Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 17-29)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ولقد فتَنّا } أي ابتَلَينا { قَبْلَهم } أي : قَبْلَ قومك { قومَ فرعون } بارسال موسى إِليهم { وجاءهم رسولٌ كريمٌ } وهو موسى بن عمران . وفي معنى { كريم } ثلاثة أقوال . أحدها : حسن الخُلُق ، قاله مقاتل . والثاني : كريم على ربِّه ، قاله الفراء . والثالث : شريفٌ وسيطُ النسب ، قاله أبو سليمان . قوله تعالى : { أن أدُّوا } أي : بان أدُّوا { إِليَّ عبادَ الله } وفيه قولان : أحدهما : أدُّوا إلى ما أدعوكم إليه من الحق باتِّباعي ، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس . فعلى هذا ينتصب { عبادَ الله } بالنداء قال الزجاج : ويكون المعنى أن أدُّوا إِليَّ ما آمُركم به يا عباد الله . والثاني : أرسِلوا معي بني إِسرائيل ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والمعنى : أطلِقوهم من تسخيركم ، وسلِّموهم إِليَّ . { وأن لا تَعْلُوا على الله } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : لا تفتروا عليه ، قاله ابن عباس . والثاني : لا تعتوا عليه ، قاله قتادة . والثالث : لا تعظَّموا عليه ، قاله ابن جريج { إنِّي آتيكم بسلطان مبين } أي : بحجة تدل على صدقي . فلمّا قال هذا تواعدوه بالقتل فقال : { وإِنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم أن ترجُمونِ } وفيه قولان . أحدهما : أنه رجم القول ، قاله ابن عباس ؛ فيكون المعنى : أن يقولوا : شاعر أو مجنون . والثاني : القتل ، قاله السدي . { وإِن لم تؤمِنوا لي فاعتزلونِ } أي : فاتركوني لا معي ولا علَيَّ ، فكفروا ولم يؤمنوا { فدعا ربَّه أنَّ هؤلاء } قال الزجاج : من فتح { أنَّ } فالمعنى : بأن هؤلاء ؛ ومن كسر ، فالمعنى : قال : إِن هؤلاء ، { وإِنّ } بعد القول مكسورة . وقال المفسرون : المجرمون . هاهنا : المشركون . فأجاب اللهُ دعاءه ، وقال { فأسْرِ بعبادي ليلاً } يعني بالمؤمنين { إِنكم متَّبَعونَ } يتبعكم فرعون وقومه ؛ فأعلمهم أنهم يتبعونهم ، وأنه سيكون سبباً لغرقهم . { واترُكِ البحر رَهْواً } أي ساكناً على حاله بعد أن انفرق لك ، ولا تأمره أن يرجع كما كان حتى يدخُلَه فرعون وجنوده . والرَّهْو : مشيٌ في سُكون . قال قتادة : لمّا قطع موسى عليه السلام البحر ، عطف يضرب البحر بعصاه ليلتئم ، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده ، فقيل [ له ] : " واترك البحر رَهْواً " ، أي كما هو طريقاً يابساً . قوله تعالى : { إِنهم جُنْدٌ مُغْرَقون } أخبره الله عز وجل بغرقهم لِيَطْمَئِنَّ قلبُه في ترك البحر على حاله . { كم تَرَكوا } أي : بعد غرقهم { مِنْ جَنَّاتٍ } وقد فسرنا الآية في [ الشعراء : 57 ] . فأما " النَّعمة " فهو العيش اللَّيِّن الرغد . وما بعد هذا قد سبق بيانه [ يس : 55 ] إِلى قوله : { وأَوْرَثْناها قوماً آخَرين } يعني بني إسرائيل . { فما بَكَتْ عليهم السماءُ } أي : على آل فرعون وفي معناه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه على الحقيقة ؛ روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما مِنْ مُسْلِمٍ إٍلاّ وله في السماء بابان ، باب يصعَدُ فيه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه " وتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآية . وقال علي رضي الله عنه : إِن المؤمن إذا مات بكى عليه مُصَلاّه من الأرض ومَصْعَد عمله من السماء ، وإِن آل فرعون لم يكن لهم في الأرض مُصَلّى ولا في السماء مَصْعَد عمل ، فقال الله تعالى : { فما بَكَتْ عليهم السماء والأرض } ، وإِلى نحو هذا ذهب ابن عباس ، والضحاك ، ومقاتل ، وقال ابن عباس : الحُمرة التي في السماء : بكاؤها . وقال مجاهد : ما مات مؤمن إِلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحاً ، فقيل له : أو تَبكي ؟ قال : وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود ؟ ! . وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره ، فيها دَويّ كَدَويَّ النحل ؟ ! . والثاني : أن المراد : أهل السماء وأهل الأرض ، قاله الحسن ، ونظير هذا قوله تعالى : { حتى تَضَعَ الحربُ أوزارَها } [ محمد : 4 ] ، أي : أهل الحرب . والثالث : أن العرب تقول : إِذا أرادت تعظيمَ مَهِلكِ عظيمٍ : أظلمت الشمسُ له ، وكَسَفَ القمرُ لفقده ، وبكتْه الرّيحُ والبرقُ والسماءُ والأرضُ ، يريدون المبالغة في وصف المصيبة ، وليس ذلك بكذب منهم ، لأنهم جميعاً متواطئون عليه ، والسّامِعُ له يَعرف مذهبَ القائل فيه ؛ ونيَّتُهم في قولهم : أظلمت الشمسُ كادت تُظْلِم ، وكَسَفَ القمرُ : كاد يَكْسِف ، ومعنى " كاد " : هَمَّ أن يَفعَل ولم يفعل ؛ قال ابن مُفَرِّغ يرثي رجلاً : @ الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَهُ والبَرْقُ يَلْمَعُ في غَمامَهْ @@ وقال الآخر : @ الشَّمْسُ طالِعَةٌ لَيْسَتْ بكاسِفةٍ تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومَ اللَّيْلِ والْقَمَرا @@ أراد : الشمسُ طالعةٌ تبكي عليه ، وليست مع طلوعها كاسِفةً النجومَ والقمرََ ، لأنها مُظْلِمةٌ ، وإِنما تَكْسٍفُ بضوئها ، فنجُومُ الليل باديةٌ بالنهار ، فيكون معنى الكلام : إن الله لمّا أهلك قوم فرعون لم يبك عليهم باكٍ ، ولم يَجْزَعْ جازعٌ ، ولم يوجد لهم فَقْدٌ ، هذا كلُّه كلامُ ابن قتيبة .