Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-24)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم ذكر الذين أخلصوا نِيَّتهم وشَهِدوا بَيْعة الرّضوان بقوله : { لقد رضِيَ اللهُ عن المؤمِنين } وقد ذكرنا سبب هذه البَيْعة آنفاً ، وإِنما سمِّيتْ بَيْعةَ الرّضوان ، لقوله : { لقد رَضِيَ اللهُ عن المؤمنين إذ يُبايعونك تحت الشجرة } روى إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه ، قال : بينما نحن قائلون زمن الحديبية ، نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، البَيْعةَ البَيْعةَ ، نَزَل روح القُدُس قال : فثُرنا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سَمُرة ، فبايَعْناه ، وقال عبد الله بن مغفَّل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يبايع الناس ، وإِنِّي لأرفع أغصانَها عن رأسه . وقال بكير بن الأشج : كانت الشجرة بفجٍّ نحو مكة . قال نافع : كان الناس يأتون تلك الشجرة فيصلُّون عندها ، فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقُطِعتْ . قوله تعالى : { فَعَلِمَ ما في قُلوبهم } أي : من الصِّدق والوفاء ، والمعنى : علم أنهم مُخْلِصون { فأنزل السَّكينة عليهم } يعني الطُّمأنينة والرِّضى حتى بايَعوا على أن يقاتِلوا ولا يَفِرُّوا { وأثابهم } أي : عوَّضهم على الرِّضى بقضائه والصَّبر على أمره { فَتْحاً قريباً } وهو خيبر ، { ومَغانِمَ كثيرةً يأخذونها } أي : من خيبر ، لأنها كانت ذات عَقار وأموال ، فأمّا قوله بعد هذا : { وعَدَكم اللهُ مَغانِمَ كثيرة تأخذونها } فقال المفسرون : هي الفُتوح التي تُفْتَح على المسلمين إِلى يوم القيامة . { فعجَّل لكم هذه } فيها قولان . أحدهما : أنها غنيمة خيبر ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والجمهور . والثاني : أنه الصُّلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، رواه العوفي عن ابن عباس . قوله تعالى : { وكَفَّ أيديَ الناس عنكم } فيهم ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم اليهود همُّوا أن يغتالوا عيال المسلمين الذين خلّفوهم في المدينة ، فكفَّهم اللهُ عن ذلك ، قاله قتادة . والثاني : أنهم أسد وغطفان جاؤوا لينصروا أهل خيبر ، فقَذَفَ اللهُ في قلوبهم الرُّعب ، فانصرفوا عنهم ، قاله مقاتل . وقال الفراء : كانت أسد وغطفان [ مع أهل خيبر ، فقصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه وخلَّوا بينه وبين خيبر . وقال غيرهما : بل همَّت أسد وغطفان ] باغتيال [ أهل ] المدينة ، فكفَّهم اللهُ عن ذلك . والثالث : أنهم أهل مكة كفَّهم اللهُ بالصلح ، حكاهما الثعلبي وغيره . ففي قوله " عنكم " قولان . أحدهما : أنه على أصله ، قاله الأكثرون . والثاني : عن عيالكم ، قاله ابن قتيبة ، وهو مقتضى قول قتادة . { ولِتَكون آيةً للمؤمنين } في المشار إليها قولان . أحدهما : أنها الفَعْلة التي فَعَلها بكم من كَفِّ أيديهم عنكم كانت آيةً للمؤمنين ، فعَلِموا أن الله تعالى متولَّي حراستهم في مَشهدهم ومَغيبهم . والثاني : أنها خيبر كان فتحها علامةً للمؤمنين ، في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وعدهم به . قوله تعالى : { ويَهْدِيَكم صراطاً مستقيماً } فيه قولان . أحدهما : طريق التوكُّل عليه والتفويض إِليه ، وهذا على القول الأول . والثاني : يَزيدكم هُدىً بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من وعد الله تعالى بالفتح والغنيمة . قوله تعالى : { وأُخرى } المعنى : وعدكم الله مَغانمَ أُخرى ؛ وفيها أربعة أقوال . أحدها : أنها ما فُتح للمسلمين بعد ذلك . روى سماك الحنفي عن ابن عباس { وأُخرى لَمْ تَقْدِروا عليها } قال : ما فتح لكم من هذه الفتوح ، وبه قال مجاهد . والثاني : أنها خيبر ، رواه عطية ، والضحاك عن ابن عباس ، وبه قال ابن زيد . والثالث : فارس والروم ، روي عن ابن عباس أيضاً ، وبه قال الحسن ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى . والرابع : مكة ، ذكره قتادة ، وابن قتيبة . قوله تعالى : { قد أحاط اللهُ بها } فيه قولان . أحدهما : أحاط بها عِلْماً أنها ستكون من فُتوحكم . والثاني : حَفِظها لكم ومَنَعها من غيركم حتى فتحتموها . قوله تعالى : { ولو قاتلكم الذين كفروا } هذا خطاب لأهل الحديبية ، قاله قتادة ؛ { والذين كفروا } مشركو قريش . فعلى هذا يكون المعنى لو قاتلوكم يومَ الحديبية { لولَّوُا الأدبار } لِما في قلوبهم من الرُّعب { ثم لا يجدون وليّاً } لأن لله قد خذلهم . قال الزجاج : المعنى : لو قاتلك من لم يقاتِلْك لنُصِرْتَ عليه ، لأن سُنَّة الله النُّصرةُ لأوليائه . و " سُنَّةَ الله " منصوبة على المصدر ، لأن قوله : " لولَّوُا الأدبار " معناه : سَنَّ اللهُ عز وجل خِذلانهم سُنَّةً ، وقد مَرَّ مِثْلُ هذا في قوله : { كتابَ اللهِ عليكم } [ النساء : 24 ] وقوله : { صُنْع اللهِ } [ النمل : 88 ] . قوله تعالى : { وهُو الذي كَفَّ أيديَهم عنكم } روى أنس بن مالك أن ثمانين رجلاً من أهله مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلِّحين يريدون غِرَّة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه ، فأخذهم سِلْماً ، فاستحياهم ، وأنزل الله هذه الآية . وروى عبد الله بن مغفَّل قال : " كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة ، فبينا نحن كذلك إِذ خرج علينا ثلاثون شابّاً ، فثاروا في وُجوهنا ، فدعا عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل جئتم في عهد ؟ " أو " هل جعل لكم أحد أماناً ؟ " قالوا : اللهم لا ، فخلَّى سبيلهم ، ونزلت هذه الآية " وذكر قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خَيْلاً فأتَوه باثني عشر فارساً من الكفار ، فأرسلهم . وقال مقاتل : خرجوا يقاتِلون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فهزمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالطَّعن والنَّبل حتى أدخلهم بيوت مكة . قال المفسرون : ومعنى الآية : إِن الله تعالى ذكر مِنَّته إِذ حجز بين الفريقين فلم يقتتلا حتى تم الصلح بينهم . وفي بطن مكة ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الحديبية ، قاله أنس . والثاني : وادي مكة ، قاله السدي . والثالث : التنعيم ، حكاه أبو سليمان الدمشقي . فأمّا " مكة " فقال الزجاج : " مكة " لا تنصرف لأنها مؤنَّثة ، وهي معرفة ، ويصلُح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق " بكة " ، والميم تُبدل من الباء ، يُقال : ضَرْبة لازم ، ولازب ، ويصلُح أن يكون اشتقاقها من قولهم : امْتَكَّ الفَصيل مافي ضرع النّاقة : إِذا مَصَّ مَصّاً شديداً حتى لا يُبْقي فيه شيئاً . فيكون سمِّيتْ بذلك لشِدَّة الازدحام فيها ؛ قال : والقول الأول أحسن . وقال قطرب : مكة من تَمَكَّكْتُ المُخَّ : إذا أكلتَه . وقال ابن فارس : تَمَكَّكْتُ العظم : إِذا أخرجتَ مُخَّه ؛ والتمكُّكُ : الاستقصاء ؛ وفي الحديث : " لا تُمَكِّكوا على غُرَمائكم " . وفي تسمية " مكة " أربعة أقوال . أحدها : لأنها مَثَاَبَةٌ يؤمُّها الخَلْقُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ ، وكأنها هي التي تجذِبُهم إِليها ، وذلك من قول العرب : امْتَكَّ الفَصيلُ ما في ضَرْع النّاقة . والثاني : أنها سمِّيتْ ( مكة ) من قولك : بَكَكْتُ الرجُل : إِذا وضَعْتَ منه وَرَدَدْتَ نَخْوتَه فكأنها تَمُكُّ مَنْ ظلم فيها ، أي تُهلكه وتُنْقِصه ، وأنشدوا : @ يا مَكَّةُ ، الفاجِرَ مُكِّي مَكَّا ولا تَمُكِّي مَذْحِجاً وعَكَّا @@ والثالث : [ أنها ] سمِّيتْ بذلك لجَهْد أهلها . والرابع : لِقلَّة الماء بها . وهل مكة وبكة واحد ؟ قد ذكرناه في [ آل عمران : 96 ] . قوله تعالى : { مِنْ بَعْدِ أن أَظفركم عليهم } أي : بهم ؛ يقال : ظَفِرْتُ بفلان ، وظَفِرْتُ عليه . قوله تعالى : { وكان اللهُ بما تعلمون بصيراً } قرأ أبو عمرو : { يعملون } بالياء والباقون : بالتاء .