Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 14-22)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلْ للذين آمنوا يَغْفِروا … } [ الآية ] في سبب نزولها أربعة أقوال : أحدها : أنهم نزلوا في غَزاة بني المصطلق على بئر يقال لها : " المريسيع " ، فأرسل عبدُ الله بن أُبيّ غلامَة ليستقيَ الماء ، فأبطأ عليه ، فلمّا أتاه قال له : ما حبسك ؟ قال : غلام عمر ، ما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قُرَبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقُرَبَ أبي بكر ، وملأ لمولاه ، فقال عبد الله : ما مَثَلُنا ومَثَلُ هؤلاء إِلاّ كما قيل : سمِّن كلبك يأكلك ، فبلغ قولُه عمر ، فاشتمل سيفَه يريد التوجُّه إِليه فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : [ أنها ] لمّا نزلت : { مَنْ ذا الذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] قال يهوديُّ بالمدينة يقال له فنحاص : احتاج ربُّ محمد ، فلما سمع بذلك عمر ، اشتمل [ على ] سيفه وخرج في طلبه ، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية ، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طلب عمر ، فلمّا جاء قال : " يا عمر ، ضَعْ سيفَك " وتلا عليه الآية ، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس . والثالث : أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذىً شديدٍ من المشركين قبل أن يؤمَروا بالقتال ، فشكَوْا ذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ، قاله القرظي ، والسدي . والرابع : أن رجلاً من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب ، فهمَّ عمر أن يبطش به ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . ومعنى الآية : قُلْ للذين آمنوا : اغْفِروا ، ولكن شبِّه بالشرط والجزاء ، كقوله : { قُلْ لعباديَ الذين آمَنوا يُقيموا الصلاة } [ إبراهيم : 31 ] ، وقد مضى بيان هذا . وقوله : { للذين لا يَرْجُونَ } أي : لا يَخافون وقائع الله في الأُمم الخالية ، لأنهم لا يؤمنون به ، فلا يخافون عقابه . وقيل : لا يَدْرُون أنْعَمَ اللهُ عليهم ، أم لا . وقد سبق بيان معنى " أيّام الله " في سورة [ إبراهيم : 5 ] . فصل وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة ، لأنها تضمَّنت الأمر بالإِعراض عن المشركين . واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال : أحدها : [ أنه ] قوله : { فاقتُلوا المشركين } [ التوبة : 5 ] ، رواه معمر عن قتادة . والثاني : أنه قوله في [ الأنفال : 57 ] { فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب } وقوله في [ براءة : 36 ] { وقاتِلوا المشركين كافَّةً } [ التوبة : 36 ] رواه سعيد عن قتادة . والثالث : [ أنه ] قوله : { أُذِن للذين يقتَلون بأنَّهم ظُلِموا } [ الحج : 39 ] قاله أبو صالح . قوله تعالى : { لِيَجْزِيَ قَوْماً } وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : { لِنَجْزِيَ } بالنون { قوماً } يعني الكفار ، فكأنه قال : لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن . وما بعد هذا قد سبق [ الإسراء : 7 ] إِلى قوله : { ولقد آتَيْنا بني إِسرائيل الكتابَ } يعني التوراة { والحُكْمَ } وهو الفَهْم في الكتاب ، { ورَزَقْناهم من الطيِّبِّات } يعني المَنَّ والسَّلوى { وفَضَّلْناهم على العالَمِين } أي : عالَمي زمانهم . { وآتيناهم بيِّناتٍ من الأمر } فيه قولان : أحدهما : بيان الحلال والحرام ، قاله السدي . والثاني : العِلْم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد نبوَّته ، ذكره الماوردي . وما بعد هذا قد تقدم بيانه [ آل عمران : 19 ] إِلى قوله : { ثُمَّ جَعَلْناكَ على شريعة من الأمر } سبب نزولها أن رؤساء قريش دعَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، إِلى مِلَّة آبائه ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . فأمّا قوله : { على شريعةٍ } فقال ابن قتيبة : [ أي ] : على مِلَّة ومذهب ، ومنه يقال : شَرَعَ فلان في كذا : إِذا أخَذ فيه ، ومنه " مَشارِعُ الماء " وهي الفُرَض التي شرع فيها الوارد . قال المفسرون : ثم جعلناك بعد موسى على طريقة من الأمر ، أي : من الدِّين ( فاتَّبِعْها و { الذين لا يَعلمون } كفار قريش . { إِنَّهم لن يُغْنُوا عنك } أي : لن يَدْفَعوا عنك عذاب الله إِن اتبَّعتَهم ، { وإِنَّ الظالمين } يعني المشركين . { واللهُ وليُّ المُتَّقِينَ } الشرك . والآية التي بعدها [ مفَّسرة ] في آخر [ الأعراف : 203 ] . { أَمْ حَسِبَ الذين اجْتَرَحُوا السَّيِّئات } سبب نزولها أن كفار مكة قالوا للمؤمنين : إنّا نُعطى في الآخرة مثلما تُعْطَون من الأجر . قاله مقاتل . والاستفهام هاهنا استفهام إِنكار و " اجترحوا " بمعنى اكتسبوا . { سواءً مَحياهم ومَماتُهم } قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وزيد عن يعقوب : { سواءً } نصباً ، وقرأ الباقون : بالرفع فمن رفع ، فعلى الابتداء ؛ ومن نصب جعله مفعولاً ثانياً ، على تقدير : أن نجعل مَحياهم ومماتَهم سواءً ؛ والمعنى : إِن هؤلاء يَحْيَون مؤمنين ويموتون مؤمنين ، وهؤلاء يَحْيَون كافرين ويموتون كافرين ؛ وشتّانَ ماهم في الحال والمآل { ساءَ ما يَحْكُمونَ } أي : بئس ما يَقْضُون . ثم ذكر بالآية التي تلي هذه أنه خلق السموات والأرض بالحق ، أي : للحق والجزاء بالعدل ، لئلاّ يظُن الكافرُ أنه لا يُجزي بكفره .