Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 11-16)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وقال الذين كَفَروا للذين آمَنوا … } الآية ، في سبب نزولها خمسة أقوال : أحدها : أن الكفار قالوا : لو كان دين محمد خيراً ما سبقَنا إِليه اليهودُ ، فنزلت هذه الآية ، قاله مسروق . والثاني : أن امرأة ضعيفة البَصر أسلمتْ ، وكان الأشراف من قريش يهزؤون بها ويقولون : واللهِ لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتْنا هذه إِليه ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو الزناد . والثالث : أن أبا ذر الغفاري أسلم واستجاب به قومه إِلى الإِسلام ، فقالت قريش : لو كان خيراً ما سبقونا إِليه ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو المتوكل . والرابع : أنه لمّا اهتدت مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةُ وأسلمتْ ، قالت أسَد وغَطَفان : لو كان خيراً ما سبقنا إِليه رِعاءُ الشَّاء ، يعنون مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب . والخامس : أن اليهود قالوا : لو كان دين محمد خيراً ما سبقتْمونا إِليه ، لأنه لا عِلْمَ لكم بذلك ، ولو كان حَقّاً لدخَلْنا فيه ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . وقال : [ هو قول مَنْ يقول : إِن الآية نزلت بالمدينة ؛ ومن قال : هي مكية ، قال ] : هو قول المشركين . فقد خرج في " الذين كفروا " قولان : أحدهما : أنهم المشركون . والثاني : اليهود . وقوله : { لو كان خيراً } أي : لو كان دين محمد خيراً { ما سَبَقونا إِليه } فمن قال : هم المشركون ، قال : أرادوا : إنّا أعَزُّ وأفضل ؛ ومن قال : هم اليهود ، [ قال ] : أرادوا لأنّا أعلم . قوله تعالى : { وإِذْا لَمْ يَهْتَدُوا به } أي : بالقرآن { فسيقولون هذا إِفّكٌ قديم } أي : كذب متقدِّم ، يعنون أساطير الأولين . { ومِنْ قَبْلِهِ كتابُ موسى } أي : من قَبْلِ القرآن التوراةُ . وفي الكلام محذوف ، تقديره : فلَمْ يهتدوا ، لأن المشركين لم يهتدوا بالتوراة . { إماماً } قال الزجاج : هو منصوب على الحال { ورحمةً } عطف عليه { وهذا كتابٌ مُصدِّقٌ } المعنى : مصدِّقُ للتوراة { لساناً عربياً } منصوب على الحال ؛ المعنى : مصدِّقُ لما بين يديه عربيّاً وذكر " لساناً " توكيداً ، كما تقول : جاءني زيد رجلاً صالحاً ، تريد : جاءني زيدٌ صالحاً . قوله تعالى : { لِيُنْذِرَ الذين ظَلَمُوا } قرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : " لِيُنْذِرَ " بالياء . وقرأ نافع ، وابن عامر ، ويعقوب : { لِتُنْذِرَ } بالتاء . وعن ابن كثير كالقراءتين . و " الذين ظلموا " المشركين { وبُشرى } أي : وهو بُشرى { للمُحْسِنِينَ } وهم الموحِّدون يبشِّرهم بالجنة . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [ فصلت : 30 ] إلى قوله : { بوالدَيْه حُسْناً } وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : { إحساناً } بألف . { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : { كَرْهاً } بفتح الكاف ؛ وقرأ الباقون : بضمها . قال الفراء : والنحويُّون يستحبُّون الضَّمَّ هاهنا ، ويكرهون الفتح ، للعلَّة التي بيَّنّاها عند قوله : { وهُوَ كُرْهٌ لكم } [ البقرة : 216 ] . قال الزجاج : والمعنى حملته على مشقَّة { ووضعتْه } على مشقَّة . { وفِصالُه } أي : فِطامُه . وقرأ يعقوب { وفَصْلُهُ } بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف { ثلاثون شهراً } قال ابن عباس : " ووضعتْه كُرْهاً " يريد به شِدَّةَ الطَّلْق . واعلم أن هذه المُدَّة قُدِّرتْ لأقلِّ الحَمْل وأكثرِ الرَّضاع ؛ فأمّا الأشُدّ ، ففيه أقوال قد تقدَّمت ؛ واختار الزجاج أنه بلوغ ثلاث وثلاثين سنة ، لأنه وقت كمال الإِنسان في بدنه وقوَّته واستحكام شأنه وتمييزه . وقال ابن قتيبة : أشُدُّ الرجُل غير أشُدِّ اليتيم ، لأن أشُدَّ الرجُل : الاكتهال والحُنْكَةُ وأن يشتدَّ رأيُه وعقلُه ، وذلك ثلاثون سنة ، ويقال : ثمان وثلاثون سنة ، وأشُدُّ الغُلام : أن يشتدَّ خَلْقُه ويتناهى نَبَاتُه . وقد ذكرنا بيان الأَشُد في [ الانعام : 153 ] وفي [ يوسف : 22 ] وهذا تحقيقه . واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ثلاثة أقوال : أحدها : [ أنها ] نزلتْ في أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه ، وذلك أنه صَحِبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة ، فنزلوا منزلاً فيه سِدْرَة ، فقعد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ظِلِّها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين ، فقال [ له ] : مَن الرَّجُل الذي في ظِلِّ السِّدْرة ؟ فقال : ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فقال : هذا واللهِ نبيٌّ وما استَظَلَّ تحتَها أحدٌ بعد عيسى إِلاّ محمدٌ نبيُّ الله ، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق ، فكان لا يفارِق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضره ، فلمّا نُبِّىء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة صدَّق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فلمّا بلغ أربعين سنة ، قال : رب أَوْزِعْني أن أشكُرََ نِعمتَكَ التي أنعمت عليَّ . رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الأكثرون ؛ قالوا : فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة ، دعا الله عز وجل بما ذكره في هذه الآية ، فأجابه الله ، فأسلم والداه و أولادُه ذكورُهم وإناثُهم ، ولم يجتمع ذلك لغيره من الصحابة . والقول الثاني : أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد شرحنا قصته في سورة [ العنكبوت : 8 ] ، وهذا مذهب الضحاك ، والسدي . والثالث : أنها نزلت على العموم ، قاله الحسن . وقد شرحنا في سورة [ النمل : 19 ] معنى قوله : { أوزعني } . قوله تعالى : { وأن أعمل صالحاً ترضاه } قال ابن عباس : أجابه الله يعني أبا بكر فأعتق تسعةً من المؤمنين كانوا يُعذَّبون في الله عز وجل ، ولم يُرِدْ شيئاً من الخير إِلاّ أعانه اللهُ عليه ، واستجاب له في ذُرِّيته فآمنوا ، { إنِّي تُبْتُ إليك } أي : رَجَعْتَ إِلى كل ما تُحِبُّ . قوله تعالى : { أولئك الذين نَتقبَّل عنهم أحسنَ ما عَمِلوا ونتجاوز عن سيِّئاتهم } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " يُتَقَبَّلُ " " ويُتَجَاوَزُ " بالياء المضمومة فيهما . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف : { نَتَقَبَّلُ } و { نَتَجَاوَزُ } بالنون فيهما . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو رجاء ، وأبو عمران الجوني : " يَتَقَبَّلُ " و " يَتَجَاوَزُ " بياء مفتوحة فيهما ، يعني أهل هذا القول والأحسن بمعنى الحَسَن . { في أصحاب الجنة } أي : في جملة من يُتجاوز عنهم ، وهم أصحاب الجنة . وقيل : " في " بمعنى " مع " . { وَعْدَ الصِّدْقِ } قال الزجاج : هو منصوب ، لأنه مصدر مؤكِّد لِمَا قَبْله ، لأن قوله : " أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عنهم " بمعنى الوعد ، لأنه وعدهم القبول بقوله : { وَعْدَ الصِّدْقِ } ، يؤكِّد ذلك قولُه : { الذين كانوا يُوعَدون } أي : على ألسنة الرُّسل في الدنيا .