانوا مسلمين أو كافرين . فصل واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف ، فكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بَغْي المشركين ، فلمّا جاز لنا أن نبدأَهم بالقتال ، دَلَّ على أنها منسوخة . وللقائلين بأنها في المسليمن قولان : أحدهما : أنها منسوخة بقوله : { ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ } [ الشورى : 43 ] فكأنها نبَّهتْ على مدح المنتصِر ، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح ، فبان وجه النسخ . والثاني : أنها محكَمة ، لأن الصبر والغفران فضيلة ، والانتصار مباح ، فعلى هذا تكون محكمة ، [ وهو الأصح ] . فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وظاهرُها مدح المنتصِر وبين آيات الحَثِّ على العفو ؟ فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها : أنه انتصار المسلمين من الكافرين ، وتلك رتبة الجهاد كما ذكرنا عن عطاء . والثاني : أن المنتصِر لم يَخرج عن فعل أُبيح له ، وإن كان العفو أفضل ، ومَنْ لم يَخرج من الشرع بفعله ، حَسُنَ مدحُه . قال ابن زيد : جعل الله المؤمنين صنفين ، صنفٌ يعفو ، فبدأ بذكره وصنفٌ ينتصر . والثالث : أنه إذا بغي على المؤمن فاسقٌ ، فلأنَّ له اجتراءَ الفُسَّاق عليه ، وليس للمؤمن أن يُذِلَّ نَفْسه ، فينبغي له أن يَكْسِر شوكة العُصاة لتكون العِزَّة لأهل الدِّين . قال إبراهيم النخعي : كانوا يَكرهون للمؤمنين أن يُذِلًّوا أنفُسَهم فيجترئَ عليهم الفُسّاق ، فإذا قَدَروا عَفَوْا . وقال القاضي أبو يعلى : هذه الآية محمولة على من تعدَّى وأصرَّ على ذلك ، وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادماً . قوله تعالى : { وجزاءُ سيِّئةٍ سيِّئةٌ مِثْلُها } قال مجاهد ، والسدي : هو جواب القبيح ، إذا قال له كلمة إجابة بمثْلها من غير أن يعتديَ . وقال مقاتل : هذا في القصاص في الجراحات والدماء . { فمن عفا } فلم يقتصّ { وأصلَح } العمل { فأجْرُه على الله إِنه لا يُحِبُّ الظّالمين } يعني من بدأَ بالظُّلم . وإنما سمَّى المجازاةَ سيِّئةً ، لما بيَّنَّا عند قوله : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } [ البقرة : 194 ] . قال الحسن : إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ : لِيَقُم مَنْ كان أجْرُه على الله ، فلا يقوم إلاّ من عفا . { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي : بعد ظُلم الظّالم إيَّاه ؛ والمصدر هاهنا مضاف إلى المفعول ، ونظيره : { من دُعاءِ الخير } [ فصلت : 49 ] و { وبسؤال نعجتك } [ ص : 24 ] ، { فأولئك } يعني المنتصرين { ماعليهم من سبيل } أي : من طريق إلى لَوْم ولا حَدِّ { إِنما السبيلُ على الذين يًظْلِمون الناس } أي : يبتدؤون بالظُّلم { ويَبْغُونَ في الأرض بغير الحق } أي : يعملون فيها بالمعاصي . قوله تعالى : { ولَمَن صَبَر } فلم ينتصرِ { وغَفَرَ إِنَّ ذلك } الصبر والتجاوز { لَمِنْ عَزْمِ الأًمورِ } وقد شرحناه في [ آل عمران : 186 ] .