Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 29-32)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وإِذ صَرَفْنا إِليك نَفَراً من الجِنِّ } وبَّخ اللهُ عز وجل بهذه الآية كُفّارَ قريش بما آمنتْ به الجِنُّ . وفي سبب صرفهم إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم صُرِفوا إِليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشُّهُب . روى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث ابن عباس قال : انطلَق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إِلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأُرسلتْ عليهم الشُّهُب ، فرجعت الشياطين فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حِيل بيننا وبين خبر السماء ، وأُرسلْت علينا الشُّهُب ، قالوا : ما ذاك إِلاّ من شيءٍ حدث ، فاضرِبوا مشارق الأرض ومغاربَها فانظروا ما هذا الأمر . فمرَّ النَّفرُ الذين توجَّهوا نحو تِهامة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بـ " نَخْلةَ " وهو يصلِّي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن تسمَّعوا له ، فقالوا : هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجَعوا إِلى قومهم فقالوا : { إِنّا سَمِعْنا قرآناً عَجَباً يَهدي إِلى الرُّشْد } [ الجن : 1ـ 2 ] فأنزل اللهُ على نبيِّه { قُلْ أُوحِيَ إِليَّ أنه استَمَعَ نَفَرٌ من الجِنِّ } [ الجن : 1 ] وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الجن ، ولا رآهم ، وإِنما أتَوْه وهو بـ " نخلة " فسمعوا القرآن . والثاني : أنهم صُرِفوا إِليه لِيُنْذِرهم ، وأمر أن يقرأ عليهم القرآن ، هذا مذهب جماعة ، منهم قتادة . وفي أفراد مسلم " من حديث علقمة قال : قلت لعبد الله : من كان منكم مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجن ؟ فقال : ما كان منَّا معه أحد . فقدْناه ذاتَ ليلة ونحن بمكة ، فقلنا : اغتيل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أو استُطير ، فانطلقْنا نطلبه في الشِّعاب ، فلقِيناهُ مُقْبِلاً من نحو حِراء ، فقلنا : يا رسول الله ، أين كنتَ ؟ لقد أشفقنا عليك ، وقلنا له : بِتْنا الليلةَ بِشَرِّ ليلةٍ بات بها قوم حين فَقَدْناكَ ، فقال : " إِنه أتاني داعي الجن ، فذهبت أُقْرِئهم القرآن " فذهبَ بنا ، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم " وقال قتادة : " ذُكِر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنِّي أُمِرْتُ أن أقرأ على الجن ، فأيُّكم يَتبعُني " ؟ فاطرقوا ، ثم استتبعهم فأطرقوا ، ثم استتبعهم الثالثةَ فأطرقوا ، فأتبعه عبد الله بن مسعود ، فدخل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم شِعْباً يقال له : " شِعْبُ الحَجون " ، وخطَّ على عبد الله خطّاً ليُثبته به ، قال : فسمعت لغطاً شديداً حتى خِفْتُ على نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فلمّا رجَع قلت : يا نبي الله ما اللغط الذي سمعتُ ، قال : " اجتَمعوا إِليَّ في قتيل كان بينهم ، فقضيت بينهم بالحق " والثالث : أنهم مَرُّوا به وهو يقرأ ، فسمعوا القرآن . فذكر بعض المفسرين أنه لمّا يئس من أهل مكة أن يجيبوه ، خرج إِلى الطائف ليدعوَهم إِلى الإِسلام وقيل : ليلتمس نصرهم وذلك بعد موت أبي طالب ، فلمّا كان ببطن نخلة قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر ، فمرَّ به نفرٌ من أشراف جِنِّ نصيبين فاستمعوا القرآن . فعلى هذا القول والقول الأول ، لم يعلم بحضورهم حتى أخبره الله تعالى ؛ وعلى القول الثاني ، عَلِمَ بهم حين جاءوا . وفي المكان الذي سمِعوا فيه تلاوةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قولان : أحدهما : الحَجون ، وقد ذكرناه عن ابن مسعود ، وبه قال قتادة . والثاني : بطن نخلة ، وقد ذكرناه عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد . وأما النَّفَر ، فقال ابن قتيبة : يقال : إِنَّ النَّفَر ما بين الثلاثة إِلى العشرة . وللمفسرين في عدد هؤلاء النَّفَر ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم كانوا سبعة ، قاله ابن مسعود ، وزِرُّ بن حبيش ، ومجاهد ، ورواه عكرمة عن ابن عباس : والثاني : تسعةً ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : اثني عشر ألفاً ، روي عن عكرمة . ولا يصح ، لأن النَّفَر لا يُطلَق على الكثير . قوله تعالى : { فلمّا حَضَروه } أي : حضروا استماعه و { قُضِيَ } يعني : فُرِغَ من تلاوته { ولَّوا إِلى قومهم مُنْذِرِينَ } أي : محذِّرين عذاب الله عز وجل إن لم يؤمِنوا . وهل أنذَروا قومَهم مِنْ قِبَل أنفُسهم أم جعلَهم رسولُ اللهُ رسُلاً إِلى قومهم ؟ فيه قولان : قال عطاء : كان دِينُ أولئك الجِنِّ اليهوديةَ فلذلك قالوا : { مِنْ بَعْدِ موسى } . قوله تعالى : { أجيبوا داعيَ اللهِ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم . وهذا يدُلُّ على أنه أُرسِلَ إِلى الجن والإِنس . قوله تعالى : { يَغْفِرْ لكمِ مِنْ ذُنوبكم } " مِنْ " هاهنا صلة . قوله تعالى : { فليس بمُعْجِزٍ في الأرض } أي : لا يُعْجِزُ اللهَ تعالى { وليس له مِنْ دونِه أولياءُ } أي : أنصار يمنعونه من عذاب الله تعالى { أولئك } الذين لا يجيبون الرُّسل { في ضلالٍ مُبينٍ } .